الخيمة والقصر
كانت الخيمة التي تعصف بها الريح من كل جانب تحاول أن تتمسك في الأرض وصاحبنا يحاول أن يمسك برواقها والريح يدفعه بشدة ومع هذا لم أتمالك نفسي لأطرح على صاحبنا سؤالي المفاجئ، ما الفرق بين هذه الخيمة التي نحن فيها في هذه الصحراء مترامية الأطراف وقصرك المنيف يا سيدي؟ ومع أن سؤالي أتى في وقت غير مناسب إلا أن صاحبي أجاب دون تردد لقد هربت لآتي إلى هنا.
هدأت الريح وعاد صاحبي إلى النار يشعلها من جديد ليصنع القهوة بنفسه. حيث لم يتمكن الدخان الكثيف أن يحجب ابتسامة السعادة عن محياه. لحظتها تأكد لدي أن لدينا منبعا من البساطة كفيلا بأن يحل الكثير من مشكلاتنا، ولا يساورني أدنى شك في أن ما لدينا من معارف سابقة اكتسبها ابن هذه الأرض من تعامله معها كفيلة بأن تحقق تغييرا جذريا في كثير من المفاهيم التي أصبحت قيودا في رقابنا تجرنا إلى المعاناة والشقاء. إن ابتعادنا عما حولنا من الطبيعة والبيئة وتعاملنا معها بجفاء وصدود وعدم استغلالها الاستغلال الأمثل أمور دفعتنا إلى مشكلات معقدة نقف أمامها حائرين وأصبحنا ننفق أعمارنا من أجل احتياجنا للسكن. والذي أصبح الهم الأكبر في حياتنا. أن الحاجة أصبحت ملحة لنعود ونستفيد من تلك الثروات التي احتقرناها وأصبحت نسيا منسيا إن الطريق الحقيقي إلى التنمية المستدامة التي يجب إن ننشدها هي تلك البساطة المتمثلة في تلة من رمل ونخلة باسقة وخيمة بسيطة وبيت من الطين وحصيرة من سعف ووجار قهوة وتفاصيل صغيرة من نقوش بدائية جاهزة لتقدم لنا الدروس والحلول، لكننا أغلقنا عقولنا عنها.
إن الدرس البسيط والعملي الذي نحصل عليه من هذه الخيمة أن البساطة هي أقصر الطرق التي تقودنا إلى الحل. لكن السؤال المهم هو كيف نترجم تلك المثل إلى حلول عملية تتحول إلى مشاريع قابلة للتطبيق لا مجرد تنظير يستحيل تطبيقه. كيف يمكن الاستفادة من تلك الخبرات المتراكمة التي صنعها أهل هذه الأرض على مر العصور والتي تم إلغاؤها بين ليلة وضحاها. إن الجواب هو إعادة محاكاتها وإعادة التعامل معها ومحاولة استغلالها من جديد ومزجها بتلك البحوث والأفكار والابتكارات التي أنتجها العلماء والمبتكرون، للاستفادة والاستغلال الأمثل لما حولنا كالشمس والطين والرياح بل وحتى البكتيريا وقطرات الندى.
سيدي القاري الكريم أطلب منك أن تخرج الصحراء وأن تمكث فيها متأملا فكرة البساطة المطلقة التي ستقود تفكيرك إلى الكثير من الحلول وربما تؤدي إلى تغيير بعض القناعات .. المهم (تأمل فقط).