اللاتينيون والأفارقة يبحثون عن مستقبل أفضل في إسبانيا

اللاتينيون والأفارقة يبحثون عن مستقبل أفضل في إسبانيا

وأنت تسير في حدائق وشوارع المدن الإسبانية، تلحظ ازدياد الأفراد ذوي الطابع الهندي، والذين يرافقون الإسبان المتقدمين في العمر وراء عجلة الكرسي المتحرك، أو يوجهون حركتهم في ممرات المشي.
وهناك المزيد من الأفراد الذين يولدون من أبوين مختلفي الأصل، وهؤلاء قادمون من دول الأنديز في أمريكا الجنوبية، مثل الإكوادور، بوليفيا، أو بيرو، بحثاً عن العمل في إسبانيا. والعناية بكبار السن، سواء الممولين من قبل الحكومة أو بشكل خاص، وهؤلاء ينتمون بنسبة كبيرة منهم إلى مهاجري أمريكا الجنوبية؛ وحتى من بين القائمين على خدمة الزبائن في المطاعم والمقاهي، يُشكّل مهاجرو أمريكا الجنوبية نحو النصف.
ويعود أصل نحو النصف من الأجانب المقيمين في إسبانيا إلى الدول المتحدّثة باللغة الإسبانية من أمريكا. ومباشرةً عقب وصولهم، يتم تعيينهم في مهن، يحتاج المرء للحديث فيها مع الزبائن، وبالتأكيد هذا يساعد على إتاحة الكثير من فرص العمل في دولة يفد إليها ملايين السيّاح. ولا يبدو الأمر صعباً على المهاجرين من أمريكا اللاتينية، في التداخل مع المواطنين الإسبان أيضاً، حيث إن الثقافة، ونمط العيش في أوطانهم مميّزتان بالطابع الإسباني بقوة. كما أن أغلبهم تماماً مثل الإسبان مسيحيون كاثوليك. وبعض الأفراد المختلطة أصولهم والذين يجيئون إلى إسبانيا، هم أحفاد الإسبان الذين هاجروا إلى أمريكا اللاتينية سابقاً. وينالون الجنسية الإسبانية سريعاً نوعاً ما، وكذلك يحصلون على جميع الحقوق التي يحظى بها الذين ولدوا في إسبانيا.
ويبلغ عدد الأجانب في إسبانيا اليوم نحو أربعة ملايين من أصل 44 مليون نسمة، وهذا يعني نحو 9 في المائة من الحجم السكاني. وبالفعل يمكن القول إن هذه ليست حصة الأجانب الأعلى من باقي دول الاتحاد الأوروبي، وبرغم هذا، فقد تقدّم خلال العامين الماضيين المزيد من المهاجرين إلى إسبانيا بنسبة أعلى من أي دولة أوروبية أخرى. وبلغ عدد المهاجرين في عام 2004 في إسبانيا نحو مليون، أقل من الولايات المتحدة بنسبة طفيفة فقط. وتساهم إسبانيا في زيادة عدد المهاجرين ضمن الاتحاد الأوروبي بنحو 30 في المائة، برغم أن أنها من الدول التي تسجّل أقل نسبة مواليد في أوروبا.
وهناك أسباب عديدة تُعزى إلى كون إسبانيا دولة محببة لدى المهاجرين: وأولها إن إسبانيا تسجّل أعلى نسبة نمو اقتصادي من بين دول الاتحاد الأوروبي، تراوح بين 3 و5 في المائة سنوياً. ومن أهم أعمدة النمو في إسبانيا، هو القطاع الإنشائي، والسياحة، حيث يمكن لكثير من الأيدي العاملة غير المؤهلة العمل فيهما. وإضافة إلى هذا، فإن إسبانيا وجزر الكناري، ومقاطعتيها الواقعتين في شمال إفريقيا، سبتة، ومليلة على الحدود الجنوبية للاتحاد الأوروبي، تُعد البوابة للمهاجرين الفقراء من إفريقيا إلى أوروبا. ويحظى حتى المهاجر غير الشرعي في إسبانيا على مدخل إلى الرعاية الصحية، والفرصة لإرسال أولاده إلى المدارس. وتُعد الرعاية الصحية الحكومية متسامحة، وتقبل المرضى، والذين لم يشتركوا أبداً في التأمين الصحي الإسباني.
شرّعت الحكومة العام الماضي قانوناً يسهل وجود العاملين الأجانب غير الشرعيين في إسبانيا، حيث حصل نحو ثلاثة أرباع المليون من الأجانب على إقامة سارية، وسندات عمل، والأهم من هذا، أنها وفرت لهم الحماية من الاستغلال، حيث كان على المقيمين غير الشرعيين في إسبانيا العمل غالباً في القطاع الزراعي في جنوب إسبانيا، مقابل أجور أقل من الحد الشرعي، ومحاطة بشروط سيئة للغاية. ولكنهم قبلوا بهذا، لأنهم خشوا أن يتم الإبلاغ عنهم، وطردهم. وبالرغم من أن عدد المهاجرين غير الموثقين تراجع، (يوجد بناءً على إحصائيات رسمية ما يزيد على مليون منهم). وتعلم الحكومة الإسبانية بالطبع، أنهم ليسوا قلة أولئك الذين يودون الزحف من جنوب الصحارى ومواصلة مشوارهم إلى فرنسا. وتجتهد إسبانيا في الحصول على دعم من الاتحاد الأوروبي، بهدف تقليص حجم المهاجرين من إفريقيا. ويشكّل المهاجرون الذين يفدون عن طريق البحر إلى جزر الكناري، نسبة ضئيلة فقط من حجم المهاجرين الإجمالي في إسبانيا، حيث إن تلك الطريق خطرة ومتعبة إلى حدٍ كبير. والصور التي يتم نقلها على التليفزيون للقوارب الخشبية الواصلة إلى شواطئ الكناري، بالغة الدراماتيكية. ففي الحقيقة، يموت نصف الركّاب في مثل هذه القوارب، ويُفترض نقل الكثير من الإفريقيين إلى المستشفيات مباشرةً.
وحسب تقديرات المرء على مدار فترة من الزمن، فإن نحو الثلث من حالات تداعي السقوط تلك تعود إلى القوارب المتوجّهة من موريتانيا، أو السنغال. وينقذ الصيادون الإسبان غالباً مهاجرين من القوارب المنقلبة على وجهها. ومنذ فترة من الوقت، تتحرك سفينة علاجية إسبانية تحت اسم واعد جداً؛ "أمل البحر"، على جنوب الأطلسي، إلى أعالي موريتانيا والسنغال، لتتمكن من إنقاذ الضالين من الركّاب، والقوارب الواقعة في مصيبة من مصائب البحر.
وجاء أغلب الأفارقة في السابق عن طريق مضيق البحر المتسع بنحو 13 كيلو متراً من جبل طارق في المغرب إلى إسبانيا. وهناك الميثاق، الذي وعدت به إسبانيا المغرب بتزويدها بنسبة جيدة من الأموال، مقابل أن تلتزم الحكومة المغربية، بحماية سواحلها بشكل أفضل، ومكافحة مخترقي المنافذ المائية. ومنذ ذلك الحين، يحاول الأفارقة السود الانتقال إلى جزر الكناري عن طريق المياه الخطرة من موريتانيا، والسنغال خروجاً من جزيرة فورد. وحسب ما يُسمى "خطة إفريقيا"، لدعم دول غرب إفريقيا، تنوي إسبانيا المحاولة لتمكين تلك الدول من تحقيق فرص عمل لهؤلاء العازمين على الهجرة. والكثير منهم يجيء عن طريق دول أخرى واقعة جنوباً بعد موريتانيا والسنغال. وغالباً ما يتخذ التجار، خاصة أصحاب المستويات التعليمية الجيدة من الأفارقة، خطوة المخاطرة في القفز نحو أوروبا. وحتى من بين مواطني أمريكا الجنوبية، والذين يعملون في الحصاد، أو عناية كبار السن، أو كمضيفين في المطاعم، يوجد الكثير منهم من خريجي الجامعات.
وتُعتبر الجماعة الأكبر من الأجانب المقيمين في إسبانيا من المغاربة، بنحو 600 ألف، وتتبعهم جماعة الإكوادور بنحو 400 ألف، وجماعة رومانيا بنحو 300 ألف وتُعتبر نسبة ارتكاب الجريمة ما بين المغاربة أعلى مما هي لدى مهاجري أمريكا اللاتينية.
ويفد من دول شمال إفريقيا الشباب فقط تقريباً من المناطق الريفية، ومن الأمور التي تُعد غير مألوفة بالنسبة لهم، هو النمط المتحرر جداً في طريقة الحركة والارتداء لدى النساء الإسبان، ما يؤدي بهم إلى نهايات خاطئة أحيانا، والاندفاع إلى الغواية.
وحتى في المجموعات الإرهابية المرتبطة مع القاعدة، والمسؤولة عن الهجمات في مدريد في الحادي عشر من شهر آذار (مارس) من عام 2004، كانت أغلبها من المغاربة. وتوجد مجموعات من الشباب في المدن الإسبانية الكبيرة أيضاً. وفي أحياء المدن، حيث تُعد نسبة الأمريكان من أمريكا الجنوبية كبيرة جداً، وتتصارع هذه المجموعات فيما بينها، بين ما تُسمى "بمجموعة الكينج ومجموعة نيتاس اللاتينية"، إلى حدٍ كبير. ولكن من أكثر المجموعات المسببة لمخاوف وقلق الشرطة الإسبانية هم الرومانيون، حيث قاموا بالتعاون مع الإسبان الملمّين بالمناطق بتشكيل عصابات، والتي تقتحم منازل الريف، ومواطن الرحلات، وباستخدام الأسلحة النارية أيضاً. ويتمرّن أطفال الرومانيين على سرقة الشوارع، حيث عملوا على دفع المتسولين المحليين من جميع أماكن عملهم المعتادة في هذا المجال بعيداً. وتجتهد مدريد اليوم في تحفيز الحكومة الرومانية، إلى عدم السماح للمجرمين أو المحكوم عليهم سابقاً من الرومانيين بالخروج من الدولة، وطلبت من هنجاريا، والنمسا، وإيطاليا، بضبط حدودها على نحوٍ أفضل. ويفد المجرمون الرومانيون إلى إسبانيا عن طريق فيزا سياحية، ويعودون إلى وطنهم عقب ثلاثة أشهر. وبالطبع يوجد الكثير من الرومان، والذين يعملون مثل البولنديين، والتشيك، بإخلاص، وحرف مطلوبة في إسبانيا. ويفد من أوروبا الشرقية كذلك الكثير من فتيات الليل، وخاصة إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط.
وهناك رأي خاطئ في إسبانيا، بأنه غالباً ما تختص أعمال الشرطة الإسبانية والقضاء بالأجانب أكثر من المحليين، لكن السلطات تشير، إلى أن الأمر ليس على ذاك النحو فعلياً. ونادراً ما يوجد في إسبانيا مسألة التعصّب أو العداء ضد الأجانب. وحتى عقب هجمات 11 آذار (مارس) عام 2004، والتي قتل فيها نحو 191 فرداً مصرعهم فيها، لم يؤد هذا إلى أية أعمال مفرطة ضد المسلمين، أو المغاربة، برغم أن الفاعلين كانوا من المسلمين العرب، والأغلبية منهم كانوا مغاربة. وتذكّر المؤسسات الإدارية والكنيسية الإسبان، بأنهم الآن أصبحوا دولة للهجرة إليها ، بينما كانوا في السابق، ما قبل قرنين من الزمان دولة للهجرة منها. وعلى أية حال، فإن أهداف المهاجرين من الجيل الأول إلى إسبانيا تنحصر في إيجاد العمل وجني المال، ولكن المشكلة تكمن مع الجيل الثاني عادةً.
ويحصل المهاجرون في إسبانيا على الحقوق نفسها من الخدمات الاجتماعية مثل المواطنين الأصليين.
وتتمسك إسبانيا بميثاق شينجين إلى حدٍ كبير فيما يتعلّق بالحرية. ولهذا على الإسبانيين أن يحصلوا على فيزا حتى لدول الحلفاء أيضاً، مثل كولومبيا، عندما أقرّت أغلبية دول الاتحاد الأوروبي هذا. ويعلم الناس في مدريد، بأن الكثير من الأفارقة يزحفون إلى الشمال عن طريق حدود جبال بيرين، حتى لو أن هذا لا يرضي الفرنسيين. ويعلم الناس أيضاً أن، الرومانيين وصلوا في النهاية إلى إسبانيا عن طريق عدة حدود.
وبالفعل، وفقاً لما جاء عن بعض الدراسات، هناك الكثير من الإسبان، الذين يعتبرون أن الهجرة إحدى أكبر المشاكل في الدولة، وفي المقابل، تشير الحكومة، والرؤساء الاقتصاديون، إلى أن الهجرة إلى إسبانيا تحقق الكثير من المحاسن مقارنة بالمساوئ الناتجة عنها. ومن الأمور المرحب بها ارتفاع نسبة الشباب بين السكان، حيث ينجب المهاجرون اليوم المزيد من الأطفال، أكثر من المحليين. ويُفترض بالحكومة الإسبانية في الحقيقة القيام بالمزيد من الواجبات تجاه المدارس، التي تتميّز بارتفاع نسبة الأجانب فيها. وطالما أن الاقتصاد الإسباني ينمو بقوة وبسرعة، فإن المهاجرين مرحّب بهم، حيث هناك حاجة كبيرة إليهم.

الأكثر قراءة