"الولي الطاهر" للجزائري الطاهر وطّار.. رحلة مغايرة لولي صوفي
من النادر والغريب أن تبدأ رواية بمقدمة يخطها كاتبها ليبرر ارتكاباته الأدبية والفنية, وهذا الغريب النادر فعله الكاتب الجزائري الطاهر وطّار في روايته "الولي الطاهر".
تحدث في هذه المقدمة للقارئ والناقد والباحث عن الكارثة الحضارية التي نعاني منها في إلغاء الآخر وعدم التسامح مع المخالف, الاستمرار بذهنية الإقصاء والإلغاء التي مارسها العرب لقرون, وكأنه يلمح من خلال هذه المقدمة إلى عدم وأد هذا العمل لأنه خاض في بعض الخطوط الحمراء التاريخية والسياسية, وختم بالحديث عن الرواية " الولي الطاهر" بكونها محاولة لمقاربة فعل ملحمي لا مجرد قصة.
في البداية تحليق حر في سماء الأرواح, يبدأ الطاهر وطّار روايته بالحديث عن هذا الولي, روحه المتماهية في الكون, الممتزجة فيه, المتنقلة عبر معارجه وأسراره بحثاً عن حقائق الوجود عبر الأزمان والأمكنة, محاولاً فك طلاسم هذا الوجود, تقرير أن التصوف ملاذ للبشر بعد فساد البشر.
في علوه فوق السحب, يتجسد الولي في صورة جندي وسط غمار معركة, بين هدير الطائرات وأصوات المدافع, جندياً أُلهم النصر فانتصر.
يجد نفسه في ساحات حروب الردة, ممسكاً براية خالد بن الوليد, مقاتلاً مسيلمة الكذاب, قتيلاً في المعركة, ثم مصروعاً في مجلس حضرته وبين مريديه.
يخوض من خلال هذه الرحلة في قضية ردة مالك بن نويرة, قتل خالد بن الوليد له, وسبي زوجته أم متمم, من خلال نقاش للمريدين, ودخول حالة عامة من حالات العرفان والكشف شملت كل المريدين في المقام الزكي.
الولي متعدد, تارة يخوض معارك الثورة الجزائرية في الجبال, تارة يحمل راية خالد بن الوليد, وأخرى يغتال أحد الكتاب المصريين قرب نهر النيل ليطهر الأرض من خطاياه, كل ما في الأمر – كما يؤكد الولي- أنها " لا تعدو المسألة كلها أن تكون حالة صوفية بلغناها بالصلاة والذكر والحضرات".
حالة صوفية متكاملة, من الكشف والعرفان والسجدة التي استمرت سبعة أيام وكأنها يوم من أيام الله, وحتى لحظات التجلي والحالات الروحية والتجارب التي خاضها هذا الولي حتى النهاية, رمزية باحثة عن الحب والسلم والتعايش بين البشر رغم كل التاريخ, تفاوت الجغرافيا وطغيان السياسة.
ولد الروائي الجزائري الطاهر وطّار عام 1936م, تعلم في معهد الشيخ عبد الحميد ابن باديس أولاً ثم مدرسة جامع الزيتونة, له عدة مجموعات قصصية وروايات, من أبرزها "اللاز" و "عرس بغل" و"تجربة في العشق". الرواية من إصدارات منشورات الجمل بألمانيا, عام 2003م, وتقع في 143 صفحة من القطع المتوسط.