قوائم الشركات المباحة .. غاية أم وسيلة ؟
الجدل القائم حول القوائم الخاصة بالشركات المباحة التي يصدرها بعض المختصين في المجال الشرعي، إضافة إلى اللجان الشرعية التابعة للبنوك لم ينته حتى الآن، ورغم أن كثيراً من الطرح القائم حول هذه القوائم تجاوز طريقة التصنيف الخاصة بالأسهم نفسها متجها إلى تخطئة هذه القوائم برمتها وذلك من منظور اقتصادي بحجة أن تلك القوائم أسهمت في بعض الارتفاعات غير المبررة لبعض الشركات الموجودة في تلك القوائم، أقول رغم ذلك، إن الطرح في كثير من الأحيان تجاوز القضية في جوهرها من الناحيتين الاقتصادية والشرعية على حدٍ سواء، وابتعد عن الموضوعية في أحيان أخرى بغية تجريم هذه القوائم وتحميلها ما لا تحتمل. ولست بصدد تبرير هذه القوائم أو الدفاع عنها، إلا أن البحث الموضوعي والنظرة المتجردة تقتضي منا قراءة أكثر تعمقا للموضوع من زاويتيه الشرعية والاقتصادية، لمعرفة طرق تصنيف تلك القوائم من الناحية الشرعية وقياس درجة تأثيرها على الأسهم وأثرها على الشركات وقيم أسهمها من الناحية الاقتصادية ولأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فلا بد ابتداء من فهم عملية التصنيف القائمة للشركات والمعايير المعتبرة لتصنيف تلك الشركات إلى شركات مجازة أو محظورة، حيث تنقسم عمليات التصنيف الحالية إلى نوعين رئيسين اعتمادا على رأيين فقهيين معاصرين حيال الأسهم.
تصنيفات الأسهم
في حين يذهب الرأي الأول، الذي تتبناه بعض اللجان الشرعية التابعة لبعض البنوك الإسلامية وعدد من المختصين في المصرفية الإسلامية، إلى عدم جواز المساهمة في الشركات التي تتضمن قوائمها المالية أية عمليات إقراض أو اقتراض بالفائدة الربوية المحرمة، أو تلك التي تحتوي إيراداتها على إيراد محرم مهما قلت نسبة هذه العمليات أو هذا الإيراد المحرم. وبناء على ذلك فقد أُوجدت قائمة الشركات التي يطلق عليها بعض متبني هذا الرأي – مجازاً- اسم قائمة الشركات النقية، وذلك لخلوها ونقائها من العمليات الربوية المباشرة، علما أن هذه الشركات المجازة ربما تكون مساهمة في شركات مختلطة أخرى - نسبة لاختلاطها ببعض المعاملات المحرمة - أو في بعض الصناديق الاستثمارية التي تتاجر في هذه الشركات المختلطة، على أن تكون هذه الصناديق مجازة من لجان شرعية، وقد بدأت شركات هذه القائمة بالتنامي أخيرا حتى وصل عدد هذه الشركات إلى ما يربو على 20 شركة من مجمل شركات السوق السعودي، وذلك نظرا لاتجاه عدد كبير من الشركات في الآونة الأخيرة إلى تحويل معاملاتها بالكامل إلى معاملات إسلامية تماشيا مع الطلب الكبير من المساهمين في الشركات المساهمة، ومن بعض أعضاء مجالس الإدارات كذلك في هذه الشركات.
فيما يذهب الرأي الآخر الذي تتبعه معظم اللجان الشرعية في البنوك السعودية إلى جواز المساهمة في أية شركة ما دامت ذات نشاط مباح على ألا تتجاوز نسبة الإيرادات المحرمة أو القروض الربوية المقترضة أو المقرضة أو السيولة النقدية نسبا معينة تم تحديدها مسبقا، وفقا لاجتهادات معينة يرجع إليها أصحاب هذا الرأي. هذه القيود والنسب التي تم وضعها هي إحدى نقاط الاختلاف الرئيسية داخل هذا الرأي، حيث يوجد كثير من الفروق الفرعية حول هذه النسب وطرق احتسابها وكذلك طرق تطهير الأرباح الناتجة عن تملك هذه الأسهم المجازة، علما أن هذا الاختلاف في وضع المعايير التي يتم تصنيف الشركات المختلطة على أساسها، هو أحد العوامل الرئيسة لوجود الاختلافات الموجودة في القوائم التي تصدرها اللجان الشرعية وبعض المختصين في مجال المصرفية الإسلامية للشركات المجازة، وعلاوة على هذه الاختلافات المعيارية التي أشرنا إليها فإن الاختلافات الواردة في هذه القوائم قد تكون بناء على بعض الاختلاف في مصادر المعلومات المالية أو القراءة المختلفة للقوائم المالية لتي تصدرها الشركات بشكل ربع سنوي، والتي تفتقر في غالب الأحيان إلى الشفافية الكافية.
ونستطيع القول إجمالا إن الدائرة الواسعة للشركات المجازة من قبل أصحاب الرأي الثاني من المفترض أن تتضمن تلقائيا دائرة الشركات النقية والمجازة من أصحاب الرأي الأول ما لم يكن هناك اختلاف في القراءة للقوائم المالية أو اختلاف في مصادر المعلومات كما سبق وأن أشرنا.
الإشكاليات
إن أبرز المآخذ المطروحة في الساحة حول هذه القوائم تتمحور حول نقطتين رئيستين، وهما: أولا: الاختلاف الواضح في الشركات المدرجة في هذه القوائم الذي يؤثر في مصداقيتها، إضافة إلى عدم استقلالية الجهات المسؤولة عن إصدارها في بعض الأحيان، وثانيا: تأثير تلك القوائم على أسعار الأسهم، عبر توجيهها وحصرها كثيرا من المحافظ الاستثمارية الخاصة والعامة في أسهم معينة، ما نتج عنه رفع قيم تلك الأسهم فوق مستوياتها الطبيعية وأسعارها العادلة.
الحلول
أعتقد أنه فيما يتعلق بالملاحظة الأولى، لا بد من التأكيد على أن قضية الاختلاف في الآراء الفقهية الخاصة بالشركات والتي تم على أساسها تصنيف الشركات إلى شركات نقية وشركات مختلطة مباحة، هي قضية لها أصولها واستدلالاتها من كل طرف، ومن الصعب بل من المستحيل إلغاؤها، إضافة إلى أن الاختلاف الدائر حولها في مجمله هو اختلاف صحي وإيجابي لصالح العمل المصرفي الإسلامي والشركات على حد سواء، فكما أن وجود الرأي الثاني أسهم في جعل كثير من الشركات تسعى إلى التخلص التدريجي من قروضها التقليدية ومعاملاتها المحرمة القائمة بصورة تدريجية، بحيث استطاعت تلك الشركات أن تخرج من القوائم المحظورة إلى القوائم المختلطة المباحة، كذلك فقد أسهم الرأي الأول في حث مجموعة لا بأس بها من الشركات على تصفية جميع معاملاتها التقليدية والتحول إلى المصرفية الإسلامية بشكل كامل وتام، تماشيا مع رغبة ملاك السهم. إلا أنه تبقى قضية المعايير الخاصة بكل رأي جزئية تحتاج إلى النظر والتدقيق من قبل اللجان الشرعية الموقرة في بنوكنا والمعنيين بتصدير هذه القوائم من خارج هذه اللجان، الذين بلا شك قاموا بجهود طيبة خلال الفترة الماضية أثرت العمل المصرفي بشكل عام، والقضايا الشرعية للأسهم بشكل خاص، مما يتطلب الحفاظ على هذه المكتسبات، من خلال توحيد الجهود لهذا الغرض، وذلك في رأيي لن يكون سوى عبر لجنة مركزية موحدة، تقوم أولا بتثبيت المعايير الخاصة بهذه القوائم لكل رأي على حدة، وتقوم ثانيا بتوحيد قراءة القوائم المالية الخاصة بالشركات قبل إجازتها مما يجعلها أكثر دقة وأعلى مصداقية، وتقوم ثالثا بالمراجعة الدورية للقوائم المالية للشركات لكي يتم تحديث هذه القوائم بصورة موحدة.
أما فيما يتعلق بالإشكالية الثانية - إن اعتبرناها كذلك - فإن تأثر القيمة السوقية للسهم بخبر تحويل معاملات الشركة إلى معاملات شرعية ودخولها إلى قائمة الشركات المباحة هو أمر، لا مراء فيه ولا جدال، وهو أحد أهم الأسباب الرئيسية التي دعت كثيرا من مجالس إدارات الشركات إلى تحويل جميع معاملاتها لتصبح متوافقة مع الضوابط الشرعية، ولست أرى – حتى هذا الحد - في هذا الموضوع بأساً و لا حرجا، فالأخبار الإيجابية ينبغي أن تنعكس بصورة معقولة دائما على السهم، وكما أن أخبار النمو العالي والمشاريع الجديدة والمستقبلية وزيادات رأس المال، بل حتى تجزئة السهم في بعض الأحيان - رغم أن سبب الزيادة هنا معنوي لا أقل ولا أكثر- من المفترض أن تسهم بشكل مباشر في ارتفاعات أسعار الأسهم بشكل معقول ومتناسب مع هذه الأخبار وآثارها، فالأمر كذلك ينطبق على أسلمة معاملات الشركة، الذي يعتبر إيجابيا كذلك بحكم زيادة حركة وحجم التداول على السهم بسبب دخول شريحة أكبر على السهم، واعتباره من الأسهم الجذابة تبعا لذلك. وإن كانت هناك بعض الارتفاعات غير المعقولة وغير المبررة التي صاحبت إعلانات أسلمة معاملات بعض الشركات -خصوصا الصغيرة منها - فإن ذلك ليس سببا لشجب هذه القوائم أو تجريمها، وإلا لكانت زيادات رأس المال أو الأخبار الإيجابية التي تعلنها بعض الشركات بين الحين والآخر، التي تصاحبها ارتفاعات عالية وغير متناسبة في قيم أسهم تلك الشركات، سببا في شجب زيادات رؤوس المال أو أخبار الشركات الإيجابية، بدلا من إدانة مفسريها، ومستغليها على نحو خاطئ.
خاتمة
إجمالا للقول، فإن القوائم الخاصة بالشركات سواء المعتمدة من اللجان الشرعية التابعة للبنوك أو التي يقوم عليها مجتهدون من خارج البنوك، ليست منزهة عن الأخطاء وهي ليست دعوة للشراء أيضا، كما أنها كذلك ليست شرا محضا كما يحاول أن يصورها البعض، ولذلك فإنه من واجب مستخدمي هذه القوائم ألا يعتبروها توصية وإنما هي ملخص لحال الشركات من الناحية الشرعية، وآمل من القائمين على هذه القوائم من داخل ومن خارج البنوك، والذين بذلوا مشكورين فترات كبيرة من أوقاتهم لإعداد هذه القوائم عبر دراسة القوائم المالية الخاصة بالشركات وتدقيقها، رغم وجود كثير من المعوقات في هذا الشأن لعل أبرزها غياب الشفافية الكاملة في القوائم المالية الخاصة بالشركات، أن يقوموا بتنبيه مستخدمي هذه القوائم إلى ذلك، وكذلك أناشد اللجان الشرعية التابعة للبنوك والمجامع الفقهية أن يقوموا بتوعية الناس وتنبيههم إلى خطورة وحرمة نشر الشائعات واستغلال المعلومات بغرض رفع أو إنزال أسعار الأسهم، فالحرام ليس مرتبطا بالربا فقط - رغم خطورته - وإنما يمتد إلى أمور كثيرة في معاملاتنا المالية، لعل أبرزها ما يدور حاليا في سوق الأسهم من استغلال جشع للمعلومات - بمختلف أشكالها- وتغييب للشفافية وتدوير للمحافظ، وإني لأعجب أكثر ما أعجب من إنسان لا يشتري في بعض الشركات المحظورة ويقوم بعد ذلك بتضليل السوق عبر أوامر وهمية أو إشاعات يطلقها بين الحين والآخر عبر جواله أو عبر منتديات الإنترنت، والله المستعان.
* مصرفي متخصص في تطوير وتسويق المنتجات التمويلية الإسلامية الخاصة في الشركات
[email protected]