رئيس "إنرون" .. الثالث الذي يحكم عليه بالسجن 20 عاما
كان جيفري سكيلينج يعرف جيدا أن العواقب لن تكون سليمة, فمنذ أن وجه له الاتهام بالتلاعب بحسابات شركة إنرون للطاقة, التي تدير عملياتها من تكساس, شوهد سكيلينج عدة مرات وهو يترنح من السكر.
وقبل سنتين تعرض سكيلينج لاعتداء في شارع بارك أفينيو الشهير في مانهاتن حيث أدخل إلى المستشفى وهو في حالة سكر . وقبل ذلك زعم وهو في أحد البارات أن بعض من كانوا في البار هم عملاء لـ "إف بي آي" مكلفون بمراقبته. والإثنين الماضي ألقى البوليس القبض عليه حيث أمضى ليلته في السجن حتى يصحو من سكره. ألقى البوليس عليه القبض في مدينة دالاس.
وتلك الليلة لن تكون الليلة الأخيرة التي يمضيها سكيلينج وراء قضبان السجن, حيث أصدر أحد القضاة في مدينة هيوستن يوم الإثنين الماضي حكما بالسجن لمدة عشرين سنة وأربعة أشهر على الرئيس السابق لشركة إنرون, بعد أن كانت لجنة من المحلفين قد وجدت في نهاية أيار (مايو) سكيلينج البالغ 52 عاما من العمر مذنبا بتهمة التآمر والخداع والاتجار بناء على معلومات داخلية. ومن المعروف أن لجنة المحلفين في القضاء الأمريكي هي التي تقرر ما إذا كان المتهم مذنبا أم غير مذنب. أما القاضي فهو الذي يقود المحاكمة ويقرر حجم العقوبة.
قال القاضي سيم ليك في معرض إعلان الحكم : " إن جرائمه قد أوقعت مئات إن لم يكن ألوفا من الناس في وهدة الفقر مدى الحياة". وكان القاضي يشير بذلك إلى النتائج التي ترتبت على انهيار شركة إنرون من فقدان ألوف العاملين أماكن عملهم ورواتبهم التقاعدية التي كانت تتكون في الغالب من أسهم شركة إنرون . وفي هذا السياق تقول دون بورز, التي عملت 22 عاما لحساب شركة إنرون: "لقد حرمني سكيلينج كما حرم ابنتي من حلم التمتع بحقنا في التقاعد . " ولهذا فقد تقرر أن تحول غالبية ممتلكات سكيلينج التي تقدر بـ 60 مليون دولار إلى صندوق للتعويضات, بينما يذهب ما يزيد على 15 مليون دولار من ممتلكاته أجورا لمحامييه.
وقد رفض القاضي ليك طلب محاميي سكيلينج بإطلاق سراح موكلهما حتى تنتهي إجراءات تمييز الحكم, وإن كان قد سمح لسكيلينغ بالبقاء في منزله رهن الإقامة الجبرية طالما أنه لم يحدد له مكان في السجن.
إن الحكم القاسي الذي صدر بحق سكيلينج يمثل ذروة الإجراءات القضائية بشأن الفضائح الكبرى المتعلقة بالتلاعب بالحسابات الختامية. يذكر أن إنرون انهارت في كانون الأول (ديسمبر) 2001 في أعقاب انكشاف عملية غش كبرى في ميزانيتها, وقد كانت الصدمة عميقة لأن إنرون لم تكن شركة عادية, حيث كانت آنذاك سابع أكبر شركة أمريكية من حيث حجم أعمالها وكان يديرها مديرون مميزون تربطهم علاقات وثيقة بعالم السياسة والسياسيين, حتى أن الرئيس جورج دبليو بوش كان يلقب كينيث لي, الذي كان لسنوات عديدة رئيسا لمجلس إدارة الشركة بـ "كيني بوي" من باب التحبب.
وبعد كارثة إنرون ببضعة أشهر تبين أن عملاق الاتصالات "وورلد كوم" قد احتالت على مستثمريها وتلاعبت بما قيمته 11 مليار دولار في حساباتها الختامية. بينما كان بيرنارد إيبرز, رئيس مجلس شركة وورلد كوم موضع إعجاب في "وول ستريت" وكأنه أحد نجوم الفن المشهورين.
أصبحت شركتا إنرون ووورلد كوم مرادفتين للاحتيال و للتلاعب بالحسابات الختامية, غير أنهما لم تكونا الوحيدتين في هذا المجال. فكبار المديرين في شركة أدلفيا كانوا يحولون مبالغ بالمليارات لشركات تابعة لكي يظهروا أن شركاتهم تحقق أرباحا مبالغا فيها. كما قام المديرون في شركة تيكو إنترناشيونال بالاحتيال على شركتهم بـ 600 مليون دولار. وفي موازاة ذلك وقعت مارتا ستيوارت صاحبة شركة إعلامية بارزة في قبضة القضاء بسبب عمليات ملتبسة في تجارة الأسهم, حيث كان الخبراء في "وول ستريت" ينصحون المستثمرين بشراء أسهم, كانوا يصفونها بين بعضهم بعضا, بأنها ليست سوى " قطع من القمامة ", كما دفعت بنوك استثمارية ملايين الدولارات غرامات لقيامها بعمليات في البورصة مثيرة للشبهة.
إن البسطاء والسذج من المستثمرين الأفراد الذين شاهدوا بأم أعينهم كيف تبددت ثرواتهم هباء بعد نهاية العنفوان الكبير الذي شهدته البورصة في بدايات العقد الحالي يصفون "وول ستريت" والشركات المدرجة هناك بأنها ليست سوى أوكار للآثام. وقد جاء رد فعل الكونغرس سريعا بإصداره عام 2002 قانون "ساربينز – أوكسلي" الذي طالب, من بين أشياء أخرى, بتقوية إجراءات الرقابة المالية الداخلية في الشركات, وبإلزام رؤساء الشركات بضمان سلامة ودقة الحسابات الختامية لشركاتهم.
ومن المعروف أنه ليس ثمة رحمة أمام المحاكم للمتلاعبين بالحسابات المالية, ولهذا لم يكن الحكم القاسي الذي صدر بحق سكيلينج, وهو مشابه للأحكام الصادرة في جرائم القتل, حكما استثنائيا . كما أن بيرنارد إيبرز, البالغ 65 عاما من العمر, قد ابتدأ في نهاية أيلول (سبتمبر) في إنفاذ الحكم القاضي بسجنه مدة 25 عاما . أما مؤسس شركة أدلفيا المدعو جون ريغاس فقد حكم عليه بالسجن 15 عاما بعد ثبوت تهمة الاحتيال عليه, بينما حكم على ابنه تيموثي بالسجن 20 عاما. وفي الوقت نفسه صدر على دينيس كوسلوفسكي, رئيس شركة تيكو – Tyco حكم بالسجن لثماني سنوات. وربما كان الاستثناء الأكبر هو ريتشارد سكروشي, هيلث ساوث الرئيس السابق لمجلس إدارة شركة الخدمات الصحية التي تكشفت فيها عام 2002 فضيحة تلاعب في الحسابات الختامية بمبالغ تقدر بالمليارات, وقد كانت مفاجأة بالفعل أن تبرئ هيئة المحلفين في ألاباما ساحة سكروشي.
وكان الرئيس السابق لشركة إنرون كينيث لي يمكن أن يصدر بحقه أيضا حكم بالسجن لمدة طويلة, بعد أن كان هو وسكيلينج قد اعترفا بأنهما مذنبان . غير أن إصدار الحكم ألغي في هذه الأثناء لأن لي توفي وهو في الرابعة والستين من العمر نتيجة جلطة دموية. وبهذا لم يعد لا للادعاء العام ولا للمشتكين أية مطالب من ورثة لي. هذا وقد سبق أن صدر بحق المدير المالي السابق لشركة إنرون أندرو فاستو, قبل شهر, حكم بالسجن ست سنوات بتهمة الاحتيال. ومن المعروف أن فاستو تعاون مع السلطات, حيث اعتبر شاهد ملك في القضية المرفوعة ضد سكيلينج ولي.
وكحد أقصى يمكن الإفراج عن سكيلينج, على أساس السلوك الحسن, قبل ثلاث سنوات من نهاية محكوميته. يضاف إلى ذلك أن لديه فرصة خاصة, وفقا لما قرر القاضي, لأن يشترك في برنامج طبي لإعادة التأهيل من الإدمان على المخدرات والكحول أساس السلوك الحسن.