أنقذوا قانون الحقوق المدنية من تدخلات بروكسل!

أنقذوا قانون الحقوق المدنية من تدخلات بروكسل!

بدون متابعة من أحد، ولكن بنشاط عز نظيره، تواصل مجموعة صغيرة من علماء القانون عملها للانسلاخ عن قوانين الأحوال المدنية وغيرها من فقرات بعض القوانين الوطنية الأخرى.
فقد كلفت اللجنة الأوروبية في بروكسيل، بدعم من البرلمان الأوروبي، هذه المجموعة بصياغة " إطار مرجعي عام " لقانون التعاقد للدول الأعضاء في الاتحاد. أما ما يقبع خلف هذه التسمية ذات الرنين البريء فهو نفس ما يحاول سياسيو أوروبا أن يخفوه وراء المصطلحات ذات الوقع الحميد من أمثال: التناغم، والتماسك و التقارب، أي توحيد البنى المتطورة المختلفة لمصلحة صيغة مركزية.
إن من يتحدث مع المستشارين القانونيين للشركات الصناعية يسمع آراء مختلفة، فبعضهم يقول: " إن علينا أن نضع حدا لهذا المشروع الذي لا معنى له." بينما يقول آخرون بنوع من الاستسلام للأمر الواقع: " لقد انطلق القطار وانتهى الأمر. " لكن المؤيدين لهذا المشروع ليسوا من بين المجموعات التي يمكن أن يساورها القلق بسبب التعقيدات التي ستواجههم في ضوء النصوص المختلفة للنظم القانونية المختلفة فيما يتعلق بتصدير منتجاتها واستيراد مستلزمات الإنتاج.
إن ثمة تجارب سيئة لتدخل سياسيي أوروبا في حقوق التعاقد للدول المختلفة، فقد نتج عن بعضها مثلا تأكيد من جانب واحد على حماية حقوق المستهلك، لا لشيء إلا ليستطيع المفوضون والنواب أن يتبجحوا أمام المواطنين والناخبين، ودون الأخذ بعين الاعتبار مصلحة الاقتصاد. يضاف إلى ذلك أن التوجه لحماية المستهلك من طغيان قوة السوق قد انعكس منذ زمن على شروط التعاقد بين التجار، ولهذا لم يكن من المستغرب أن يرفض ممثلو الاتحاد الفدرالي للصناعة الألمانية هذا المشروع الضخم، وهم يقولون إن التجربة قد أثبتت جدوى القوانين سارية المفعول.
إن التقارير الداخلية للمشاركين من الطبقة العاملة مثيرة للفزع فهي لا تتحدث فقط عن إدخال تعديلات عديدة على قانون الحقوق المدنية الذي يزيد عمره عن مئة عام تمهيدا لطي صفحته، وإنما تشير أيضا إلى أن مجموعة علماء القانون، الذين ليست لديهم تجربة عملية، يعملون بنشاط، ولكن أبعد ما يكون عن المهنية، في صياغة مسودات لقوانين جديدة باستمرار، ويشكو بعض المشاركين من أنه لا توجد لدى أحد نظرة شاملة على هذا المشروع الضخم الذي توزع على عدد من مجموعات العمل. أما المختصون في ميادين الاقتصاد والعلوم الذين طلب منهم إبداء رأيهم فقد وقعوا تحت ضغوط الوقت.
إن المؤيدين لهذه الثورة التشريعية الزاحفة يشيرون، في محاولة لتهدئة الخواطر، إلى أن " الإطار المرجعي " ليس سوى الأساس لتأويل موحد لقانون التعاقد ووضعه موضع التطبيق، أو أن الأمر لا يتجاوز كونه " أداة اختيارية " ستوضع تحت التصرف الحر للشركاء المعنيين. غير أن الحقيقة هي أن بروكسيل و شتراسبورغ تسعيان للوصول إلى قانون مدني أوروبي. ويشك القانونيون الاقتصاديون أن يكون وضع الخطوط العامة من قبل الاتحاد الأوروبي ليس سوى ذريعة لعملية تغيير شاملة للقوانين المدنية، كما حدث قبل أربع سنوات بالنسبة لقانون إصلاح التعليم في ظل وزيرة العدل الاتحادية السابقة هيرتا دويبلر - غميلين. ومن الجدير بالذكر أن الساسة الألمان نادرا ما التزموا بتوجيهات الاتحاد الأوروبي في القضاء الألماني.
أما القانونيون الاقتصاديون فيحذرون: من أن من الممكن توحيد الفقرات القانونية ولكن ليس الثقافات والتقاليد القانونية. كما أن الانتقال الى قانون أوروبي لا يمكن تحقيقه إلا عندما يجري دمج الفروع القضائية المختلفة، ذلك لأن القرار الأخير لمحكمة العدل الأوروبية لا يكفي لتكييف جذري للقوانين. ولهذا فإن بعض مستشاري الصناعة يخشون من " مئة سنة من فقدان الضمانات القانونية "، على الرغم من أن كل رجل قانون سيكون مطالبا بالعودة لدراسة القانون من جديد. ولهذا يتوقع المنتقدون نشوء حالة من الفوضى القانونية.
فبدلا من استمرار السير في طريق تكييف القوانين في البلدان المختلفة تشير الدلائل منذ زمن إلى وجود طريق أفضل حيث كانت محكمة العدل الأوروبية قد وسعت إلى حد كبير من الفرص المتاحة أمام المؤسسات لاختيار الشكل القانوني الذي يناسب كلا منها. ولعل هذا كان هو السبب الأساسي في انتشار الشكل البريطاني للشركة " المحدودة " في ألمانيا في الوقت الذي يتراجع فيه شكل " الشركة ذات المسؤولية المحدودة ".
إن بعض الشركات قد تخلت عن النظام القانوني الوطني في تعاملها مع الشركات الأخرى، فهي تختار مثلا العمل بموجب القانون السويسري أو الأمريكي كأساس للعقود التي تبرمها لأن هذا يوفر لها مزيدا من حرية التصرف. وإذا حدث فعلا أن أثيرت قضية قانونية يتعذر حلها عن طريق التفاوض فإن للمتعاقدين حرية اللجوء لمحاكم غير ألمانية، وقد يختارون اللجوء إلى قاض للتحكيم كما نصت على ذلك وثائق العقود على سبيل التحوط.
ولهذا لا بد من الإسراع بدفن المساعي الرامية لصياغة قانون للحقوق المدنية الأوروبية، فمن المعروف مثلا أن لغة الإسبرانتو العالمية أيضا لم تتمكن من الانتشار قط. كما أن عمل البرلمانات المستقبلي ليس بحاجة لا للاقتصاد ولا للمواطنين. ومن المعروف أن عوالم بكاملها تفصل ما بين النظم القانونية لكل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا العظمى. وإبقاء الأمر على حاله هو أفضل الخيارات. ومن يريد أن يشتري رغيفا من الخبز من بائع الخبز لكي يذهب في إجازة، ليس بحاجة من أجل ذلك لمعايير قانونية موحدة يجري تطبيقها في جميع أنحاء أوروبا.

الأكثر قراءة