سليمان الراجحي.. شقيق التحدي والنجاح!

سليمان الراجحي.. شقيق التحدي والنجاح!

لقد توقفت كثيراً عند قراءتي مقالة كتبها فهد بن عبد الله القاسم في صحيفة "الاقتصادية" عن الشيخ سليمان بن عبد العزيز الراجحي, تلك الشخصية التي من النادر أن يتكرر مثلها في زمننا الحاضر. لذا رأيت أنه من المناسب في حق هذا الرجل العصامي المكافح الطموح، أن أسطر بعضاً مما يجول في ذاكرتي عن سيرة هذا الأخ الصديق الذي أفنى جل حياته في بناء ذاته دنيا ودينا، فصنع من صبره وكفاحه وطموحه وبساطته إمبراطورية مالية وصناعية وزراعية يشار إليها بالبنان. لذا حري بكل شخص منصف أن يتفاخر بالنافعين لمواطنيهم ودينهم أمثاله.
حقيقة الأمر لقد توقفت كثيراً وأنا أهم بكتابة هذه المقالة ليس في صعوبة ما لدي عنه من ذكريات ومواقف، ولكن من منطلق من أين أبدأ؟ وما الأمور التي يجب أن أسطرها لتعم الفائدة على الجميع ولتكون عبرة ودروساً للأجيال المقبلة عن كيف يصنع الرجال أنفسهم؟
ونظرا لعلاقتي الأخوية وقربي ومعرفتي بسيرة حياته الشخصية منذ أن كان فقيراً لا يملك قوت يومه حتى أصبح من أغنى أثرياء العالم، رأيت أنه من المناسب جداً أن أسطر بعضاً مما أحمله من تقدير واعتزاز لهذا الرجل الذي أعتز بصداقته وأخوته التي تزيد على 60 عاماً!
كما هو معروف, وهذا ليس تقليلاً من مكانته، فالأخ سليمان الراجحي بدأ حياته من لا شيء، حيث ولد وترعرع فقيراً لا يملك قوتاً يسد جوعه أو مكاناً يسكن فيه أو ملبساً فاخراً يرتديه. لم يترك وظيفة إلا واشتغل فيها، ولم يترك باباً من أبواب الرزق الحلال إلا وطرقه، فعمل خادماً و(صباب شاي) بل حتى جمع روث الحيوانات. فكانت تلك الأمور وغيرها مجتمعة - في اعتقادي- هي الشرارة الأولى للانطلاق نحو النجاح وصنع الذات. كان همه الأول والأخير أن يرضي نفسه ومن حوله ويضع دائماً وأبداً مخافة الله في كل خطوة يخطوها, ولعل هذا عنصر من أهم عناصر بناء إمبراطوريته الضخمة الناجحة.
كنت أرى وألمس بنفسي أنه لم يشرع في الولوج إلى أي مشروع تجاري ويضع مما لديه من عصارة أفكار وتصورات إلا ويكتب له النجاح. حيث إن بعض مشاريعه القائمة حالياً فشلت في بداية نشاطها وكلفته خسائر تتجاوز مئات الملايين من الريالات بسبب ابتعاده وعدم إشرافه الشخصي، ولكن حينما يتدخل شخصياً تتغير الأمور فينعكس الفشل إلى نجاح والخسارة إلى مكاسب.

ولنا أن نتساءل ما السر وراء ذلك؟

أولاً يجب الاعتراف بأن الأخ سليمان الراجحي شخصية تتمتع بذكاء حاد وعبقرية فذة ومواهب عديدة، لديه حس عجيب للمشاريع التي ينوي الدخول فيها، لذا تراه دائماً كثير السفر والترحال يتنقل ما بين مدينة وأخرى يستطلع ويشرف ويتابع كل صغيرة وكبيرة ويقف بنفسه على الأداء ويحسم النتائج دائماً لصالحه والنتيجة بطبيعة الحال النجاح والتميز بعد توفيق الله.
هذا في تصوري سر نجاحه، ولعله يكون درساً وعبرة للآخرين من جيل الشباب, وهو أن تجارب الحياة علمتنا أن ابتعاد الشخص عن متابعة أعماله أو عدم الإشراف الدائم على مشاريعه الخاصة بنفسه قد تفقده تجارته وبالتالي يخسر كل ما لديه في سوق المال والأعمال. هذه النظرية محسومة في قاموسنا وقاموس الأخ سليمان الراجحي، فهو كما أسلفت من الأشخاص الذين يرغبون أن يكونوا دائماً لصيقين لأعمالهم, يعطي آراءه وتوجيهاته السديدة التي كانت بمثابة الوقود المحرك لمشاريعه وللعاملين معه.
ولعله من المفيد أن أشير إلى بعض المشاريع التي دخل فيها الراجحي فطورها وجعلها من أفضل وأنجح المشاريع المتخصصة في نشاطها. وكمثال حي وملموس على التفوق والنجاح، نرى شركته المصرفية التي بدأت بداية متواضعة, والآن تعتبر من أكبر الشركات المصرفية في المنطقة والعالم في تحقيق الأرباح والنمو والتوسع وتوظيف السعوديين. وكذلك الشركة الوطنية للدواجن وإنتاج البيض، حيث تعتبر من أكبر مزارع الدواجن وتفقيس البيض في العالم، وكذلك مشروع تربية الأغنام في الجوف, وأخيراً وليس آخراً مشروع شركة الروبيان الوطنية في الليث، التي تعتبر من أكبر الشركات محلياً وعالمياً حيث بسبب أفكاره النيرة وتوجيهاته السديدة حققت الشركة سمعة جيدة واعترافاً عالمياً، فشرعت في تصدير منتجاتها إلى كل من اليابان, أوروبا, وأمريكا. هذا غيض من فيض للمشاريع الناجحة وغيرها من مشاريع عقارية وصناعية كان ولا يزال يقف وراءها هذا الأخ الجليل.
لقد كان محل إعجاب كبار الخبراء وأعتق المستشارين من حملة الشهادات العليا الذين يأتون لتطوير أعماله ومشاريعه، لكن في نهاية المطاف يقفون مذهولين أمام قدرة هذا الرجل وعبقريته على طرح الأفكار وصنع القرارات والحلول الجيدة لمختلف مشاريعه، لذا تراهم يعترفون بأنهم استفادوا من خبرة هذا الرجل الذي لا يحمل الشهادة الابتدائية.
ومع حرصه ومتابعته أعماله الدنيوية، فإنه لم ينس آخرته من العمل والبذل والعطاء، فشرع في بناء المساجد وتشييد المساكن للفقراء ورعاية الأسر المحتاجة، وتأسيس ما يسمى (صندوق العائلة) وهو عبارة عن صندوق خيري خاص بعائلة "الرواجح ". فمثلاً لو أراد أحد أغنياء الراجحي أن يتصدق فممكن أن يضع بعضاً من هذه الصدقة في هذا الصندوق فتذهب هذه التبرعات إلى أحد فقراء عائلة الراجحي. هذا فضلاً على قيامه بتأسيس مؤسسة خيرية تحمل اسمه تتمثل في تفعيل وتأصيل الأعمال الخيرية بمختلف مشاربها وأنواعها داخل المملكة دون تمييز، فرزقه الله من واسع فضله الخير الكثير، رزقه الله المال والستر والعافية, كما رزقه الله أولادا صالحين إن شاء الله كل منهم يشرف على مشروع أو نشاط تحت توجيهاته وإشرافه ومتابعته، وهذه ولله الحمد من أكبر النعم على العباد.

يقول الرسول – صلى الله عليه وسلم - "لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالاً فهو ينفق منه آناء الليل وآناء النهار, ورجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار". هذا, ولله الحمد, ينطبق على أخي وزميلي سليمان بن عبد العزيز الراجحي, فهنيئاً له بهذه الصفات العظيمة.

هذا شيء قليل من سيرة سليمان بن عبد العزيز الراجحي الذي لم ينس أولاً وآخراً طاعة الله في السر والعلن وأعطى لوطنه ولمواطنيه ولأهله الشيء الكثير وأخذ من نفسه سيرة عطرة بإنجازاتها وطموحها وإخلاصها ووفائها وتواضعها ، فكان بحق مدرسة يتعلم منها من أتيحت له فرصة العمل معه عن قرب.

وفقه الله لما يحب ويرضى وحشرنا الله وإياه في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

رجل أعمال

الأكثر قراءة