مطالب بتنظيم ورعاية البسطات النسائية باعتبارها سوق عمل ثالثة للمرأة

مطالب بتنظيم ورعاية البسطات النسائية باعتبارها سوق عمل ثالثة للمرأة

مطالب بتنظيم ورعاية البسطات النسائية باعتبارها سوق عمل ثالثة للمرأة

كم من مرة ذهبت فيها إلى السوق لتجد امرأة تضع أمامها بضعة أشياء بسيطة لتبيعها, ربما تجني من وراء بيعها هامش ربح قليل يتراوح من 50-350 ريالا يوميا على حسب الظروف إلا إنها تقاوم بذلك البطالة ومد يد العون للغير.
" المرأة العاملة" وفي جولة واسعة لها في مدينة الرياض التقت العديد من السيدات اللاتي يمارسن تلك المهنة وتعرفت على تجاربهن المختلفة وأحلامهن التي تكاد تنحصر في تنظيم يجمعهن في سوق واحدة، أو في مراكز مخصصة تنشر في أحياء المدن، عوضا عن كونهن متفرقات في أسواق مختلفة، وفي العراء معرضين لأسوا الظروف الجوية من حر شديد أو برد قارص، وخرجت بالتالي:

دوافع عملهن في البسطات
في السوق الشرقية ـ طريق خالد بن الوليد ـ التقينا "أم سلمان"، وهي سيدة متقدمة في السن أرغمتها وفاة زوجها، وغياب العائل على العمل منذ ما يقرب من الأربعة عشرة عاماً.
تقول أمْ سلمان" البَسْطَة تدرُّ علي ما يكفي حاجتي وحاجة أبنائي، وتكفيني ذُلَّ السؤال، ولكنّها لا تقيني لهيب الحر، وبرودة الشتاء".
ومِن ثمَّ تمنَّتْ "أم سلمان" لو تُخصص لهن البلدية أكشاكا منظمة، أو أسواقا محددة تتمتع بالخدمات المختلفة، وتُحقق لهن الراحة، وتدعم حاجتهن للتكسُّب الحلال.
وتشارك "أم سلمان" دوافع العمل نفسها "أم محمد" التي يتجاوز عمرها الخمسين، إذ تقول"إن تغطية نفقات الحياة المعيشية، والتعليمية لسبعة أطفال أيتام لا يزالون على مقاعد الدراسة هو أهم سبب في امتهاني ذلك العمل، إلا أن أكثر ما يؤرقني في عملي هو "البلدية"التي تتخذ جميع الإجراءات الرقابية، والجولات التفتيشية في مواقع البسطات, دون أن تسن بدائل أخرى".
لذا تحلم أم محمد بتوفير مواقع محددة تضم كل البسطات النسائية سواءً كانت مجمع مباسط نسائيا موحدا، أو أكشاكا، المهم أنْ يكون مكيفاً، ومعزولاً عن عيون الفضوليين، وآمناً كذلك ضدَّ ظروف الطقس القاسية.

موظفة وتعمل في بسطة!
أمَّا في منطقة شمال الرياض، وتحديداً "أسواق العويس"، فقد دفعت ظروف إحدى السيدات المتزوجات الني تعطَّل زوجها عن العمل، إلى جانب أنَّه مدمن، ويعاني من مرضٍ نفسي، إلى العمل لفترتين ، أحدهما دواماً حكومياً كمراسلة، والآخر كبائعة بَسْطَة، حيث إنها أم لثمانية أبناء أصغرهم في السادسة من العمر، ولم تكمل تعليمها، لكنِّها قادرة على العمل؛ لكي تجنِّب أبناءها مشقَّة الحياة .

مضايقات البلدية والرجال
أمّا "أُم مرزوق تعمل منذ 20 عاما والتي تتخذ من أسواق "حجاب" مقراً لبسطتها، فقالت، مرض زوجي بعد التقاعد، وتحوّله إلى مقيم دائم بأحد المستشفيات هو ما دفعني للعمل، حتى أكفي نفسي وأولادي الحاجة.
وترى "أم مرزوق" أنَّ سلبيات العمل في البسطات تتمثَّل في مضايقات الرجال، وإنذارات البلدية، ومضايقة أصحاب المحال التجارية، والذين يرون في بيعهن بأسعار محدودة كساداً لتجارتهم بالإضافة إلى رداءة الجو ، وتقلّبه، الأمر الذي يؤثر في البضاعة أحيانا.

"البسطات" والرأي الاقتصادي
وفقاً لمنظمة العمل الدولية فإنَّ هناك نحو (60 في المائة) من نساء العالم يتجهن نحو القطاع غير الرسمي عبر إحدى ثلاثة وظائف على الترتيب، البيع في الشوارع، الخدمة المنزلية، والتعاقد من الباطن.
ووفقاً لدراسة أعدتها منظمة "الأسكوا" اتضح أنَّ المرأة تشارك في القطاع غير الرسمي بأعلى نسبة من النساء المتدنِّيات التعليم، كما أنَّ الفائدة المالية تعود مباشرة للأسرة وليس لروافدٍ أخرى، إضافة إلى أنَّ عوامل أخرى مثل الطلاق تُعدُّ دوافع لا تقل قوة عن الدوافع الاقتصادية المتمثلة في محدودية الدخل.
ورجحت الدراسة أنَّ الدوافع نحو البيع في البَسْطَات التقليدية والشوارع المتعارف عليها ترجع إلى أسباب عدة، على رأسها، رغبة المرأة في الكسب المادي، تنمية مدخراتها، الإحساس بقيمتها الذاتية المعنوية كفردٍ مُنْتِج ، بجانب رغبة البعض في تكوين استقلالية فردية.
فيما يرى آخرون أنَّ لارتفاع قيمة تكاليف المعيشة اليومية، والرغبة المستمرة في إيجاد مصدر دخل متجدد يرفع من مستوى حياة الفرد والأسرة سبباً آخر، ويلعب التكوين البيولوجي والثقافي للمرأة دوراً كبيراً في اختيار فرصة عملها، بل وطبيعة ذلك العمل، ويمكن أن يكون انخفاض مستوى دخل الفرد من أهم أسباب اتجاه المرأة نحو العمل غير الرسمي "تحديداً البسطات" ، بجانب عدم توافر فرص العمل ، والبطالة ، وتدني مستوى التعليم ، والفقر.

المميزات والسلبيات
من مميزات البسطات النسائية أنَّها توفر فرصة حصول ميسَّرة للمستلزمات المنزلية بقيمة رخيصة لمحدودي الدخل، إضافةً إلى ما تتيحه من اتصالٍ مباشر بين المرأة والمرأة، وسهولة الأخذ والرد.
أمَّا من الناحية المادية، فتمثل ربحاً يومياً يتفاوت بين الـ 50 و350 ريالا يومياً، ويتم تجاوز هذا الرقم في أيام المناسبات، العطلات، والأعياد.
وفي حين تلعب البسطات دوراً إيجابياً في دفع السوق وتحريكها، تستقطب كذلك بجانب ذوي الدخل المحدود، الزوَّار الأجانب و"السيَّاح"، وبهذا تكون قد عملتْ على إحياء البعد الثقافي والاقتصادي من جهة أخرى.
و من الناحية الخدمية، تحظى البسطات النسائية التي تفترشها النساء بميزة خلوِّها من رسوم وأعباء الإيجار، وتكلفة خدماته، الأمر الذي أدَّى إلى ظهور أسواق صغيرة ومتخصصة ذات شهرة وحركة واضحة في بعض أرصفة الأسواق.
ومن الناحية الصحيَّة فإنَّ البسطات تزخر بالعديد من المشروبات والمأكولات الخفيفة، والزيوت والأدوية الشعبية، وغيرها من البضائع التي تسوء صلاحيتها بسبب ظروف التخزين، وتقلُّب الأحوال الجوية، وغياب الرقابة ، إذ يمكن أن ينجم عن ذلك بعض المخاطر الصحية.
كما أنَّ خطر الاحتكاك بين البائعات ، وبعض الرجال مرضى النفوس ، وابتعادهن عن منازلهن لساعات طويلة يمكن أن يمثل تهديداً يؤثر في نظم العائلة ، وعلاقة أفرادها ، وبالتالي يؤثر في بناء المجتمع.

البسطات ومظاهر اجتماعية
تؤكد الإخصائية الاجتماعية بدرية البدر أن وجود البسطات النسائية على الأرصفة وحول الأسواق النسائية في الرياض بتلك الطريقة، يزيد من توتر وقلق البائعات وهو ما يفرز نوعا من التصرفات غير السليمة سلوكيا وسببا لسلوك العنف والعدوان الموجود بين البائعات.
وتشدد في حديثها على أهمية تخصيص مجمع للمباسط معزول عن الشارع للتقليل من التوتر، أو تخصيص أكشاك منظمة من قِبَل أمانة الرياض تؤجَّر بأسعارٍ رمزية تساعد في ممارسة الأعمال ، والحيلولة دون استخدام البَسْطَات مما يساعد في ضبط السلوكيات من جهة وتوفير وسيلة لكسب الرزق للسيدات من جهة أخرى.

البسطات سوق عمل ثانوية
ويرى بعض الخبراء أنَّ رفع كفاءة الموارد البشرية، وتوجيه التدريب المهني إلى اتجاهات محددة في سوق العمل من شأنه أن يقلل من الفقر، ويرفع مستوى المعيشة، كما أنَّ استثمار الأموال المحلية في مشروعات محلية تخدم المرأة العاملة غير الماهرة من شأنه أن يُوجد متنفساً جيداً للعمل.
يقول الدكتور محمد حامد أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك سعود، ينقسم سوق العمل إلى ثلاثة أقسام، سوق العمل الرئيسية وهي لذوي المؤهلات والخبرة، السوق الثانوية ويدخلها الأفراد برؤوس أموالهم ومواهبهم وغير ذلك من المؤهلات الذاتية، وهي سوق تضم رجال الأعمال والحرفيين وأصحاب المهن الصغيرة. أمَّا سوق العمل الثالثة، والتي تندرج تحتها "البسطات، وفرشات الأرض، والباعة الجائلون"، فهو يحتوي على الأعمال غير المرخَّص بها، وهذه الفئة من أشرف ممتهني الأعمال غير المرخصة ، ولا يعيبهم سوى أنهم لا يملكون ما يستأجرون به أماكن يبيعون فيها بضاعتهم، لضعف مواردهم المالية.
و يؤكد الحامد أن القوانين المحلية لا تحمي ممتهني العمل في السوق الثالثة، رغم أنهم يقدمون خدمة للمشترين أصحاب الدخل الأقل، ويزيدون حيوية الأسواق والأرصفة.
و يقترح الدكتور محمد لممتهني العمل في هذه السوق باعتبار أن هذه الأعمال هي البديل الوحيد المطروح أمامهم ، تطوير أعمالهم من أرباحهم بغرض انتقالهم إلى سوق العمل الثانية ـ على حد قوله ـ وزاد" فكم سيدة ورجل أعمال بدأ كبائع".
وشدد الدكتور محمد على أهمية أن تلعب أمانة مدينة الرياض دوراً كبيراً في تنظيم ظاهرة افتراش البسطات في أرصفة الأسواق، وتقاطع بعض الطرق، خاصة في الأسواق الشعبية المفتوحة.
ونوه الدكتور محمد بأن تنظِّيم مسألة البيع وأماكنه الذي تقوم به الأمانة من خلال منح الرخص، وتطبيق العقوبات النظامية بحق المخالفين بجانب الرقابة على السلع في المواقع التي تقوم بمنح تراخيصها، لا يعد كافيا حيث إن مواقع البَسْطَات وامتدادها على الأرصفة تمثِّل سوقاً داخل سوق لا تحظى فيها المرأة بالخصوصية التي تمكِّنها من العمل في جوٍّ صحيٍّ ملائم تتحمل مسؤولياتها من خلاله تجاه نفسها ، وبيتها ، وأفراد أسرتها ، وتحقق الربح المنشود.
وبمساندة المسؤولين تأمل البائعات أن تتحقق أحلامهن بإيجاد مواقع مستقلة متكاملة بعيداً عن لفح الشمس ، وبرد الشتاء..و بعيـــداً عن الأرصفة.

الأكثر قراءة