نظرة فقهية للقروض التي تدخل سوق الأسهم

 نظرة فقهية للقروض التي تدخل سوق الأسهم

[email protected]

يدور اليوم حديث حول نية المصارف زيادة حجم القروض الشخصية بمعدل يزيد على المعمول به اليوم، وحيث إن سوق الأسهم أصبحت إحدى القنوات الكبرى التي تحتضن تلك القروض، فلا بد أن تكون هناك نظرة فقهية تتناول مثل هذه القضية التي تلامس وضع المجتمع بصفته مجتمعا مسلما أولا، وبما أن مثل هذه القضية لا بد أن تأخذ أبعادها الاقتصادية والاجتماعية، لا بد في الوقت نفسه أن تأخذ بعدا فقهيا يمثل تفاعل الفقه الإسلامي مع المتغيرات والمستجدات بما يحقق رضى الله سبحانه أولا ثم مصلحة المجتمع التي تمثل أحد أهداف التشريع الإسلامي بلا شك من المعلوم أن الديون والقروض يحتاج الناس إليها في حياتهم ولذا أجاز الإسلام ممارسة مثل هذه الأنواع من العقود بل استدان النبي، صلى الله عليه وسلم، بنفسه فقد ورد عن عائشة رضي الله عنها أن النبي، صلى الله عليه وسلم، اشترى من يهودي طعاما بنسيئة ورهنه درعه (رواه البخاري)، فالاستدانة بشكل عام جائزة شرعا وليس هناك ما يمنع منها في الأحوال العامة.
ولكن السؤال هل الاستدانة أو الاقتراض جائز بلا قيد أو شرط ودون النظر إلى المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية وظروف طرفي العقد وهما المستدين ومعطي الدين أو القرض، والاعتبار أيضا بسبب طلب الاستدانة أو القرض.
لعله من المفيد قبل الكلام عن هذا الموضوع توضيح الفرق بين الدين والقرض كمصطلح شرعي، فالدين عبارة عن التزام مالي نتيجة لقرض أو بيع مؤجل كالبيع بالتقسيط أو غير ذلك فهذا المفهوم أعم من القرض الذي يكون عبر التقدم بطلب مال من شخص على أن يرد المقترض المبلغ نفسه في المستقبل دون زيادة وهذا بلا شك ينعكس بشكل واضح على فروقات في أحكام الدين الناتج عن عقد البيع.
والدين الناتج عن القرض وحسب ما يرى عدد من الفقهاء أن عقد القرض –وهو ما يسمى اليوم بالقرض الحسن - يندرج تحت مفهوم التبرع وذلك لأن المقرض لا ينتظر عائدا دنيويا من المقترض بل الأجر والثواب من الله تعالى، في حين أن البيع عقد معاوضة سواء كان دفع الثمن حالا أو مؤجلا، وبهذا يتبين أن القرض يندرج أيضا تحت مفهوم الدين بشكل عام.
مما دفع لمناقشة هذا الموضوع في هذا الوقت هو التقرير الذي نشر في صحيفة "الاقتصادية" في العدد(4776 يوم الأربعاء بتاريخ 17 شوال عام 1427هـ عن زيادة حجم القروض الاستهلاكية من قبل الأفراد في نهاية النصف الأول من عام 2006 إلى 184.4 مليار ريال مع استبعاد القروض الناتجة عن استخدام بطاقات الائتمان وذلك يمثل ما نسبته 39.9 في المائة من حجم القروض بشكل عام الاستهلاكي منها والتجاري وهو أعلى من المعدل العالمي الذي لا يتجاوز الاستهلاكي منه 25 في المائة وحسبما ورد في التقرير أن 73.1 في المائة غير محددة الهدف. ورغم جهود مؤسسة النقد في الحد من هذه القروض إلا أن حجمها زاد على العام الماضي بنسبة 23.4 في المائة وفي تعليق للصحيفة "أن القروض التجارية التي يتحملها أفراد المجتمع أصبحت تمثل أربعة أعشار القروض الممنوحة من البنوك التجارية، ويعلو صوت جرس الإنذار المبكر جراء هذه الارتفاعات المتسارعة في القروض الشخصية التي يتحملها الأفراد".
وطبعا مع ظهور مثل هذا التقرير وحسب رؤية عدد من المراقبين أن هذه القروض الشخصية الكثير منها دخل إلى سوق الأسهم ولذلك لا بد أن يكون للشرع وجهة نظر وذلك بناء على حرص الإسلام في دفع الضرر عن المجتمع بشكل عام والأفراد بشكل خاص.
لاشك أنه ينبغي أن نعلم أنه مع إجازة الإسلام القرض والدين إلا أنه غير مرغوب فيه لما يقتضيه من التزامات قد يكون من الصعب أداؤها، ولذلك نجد أن من أدعية النبي، صلى الله عليه وسلم، قوله: "اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين وغلبة العدو وشماتة الأعداء" (رواه النسائي وصححه الحاكم) والمقصود بغلبة الدين كما ورد عن بعض أهل العلم أن الإنسان يغلب عليه الدين ويصعب عليه قضاؤه.
وفي الحديث الآخر الذي ورد في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما نجد أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يستعيذ من المغرم ولما سُئل عن سبب الاستعاذة من المغرم قال: (إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف). فهذه المعاملة قد يترتب عليها محظور في بعض حالاتها ولذلك ينبغي على المسلم أن يتجنبها في حال ما إذا كان غير محتاج لذلك الدين أو القرض.
ولابد هنا من الإشارة إلى عدم جواز أن يستدين الفرد في حالة ما إذا كان يعتقد أنه لا يستطيع أن يسدد الدين أو مع النية المسبقة لعدم سداد الدين فقد ورد عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أإنه قال: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله تعالى" (رواه البخاري).
ولا شك أن هناك حجم مخاطرة كبيرا يتعلق بما يحصل اليوم من القروض والتسهيلات التي تصب في سوق الأسهم وكثير منها يتم بمبالغ عالية تفوق قدرات الأفراد ولذلك تعمد المصارف إلى التحكم في محفظة المستدين وبيع الأسهم عند وصولها إلى أسعار متدنية لتتمكن من الحصول على الدين الذي قدمته للمدين، وهذا كما أنه يحقق ضررا للمستدين فإنه أيضا قد يحقق ضررا لعامة المساهمين في السوق عند ما تصل أسهمهم إلى أسعار متدنية بسبب البيع القسري الذي تمارسه تلك المصارف.
فمن وجهة نظر متواضعة ينبغي على المسلم ألا ينخرط في التزام مالي قد يعكر صفو راحته وحياته بل حتى عائلته إلا بعد أن يحسب للأضرار التي قد تنجم من خسارته من خلال الدخول في تجارة عالية الخطورة أو شراء أشياء كمالية قد لا يحتاج إليها، وأن يحاول أن يقتصر في ذلك قدر الحاجة كالحصول على سكن معقول التكلفة أو شراء سيارة بسعر يقدر على الوفاء به.
وعندما نناقش مثل هذا الموضوع يمكن لنا أن نبين قدر اهتمام الإسلام أيضا بالمجتمع فما يكون جائزا في الظروف الاعتيادية قد يكون غير مرغوب فيه أو قد يصل في بعض حالاته إلى التحريم، كما أن هناك أشياء محرمة شرعا في الأحوال العامة قد تكون جائزة في حالات الضرورة.

الأكثر قراءة