بعض الوعاظ يطلقون الأحكام الفقهية والعقدية من تحريم أو تكفير دون علم
نبّه فضيلة الشيخ الدكتور عبد العزيز بن محمد السدحان، الأستاذ المساعد في الكلية التقنية في الرياض، على بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الوعاظ في مواعظهم، مؤكدا أن ذكر هذه الأخطاء حرص على أن تكون مواعظهم سليمة، أو بعيدة عما يكدر ماءها من تلوث بإثم أو تفريط، وليس انتقاصا منهم، شاكرا كل من دعا إلى خير أو دل عليه، وبين أن من الواجب والديانة أن يحرص داعي الخير على سلامة نيته، مع صحة منهج دعوته لينفع نفسه وغيره.
وذكر فضيلته أن من أبرز الأخطاء، ملء الموعظة كلها بالقصص والقصائد والحكايات، دون ذكر ولو آية أو حديث واحد عن النبي, صلى الله عليه وسلم، وكذلك تضمين الموعظة أحاديث دون التحري في ثبوتها من عدمه، لافتا إلى أن عدم إيراد الآيات والأحاديث في الموعظة يعد من قلة الفقه، لأن ربط الناس بالآيات والأحاديث هو أعظم مؤثر في نفوسهم، قال تعالى: "فذكر بالقرآن من يخاف وعيد".
وأما عدم التأكد من ثبوت الأحاديث فهذا فيه مفاسد كثيرة منها إثم المتكلم بذكرها، لأنه قال بلا علم، ومن المفاسد أيضا الضرر المتعدي بسماع الناس لها وانتشارها عند من سمعها، موضحا أن أهل العلم شددوا في ذلك، لعظيم الأثر السيئ المترتب على نشر وترويج الكذب على النبي, صلى الله عليه وسلم.
وبين فضيلته أنه قد سئل بعض أئمة الشافعية عن خطيب يذكر أحاديث دون معرفة رواتها ومخرجيها وإنما ينقل ذلك من الكتب، فجاء الجواب: "إنه إذا كان ذلك الناقل للأحاديث من أهل المعرفة بالحديث أو نقلها من كتاب عرف مؤلفه بمعرفة الحديث فلا إشكال، أما ذكر تلك الأحاديث بمجرد قراءتها في كتاب لم يعرف صاحبه بتمييز الحديث، فلا يحل له ذلك، ومن فعله عزر التعزير الشديد –إلى أن قال: وجاز لولي الأمر أن يعزله من وظيفة الخطابة زجرا له عن أن يتجرأ على هذه المرتبة السنية بغير حق"
وحذر الشيخ من الآثار السلبية لمثل تلك المواعظ قائلا: "إن المدمنين على سماعها قد يثقل عليهم سماع العلم أو سماع المواعظ المتضمنة للنصوص الشرعية، وهذا أمر يحس به المرء في نفسه فإنه متى أكثر من شيء واستلذه فإنه يزهد في غيره"، مستشهدا بقول شيخ الإسلام ابن تيمية, رحمه الله تعالى:"ولهذا تجد من أكثر من سماع القصائد لطلب صلاح قلبه نقصت رغبته في سماع القرآن حتى ربما يكرهه –إلى أن قال: ومن أدمن على أخذ الحكمة والآداب من كلام حكماء فارس والروم لا يبقى لحكمة الإسلام وآدابه في قلبه ذاك الموقع، ومن أدمن على قصص الملوك وسيرهم لا يبقى لقصص الأنبياء وسيرهم في قلبه ذاك الاهتمام".
ومن المآخذ أيضا على بعض الوعاظ كثرة الهزل في الموعظة وتغليب جانب الضحك بدعوى الترويح عن الناس وهذا مفهوم خاطئ، وتساءل مستنكرا "هل الترويح عن النفوس يكون بقلب الموعظة ضحكا وقهقهة؟"، مبينا أن هذا الأسلوب يزهد الناس في العلم، وينمي في النفس استمراء الهزل، وقد يثقل على النفس سماع الموعظة التي تخلو من أسلوب الضحك، نعم لا مانع من الترويح، لكن لا إفراط ولا تفريط، قال أبو قلابة:"ما أمات العلم إلا القصاص يجالس الرجل القاص سنة فلا يتعلق منه بشيء، ويجالس العالم فلا يقوم حتى يتعلق منه بشيء".
وأضاف الشيخ السدحان كذلك من المآخذ تغليب الواعظ جانب التشاؤم في أثناء وعظه، فإذا ذكر المجتمع صبغه بصبغة المجتمع المتحلل من الأخلاق المفرط في الواجبات، وغلب سوء الظن بأهل المجتمع، وتشاءم ولم يتفاءل، مشيرا إلى أن ذلك ليس من العدل في القول، محذرا من أن هذا الأسلوب قد يزيد الناس ضعفا إلى ضعفهم، وأشار إلى أنه لو سلك الواعظ المنهج العلمي في وعظ الناس وتنبيههم، فبين الخلل وذكر أبواب الخير لنفع نفسه وغيره.
ومثَل الشيخ للمنهج السليم، بأن على الواعظ إذا أراد الكلام عن منكر شائع في البلد وقد وقع فيه كثير من الناس، فإنه يذكر خطر المنكر وأثره في من تلوث في أوحاله، ثم يترفق في إنكاره، ويبين خيرية هذا المجتمع عموما، وأن أكثرهم أهل جمعة، وجماعة، وأهل فطرة وسلامة، وأنهم يرجون رحمة الله ويخافون عذابه.
ويوضح الواعظ أن على من ابتلي بذلك، أن يتقي الله تعالى في نفسه، ويسارع إلى تطبيق شروط التوبة النصوح، ثم يسوق بعد ذلك بعض الأدلة التي ترغب في التوبة، لأن كثيرا من الخطائين في الغالب يتأثر بهذا الأسلوب، فعلى من أراد وعظ الناس أن يستشعر أنه طبيب يعالج الأمراض، فإن أحسن العلاج نفع نفسه وغيره وإن أساء ضر نفسه وغيره.
و قال أيضا: "و من الأخطاء التي تقع من بعض الوعاظ، عدم اختيار الموضوع المناسب، وأن هذا من ضعف الفقه في مجال دعوة الناس، لأنه من الخلل في الوعظ أن تحدث أناسا عن شرب الدخان وهم لا يشهدون الصلاة، بل الواجب على الواعظ في مثل هذه الحال أن يدعوهم بحكمة إلى الاهتمام بأداء الصلاة مع بيان خطورة التهاون بها وتأخيرها فضلا عن تركها".
وكذلك من الأخطاء، عدم معرفة حال المدعوين، فقد يحدث الواعظ قوما عن أمور لا يعرفونها أو يحدثهم عن فروع يفقدون أصولها، لذلك كان النبي, صلى الله عليه وسلم, يحرص على تعليم دعاته معرفة حال المدعوين، لافتا إلى وصيته عليه الصلاة والسلام لمعاذ, رضي الله تعالى عنه، حينما بعثه إلى أهل اليمن قال له: "إنك ستأتي قوما أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.. " متفق عليه.
و قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في شرح هذا الحديث: قوله :"ستأتي قوما أهل كتاب" هي كالتوطئة للوصية لتستجمع همته عليها لكون أهل الكتاب أهل علم في الجملة فلا تكون العناية بمخاطبتهم كمخاطبة الجهال من عبدة الأوثان".
وحذر الشيخ من جرأة بعض الوعاظ الذين لم يعرفوا بعلم، على إطلاق الأحكام الفقهية أو العقدية من تحريم أو تكفير، يدفعه إلى ذلك غيرته وحضور الجمع الغفير لسماع الموعظة، وهذا الأمر خطير جدا، لأن القول على الله بلا علم أعظم المنكرات، قال تعالى: "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا".
ودعا الشيخ الوعاظ إلى اختيار الوقت المناسب للموعظة، لأن البعض منهم قد لا يوفق في ذلك، مما يترتب عليه نفور الناس من الموعظة، موضحا أن الوعظ في وقت مناسبات الأفراح، يجب أن يكون موجزا لتجتمع المصلحتان الفائدة الوعظية واجتماع الناس ببعضهم، واستئناسهم بتبادل الأحاديث، لذلك ليس من المناسب أن يملأ الواعظ وقت الحفل أو أغلبه بموعظة يطول وقتها فتقطع على الحاضرين أنسهم ولقيا بعضهم بعضا.
وبين فضيلته، أن طول مجلس الوعظ يذهب فائدته بل قد يمل السامعون، وقد قال الإمام الزهري رحمه الله تعالى:"إذا طال المجلس كان للشيطان فيه نصيب".