فيتنام من فقدان الطريق إلى معجزة اقتصادية آسيوية
بعد عشرة أعوام من التفاوض أصبحت فيتنام العضو رقم 150 في منظمة التجارة العالمية.. ومن المفترض أن تستضيف هانوي قمة دول آبيك التي يحضرها ممثلون عن الولايات المتحدة والصين واليابان وروسيا منتصف الشهر الجاري حينها لن تتناول وسائل الإعلام في تقاريرها مظاهر التنمية في الدولة المضيفة فقط بل إنها ستبرز فيتنام في أبهى صورها. لقد ارتبط اسم فيتنام وعلى مدار عقود من الزمان بالحرب الأمريكية كما يسميها الناس هنا في هانوي . وفي عام 1975 احتفل الفيتناميون بالنصر على قوة الاحتلال الأمريكية .
يقارب حجم وعدد سكان جمهورية فيتنام الاشتراكية جمهورية ألمانيا. وينمو عدد سكان فيتنام سنوياً نحو مليون نسمة. ونحو ثلث الفيتناميين تقل أعمارهم عن 14 عاماً. ورغم أن فيتنام أنجزت الشيء الكثير في القضاء على الفقر إلا أن ما يقدر بنحو ربع سكان البلاد لا يزالون يعيشون تحت خط الفقر . ومنذ تولي رئيس الوزراء الجديد نجويان تان دونج منذ نهاية حزيران (يونيو) بدا وكأنه تكنوقراطي متحمّس لإعادة الهيكلة، فهو يريد أن يقود الدولة من اقتصاد اشتراكي مركزي إلى اقتصاد سوق موجّه اجتماعياً.
وتتوقع وزارة التخطيط والاستثمار في فيتنام للخطة الخمسية من عام 2006 إلى عام 2010 نموا اقتصاديا يراوح ما بين 7.5 و8 في المائة سنوياً، ومن الممكن أن يكون ذاك المعدل هذا أعلى معدل نمو في شرق آسيا بعد سيدة النمو الاقتصادي في العالم، الصين. وارتفع الإنتاج الاقتصادي هذا العام في فيتنام حتى نهاية شهر تشرين الأول (أكتوبر) نحو 17 في المائة، بينما نما القطاع الحكومي خلال الأشهر العشرة الأولى نحو 9 في المائة، ونما الاقتصاد الخاص نحو 22 في المائة.
كما ترتفع أعداد خطوط اتصال الهواتف، والاتصالات اللاسلكية، والإنترنت بسرعة كبيرة جداً لا تقارن بأية دولة أخرى في المنطقة، حتى وإن كانت على أسس بسيطة. وارتفع حجم الناتج الإجمالي للفرد الواحد منذ عام 1990 نحو 75 نقطة في المائة، وتراجعت نسبة الفقراء في غضون عقد من الزمان بمعدل النصف تقريباً إلى 30 في المائة. وتُعتبر سوق الأسهم الفيتنامية، التي اكتسبت منذ شهر كانون الثاني (يناير) 75 في المائة، الأكثر جدوى وربحاً في الشرق الأقصى لهذا العام. وفي الوقت ذاته تقريباً تبلّغ مجموعة الخدمات الإنتاجية المعلوماتية - FPT، عن ارتفاع في حجم المبيعات لديها العام الماضي نحو 61 في المائة، وفي أرباحها نحو 60 في المائة. وسجّل معدل النمو في فيتنام 50 في المائة خلال الأعوام الخمسة الماضية.
ومن ينظر إلى التنمية في فيتنام، يتوصّل مباشرةً إلى مقارنة: تلك التنمية مع التنمية في الدولة الشقيقة العملاقة في الشمال : الصين . ولا تنطبق هذه المقارنة على معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة في التحوّل فقط، ولكن على ما يبدو أن فيتنام تجتذب أكثر وأكثر المزيد من المستثمرين من الخارج، وتملك الأيدي العاملة الرخيصة، واحتياطي المواد الخام الثرية، وتبدو مجبرة، على ضبط وكبح القطاعات بالغة النشاط للاقتصاد القومي.
وقد أصبحت قوة الاحتلال القديمة؛ الصين، اليوم أكبر مستوردة للسلع الفيتنامية. وبالفعل أصبح أيضاً الكثير من الدول الأخرى يطلب المزيد والمزيد. وبهذا ارتفع حجم التداول التجاري مع ألمانيا خلال النصف الأول من العام نحو 25 في المائة. والشركات المصنّعة للأحذية والملابس والتي عُنِيت بتعرفة استيراد جمركية على السلع الصينية في الاتحاد الأوروبي، تبحث في فيتنام عن منطقة تصنيع احتياطية. وتنوي "أديداس" أن تنقل تصنيعها من الصين. وحتى أن المستثمرين الماليين يتحركون بأنفسهم ، فالشركة المساهمة الخاصة (تكساس باسيفيك جروب) و(مجموعة إنتل) المسؤولة عن تمويل تأسيس الشركات، ساهمتا بنحو 36.5 مليون دولار في الشركة الفيتنامية، والتي تشغّل في الوقت الراهن خمسة آلاف عامل .
وفي الوقت ذاته، ترتفع القوة الشرائية، وإن لم تكن بسرعة كافية. وكما يستفيد مالكو العقارات دوماً في الدول الناشئة: ففي الأعوام الأربعة الماضية ارتفعت قيمة المخازن الجيدة في المدن والعواصم نحو 100 في المائة. ويرتفع حجم استهلاك الطاقة من عام إلى عام بما يزيد على 15 في المائة، وتعمل الموانئ على حدود السعات. ومن المفترض أن تنشأ نحو 60 محطة طاقة جديدة حتى عام 2020، وسيتم بناء ثلاثة موانئ مياه عميقة في الجنوب.
وتبدو الفرص واعدة إلى حدٍ بعيد، ولكن تبقى المخاطر مرتفعة .
ولا تزال الحكومة تملك مصالح في الشؤون الاقتصادية، بالإضافة إلى أن التشغيل الحكومي لا يزال يسيطر على حصة تبلغ نحو 40 في المائة من الإنتاج الاقتصادي الإجمالي. وحتى الآن خصخصت الحكومة نحو ألفي مجموعة حكومية تمثل نحو ثلث عدد المجموعات الحكومية الإجمالية الموجودة. وتقدر مفوضية الأمن الحكومية – SSC أن الشركات التي تم تخصيصها حتى الآن تسجّل نحو 8 في المائة من حجم رأس المال الإجمالي لكافة الشركات المسجّلة. وبالفعل يمكن للأجانب بصورة عامة أن يحتفظوا بنحو 100 في المائة من الشركات. وحالما يتم تسجيلها في البورصة، ينخفض حق الملكية هذا إلى 49 في المائة. وتحظر فيتنام تماما شراء الأجانب وتملكهم للأرض.
وتقتفي فيتنام خطوات الصين قبل بضعة أعوام مركزة على خمس مهام: تنمية القطاع الخاص، وأرباح المستثمرين الخاصين، وتخصيص الشركات الحكومية، والانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وتعزيز البنية التحتية. بينما تعمل الحكومة على توفير الانتعاش الاقتصادي في الأرياف، عليها أن تحذر، بألا يكون توزيعها للانتعاش غير منصف. والآن يوجد تراجع كبير ما بين المدينة والريف، ولكن ليس هذا فحسب، ولكن كذلك ما بين الشمال والجنوب: نحو عشرة ملايين نسمة، والذين يعيشون حول العاصمة هانوي في الشمال، وتصدر عن القيم التصديرية نحو 50 دولارا فقط في الشهر للفرد الواحد. وفي مقابل الجنوب المزدهر، حيث يعيش نحو خمسة ملايين نسمة في محيط منطقة سايجون يحققون من التصدير نحو 785 دولارا بالمعدل.