قضيتان في مواجهة "أوبك"

قضيتان في مواجهة "أوبك"

قضيتان في مواجهة "أوبك"

قرار منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" الأخير خفض الإنتاج يعيد إلى دائرة الاهتمام قضيتان تم تجاهلهما خلال السنوات الماضية بسبب النمو المطرد في الطلب وحاجة المنظمة لإبقاء معدل الإمدادات إلى السوق مرتفعا. والقضيتان هما نظام الحصص من ناحية والعلاقة مع المنتجين الآخرين من خراج المنظمة من الناحية الأخرى.
خلال فترة الطلب المرتفع منذ عام 2003 وحتى العام الماضي اتجهت "أوبك" إلى الإنتاج بأقصى قدرة متاحة لديها، بل إن بعض الدول الأعضاء مثل إندونيسيا، نيجيريا، وفنزويلا، وإلى حد ما إيران، تنتج بأقل من الحصص التي خصصتها لها المنظمة، وذلك لأسباب مختلفة سياسية أو أمنية أو أخرى تتعلق بوضع الحقول والمرافق الإنتاجية في تلك الدول.
نظام الحصص تم ابتداعه أساسا لإدارة السوق في الوقت الذي تتمتع فيه الدول الأعضاء بقدرات إنتاجية عالية مثلما كان عليه الوضع في عقد الثمانينيات، عندما استطعمت "أوبك" ولأول مرة خفض الإنتاج في مسعى للدفاع عن الأسعار. في ذلك الوقت قارب حجم الطاقة الإنتاجية الفائضة 10 في المائة في بعض الأحيان من حجم الطلب العالمي على النفط. على أن تلك النسبة ظلت في تآكل وتدنت إلى أقل من 5 في المائة، وهي النسبة التي تعتبر مسند أمان حال حدوث انقطاع في الإمدادات لأي سبب من الأسباب وما أكثرها لدى المنتجين. كما أن هذا الوضع أصبح أحد العوامل التي أدت إلى التصاعد في الأسعار خلال فترة الأعوام الثلاثة الماضية.
على أن العودة إلى أسلوب الخفض للإنتاج من خلال إدارة نظام الحصص تحتاج إلى ذهنية وممارسة جديدة، وذلك لسبب بسيط أن الغالبية العظمى من الدول تنتج بطاقتها القصوى، ولهذا تبدو الأرقام الخاصة بالخفض لكل دولة وكأنها أرقام معلقة في الهواء نتج عنها السؤال العملي وهو: من أين يبدأ الخفض.. من الإنتاج الفعلي أم من الحصة المقررة؟ وتبدو بعيدة عن الواقع.
على أن هذا الوضع يبدو مرشحا للتغير من ناحيتين، أولاهما أن أي خفض في السقف الإنتاجي العام للمنظمة سيسهم من ناحية في زيادة حجم الطاقة الإنتاجية الفائضة، وهو ما يتطلب إدارة من قبل المنظمة. ولو أن السجل التاريخي يشير إلى أنه كلما زاد حجم الطاقة الإنتاجية الفائضة ازدادت صعوبة كيفية إدارة السوق وضبط الأسعار. ثم إن هناك برامج زيادة الطاقة الإنتاجية التي دخلت فيها العديد من الدول الأعضاء خلال الفترة الماضية، وستبدأ في طرح ثمارها ابتداء من أواخر هذا العام والعام المقبل، وهو ما يضيف هامشا إضافيا يحتاج بدوره إلى إدارته بصورة حسنة.
وهكذا تبدو "أوبك" وكأنها مواجهة بمشكلة وحل هو في حد ذاته مشكلة، فالإنتاج بأقصى طاقة متاحة خلال السنوات السابقة وبُعد العهد بعمليات إدارة السوق من خلال الحصص سيجعل من الصعوبة بمكان التقيد بالقرارات الأخيرة لخفض الإنتاج. على أن اتساع هامش الطاقة الإنتاجية الفائضة الذي سيعالج هذه المعضلة سيعيد "أوبك" إلى الورطة التاريخية المتمثلة في غياب الحافز للتقيد بسقف إنتاجي معين، في الوقت الذي تتدهور فيه الأسعار وهناك طاقة إنتاجية فائضة يمكن ضخها وتجاوز الحصة الرسمية للتعويض عن خفض الإنتاج.
وإذا كانت هذه من المتاعب الداخلية للمنظمة، فإن المتاعب لا تأتي فرادى في العادة، فهناك النمو المطرد في الإمدادات من خارج المنظمة. وإذا كانت فترة الأشهر المقبلة تبدو حرجة بالنسبة لتخفيف حجم التخمة النفطية، فإن الإمدادات الزائدة والمتدفقة من خارج "أوبك" تشكل تهديدا حقيقيا لأي جهد تقوم به المنظمة لوقف تدهور الأسعار، ناهيك عن الدفاع عنها أو رفعها إلى معدل لم يستقر عليه الرأي بعد.
فالتقديرات السائدة أن المنتجين من خارج المنظمة سيدفعون إلى السوق بنحو 52.46 مليون برميل خلال الربع الأخير من هذا العام، وهو ما يتوقع أن يتكرر في الربع الأول من العام المقبل، إلا أن إجمالي الإمدادات من خارج "أوبك" يتوقع له أن يبلغ في المتوسط 53 مليونا خلال العام المقبل.
هل تعود "أوبك" إلى تحمل عبء السوق وحدها والقيام بخفض متصل يقوم المنتجون من خارج المنظمة بتغطيته من خلال إنتاجهم المتصاعد، وهو أسلوب أدى إلى اشتعال حرب أسعار لم يردها أحد وخسر فيها الجميع خلال عقد الثمانينات، أم يتم الاتفاق على صيغة تتجاوز المناشدات الإنشائية بقيام المنتجين بتحمل مسؤوليتهم تجاه استقرار السوق وبصورة عملية من خلال الاستفادة من دروس الماضي؟
بيانات "أوبك" الرسمية لم تخل من إشارات بهذا المعنى، لكن الأمر يتجاوز مجرد الإشارات العابرة وإلى ضرورة إيجاد آلية عمل لها الفعالية اللازمة للتأثير على أرض الواقع. الوقت الراهن قد يكون ملائما للبحث في هذا الجانب ما دام هناك هامش يمكن التحرك عبره وقبل أن تصل الأمور إلى مرحلة الأزمة المتفجرة.

[email protected]

الأكثر قراءة