المستثمرون الروس قادمون يشترون شركات ألمانية وأمريكية
آن لنادي شالكيه أن يحتفل.. فها هو الرجل القادم من روسيا مقبل علي إنقاذ النادي من مستنقعه المالي وسيهتف مشجعو الفريق قريبا باسم أليكس ميللر رئيس شركة الغاز العملاقة غاز بروم، التي تملك الدولة نصفها.
وميللر هو في الوقت ذاته أحد الرفاق الطيعين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وما شركته سوى اليد الطويلة لموسكو. وعلى أية حال فإن ميللر يحمل في جعبته إلى حي شالكيه وهو أحد أحياء مدينة جيلزن كيرشن ما لا يقل عن 100 مليون يورو. وبهذا المبلغ سيكون باستطاعته أن يضع شعار شركة غاز بروم على قمصان اللاعبين المحترفين وأن تكون له كلمته في القرارات المتخذة.
يجدر القول هنا إن الشركات الروسية تندفع بقوة نحو ألمانيا، ولم تعد كرة القدم فقط هي موضع اهتمامها، فهي تشتري أشهر علامات الأزياء، وشركات مواد التجميل، وشركات التكنولوجيا الحيوية، والمشاريع السياحية والشركات العقارية. كما أنها تستحوذ على مصانع الحديد والصلب وعلى وكالات توريد السيارات. وتقع الشركات المدرجة في مؤشر داكس للبورصة الألمانية ضمن مخططاتها. ولهذا يقول روستام أكسينينكو: " أنا أعرف أن ثمة مستثمرين يسعون للحصول على رزم من أسهم كبريات الشركات الألمانية المساهمة، وإن كانت الصفقات لم تنجز حتى الآن".
وقد سبق له شخصيا أن دخل شريكا في مؤسسة " إيسكادا " الذائعة الصيت للأزياء منذ عام 2003 وأصبح في هذه الأثناء مالكا لربع أسهم المجموعة. ويؤكد فرانس يوزيف ماركس، الذي يقدم المشورة في موسكو للشركات الصناعية بصفته أحد العاملين في مجموعة بوسطن للاستشارات: " أن لدى كل شركة كبرى من شركات الصناعات الروسية الثقيلة خططا للتوسع في العالم الخارجي".
الجدير بالذكر أن شركة غاز بروم شريك لمجموعة BASF الألمانية للصناعات الكيمياوية في مجموعة Wingas التي تقوم بتزويد محطات توليد الطاقة والمصانع الكبرى في ألمانيا ويعض البلدان الأوروبية الأخرى بما تحتاج إليه من الغاز. ويمتلك هذا المواطن من مواطني مدينة سان بطرسبيرج أيضا حصة في شركة VNG لتجارة الغاز بالجملة في مدينة لايبزيج، المساهمة بدورها فيما لا يقل عن 30 من محطات توليد الطاقة في ألمانيا.
ومع ذلك فإن هذا وحده لا يشبع نهم الروس، ففي نيسان (أبريل) الماضي طالب ألكسي ميللر بكل جرأة تمكينه من الوصول إلى المستهلكين النهائيين، مهددا بتقليص كميات الغاز الموردة إذا اعترضت دول الاتحاد الأوروبي خططه التوسعية. ولعل ما أثار غضب ميللر هو بروز معارضة في بريطانيا لخططه الرامية للاستحواذ على شركة سنتريكا للطاقة. هذا وتنتشر منذ بضعة شهور شائعات في الأسواق بأن شركة غاز بروم تشتهي أكثر من أي شيء آخر أن تدخل شريكا في أكبر شركتين ألمانيتين لتوريد الطاقة وهما شركتا RWE وEon. غير أن السياسة تقف عائقا أمام تحقيق هذه الشهوة.
إن الصراع المحتدم حول توزيع مصادر الطاقة والمواد الخام والصناعات الأساسية لم يؤد إلى نشوء طبقة من الشركات العملاقة ذات ثراء خرافي فقط، وإنما ساهم أيضا في بروز سلسلة من الشركات التي تلعب دورا بالغ الأهمية على النطاق العالمي. وبالتالي فإن الأموال اللازمة للتوسع متاحة بوفرة لأن المواد الخام ومنتجات الطاقة تحقق حاليا أسعارا خيالية في الأسواق العالمية.
إن الشركات الروسية تشق طريقها نحو الغرب بدرجة عالية من التعقل، ويقول المستشار ماكس: " إن المستثمرين يسعون للتخفيف من مخاطر الاستثمار في روسيا "، أما الهدف الثاني فهو التعرف بصورة أفضل على المستهلك النهائي وتحقيق مزيد من الأرباح من وراء ذلك. ولهذا قامت شركة النفط العملاقة "لوك أويل" بابتلاع سلسلة محطات البنزين التابعة لشركة جت أويل الأمريكية. وإضافة لذلك يقوم الروس بشراء مشروعات غربية لأنهم بحاجة للمعارف التقنية. ومن هنا فإن مشاركة بنك الدولة للتجارة الخارجية Wneschtorgbank في مجموعة الشركات الأوروبية للطيران والتسلح EADS هي مشاركة لها مغزاها، ومن المعروف أن البنك دفع في آب (أغسطس) الماضي، مبلغ 780 مليون يورو لقاء حصوله على 5 في المائة من الأسهم.
وأخيرا فإن الروس الأثرياء يستثمرون بهدف تنويع استثماراتهم، وهم يفضلون الاستثمار في العقارات، وقد استطاع كبار الأثرياء ومن حولهم أن يستولوا على شاطئ كوت دا زور وهم يندفعون الآن نحو جارميش - بارتنكيرشن. وقد تمكن الملياردير الروسي رومان إبراموفيتش أن يشتري لنفسه ليس فقط أحد أندية كرة القدم الشهيرة في لندن وهو نادي تشيلسي وإنما استطاع أيضا أن يتملك قلعة Leitenschl?ssel في بارتنكيرشن التي وصفها متحدث باسم المدينة بأنها أحد المعالم البارزة في المدينة. هذا ويتفاوض مستثمرون روس آخرون مع المدينة لبناء فندق خمسة نجوم بتكلفة 90 مليون يورو.
" إن الشركات الروسية مرحب بها أجمل ترحيب في ولاية بافاريا بصفتها شركات مستثمرة "، هذا هو ما يقوله إيرفين هوبر، وزير اقتصاد الولاية. ومما لا شك فيه أن هذا يسعد قلب بوتين الذي سيزور مدينة ميونيخ في الأسبوع المقبل، لأن أصحاب الأموال القادمين من الشرق كانوا عادة يواجهون بالصدود. وفي هذا السياق يقول المساهم في شركة إسكادا
(روستام آكسينينكو) متذمرا بأن المستثمرين الروس كثيرا ما يواجهون في الشركات الألمانية بالريبة وسوء الظن أما ماركس فيقول استنادا إلى تجربته إنهم لا ينجحون في بلوغ أهدافهم حتى لو كانت عروضهم أفضل من عروض منافسيهم، مع ذلك فإن فرسان الفولجا الروس قادرون على تحقيق ما يريدون حتى لو عاكستهم الظروف. ويقول آكسينينكو البالغ 32 عاما من العمر والمسجلة شركته في جنيف موضحا ذلك: " كانت شركة إسكادا في وضع سيئ عند مشاركتنا فيها عام 2003. وكانت الظروف أيضا على هذه الشاكلة بالنسبة لنادي شالكيه لكرة القدم، الذي كان في وضع مالي غاية في السوء. كما كانت شركة الدكتور شيلر لصناعة منتجات التجميل في مانهاتن تتعرض لضغوط شديدة لتدبير الأموال اللازمة، وقد أتاح ذلك لجورياييف تيمور رئيس شركة كالينا الروسية لمنتجات العناية بالبشرة، والبالغ 40 سنة من العمر أن يتملك حصة في الشركة الأمريكية تزيد على 75 في المائة منذ أيار (مايو) من العام الجاري.
إن المديرين الألمان للمشاريع المستحوذ عليها يصابون بالذهول عندما يحتكون بالأسلوب الروسي في الإدارة الذي يتميز بالسلطوية، غير أن الروس يتعلمون بسرعة لإدراكهم أن الأسلوب الهرمي في الإدارة هو الأسلوب الوحيد الذي يحقق لهم النجاح في الدول الغربية وذلك كما يقول ماركس العامل في مجال الاستشارات.
ويضيف المستثمر أكسينينكو قائلا: "إن بعض المشاريع الروسية تجري إدارتها أفضل من المشاريع الأوروبية". وفي الحقيقة أن الأسلوب الاستثماري لشركته لا يختلف عن الأساليب التي يتبعها المستثمرون الأمريكيون أو الأوروبيون، فجوهر المسألة هو "أننا نريد رؤية العوائد بالدرجة الأولى".