مشروع "سخالين 2" ومستقبل الشراكة مع روسيا في مجال الطاقة

مشروع "سخالين 2" ومستقبل الشراكة مع روسيا في مجال الطاقة

إلى أي مدى يمكن القول إن الاستثمارات لا تزال مضمونة في روسيا و الدولة تحاول الحصول على اتفاقيات طويلة المدى مع شركات عالمية كبرى ؟ إن مثلا هذا السؤال يثير قلق المستثمرين بعد أن شاهدوا الجهود الكبرى التي بذلتها الدولة ضد اتفاقيات للتعاون في قطاع الطاقة. وهذه الاتفاقيات حول استكشاف واستغلال حقول النفط الخام والغاز الطبيعي قبالة جزيرة سخالين قد تم توقيعها من قبل موسكو مع عدد من شركات النفط الأوروبية الغربية والأمريكية والآسيوية في التسعينيات من القرن الماضي.
الجدير بالذكر أن شركة رويال شل الهولندية تملك الأغلبية في الائتلاف الدولي الناشط في حقل سخالين 2 .بينما تتحكم شركة اكسون موبيل، بصفتها المالكة للحصة الأكبر، في حقل سخالين 1. ومن المعروف منذ زمن بعيد أن لجمعيات المحافظة على البيئة العالمية تحفظات بيئية كثيرة على استخراج النفط من تلك المنطقة. أما روسيا فلم تعر أي اهتمام لهذه التحفظات حتى الآن. غير أن قرار الموافقة الصادر قبل ثلاث سنوات على العمل في المرحلة الثانية في منطقة سخالين 2 قد تم سحبه فجأة في هذه الأثناء - وبعد فترة وجيزة من تعثر المفاوضات بين شركة شل وشركة غاز بروم حول مشاركة الأخيرة، وهي الشركة الروسية التي تحتكر إنتاج الغاز في سخالين 2.

غير أن بعض الأوساط الروسية عبرت ضمنا عن أن الموقف الأخير ليس نابعا من القلق على البيئة وإنما من شيء آخر. فالشروط التي نصت عليها اتفاقية التعاون لم تعد مقبولة بالنسبة لروسيا، لأن الدولة بموجبها لن تكون شريكة في الأرباح إلا بعد استرداد الشركات الأجنبية لاستثماراتها، وبالتالي يرى البعض في روسيا ، أنه ربما يكون من الأفضل صرف النظر عن اتفاقيات التعاون . بينما يرى آخرون أن انسحاب الشركات الأجنبية طواعية هو الحل الأمثل. ومع ذلك فإن هذا لا يمثل الحقيقة بأكملها، حيث اتضح في غضون ذلك أن هدف الكرملين الرئيسي من وراء ذلك هو إشراك شركة غاز بروم التي تحتكرها الدولة في العمليات الجارية في سخالين وقبالتها أيضا . ومن المعروف أن غاز بروم ليس طرفا حتى الآن لا في سخالين 1 ، ولا في سخالين 2، ولا تملك أية صلاحية ، ولو بطريقة غير مباشرة ، على السياسات التصديرية للشركات الأجنبية وعلى بناء خط أنابيب الغاز ، مع أنها الجهة التي تحتكر قانونيا تصدير الغاز .

وفي الحقيقة أن شركة غازبروم لا تدافع عن مصالحها فقط وإنما عن مصالح الكرملين أيضا الذي يسعى إلى استخدام ما تملكه روسيا من ثروات المواد الخام لاستعادة مكانتها السياسية على الساحة الدولية . ولم تكن المسألة سوى مسألة وقت حتى يحاول الرئيس فلاديمير بوتين وضع اتفاقيات التعاون موضع تساؤل. وها هو ذا قد حان الوقت لاستغلال أدوات السياسة والاستخدام الانتقائي لمعايير حماية الطبيعة ، التي لم تكن موضع اهتمام أحد من قبل ، من أجل ممارسة الضغوط . وقد بات واضحا أن موسكو لا تريد فقط الحصول بسرعة على حصة مالية كبيرة من أرباح استغلال المواد الخام ، وإنما تريد أيضا السيطرة على تصدير مواد الطاقة . غير أن اتفاقيات التعاون تقف حجر عثرة في طريق ذلك، وفقط عندما تعتلي شركة غازبروم السرج في الشرق الأقصى الروسي وتصبح المسيطرة على خط أنابيب الغاز المراد بناؤه تصبح مواد الطاقة المستخرجة هنا صالحة للاستخدام كأداة في السياسة العالمية . كما أن إطلاق التهديدات بين الحين والآخر من قبل الكرملين أو من قبل المقر الرئيسي لشركة غازبروم قد يوفر لروسيا مستقبلا فرصة توجيه صادراتها من مشتقات الطاقة إلى شرق آسيا على حساب أوروبا الغربية .
هذا هو في الواقع جوهر القضية . كما أن المركز الاحتكاري لشركة غاز بروم وسيطرتها على مصادر وأنابيب الغاز الطبيعي المستخرج من آسيا الوسطى يشكل أداة إضافية في يد الروس . ولهذا فإن مساعي أوروبا الغربية لتنويع مصادر تزودها بالطاقة سيجعلها بالضرورة أكثر اعتمادا على روسيا.

إن الأساليب التي يجري استخدامها لجعل الشركات الأجنبية شركاء ثانويين للدولة في روسيا أثارت السخط من بروكسل إلى طوكيو. ولكن ليس على الكرملين أن يخشى من حدوث زلزال مثل ذلك الذي حدث عند تحطيم شركة يوكوس وإعادة تأميمها، وهو الأمر الذي أدى في حينه إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية في روسيا. إن المستثمرين منجذبون الآن أكثر من أي وقت مضى نحو روسيا، كما أن المشاركة الثانوية في شركات الدولة أو في الحقائب الاستثمارية لبعض الشركات التابعة للدولة أيضا ينظر إليها في كثير من الأحيان على أنها نوع من أنواع إعادة تأمين ضد تقلبات السياسة الروسية إزاء المشاريع الخاصة. وفي الحقيقة أن ثمة فرصا واسعة في روسيا لكسب كميات وافرة من الأموال أكثر مما في ألمانيا بل وأكثر مما يمكن كسبه في السوق الصينية حتى ولو كشركاء ثانويين.

إن آخر الأرقام حول تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة على روسيا في النصف الأول من السنة الحالية يعكس ذلك بصورة جلية إذ بلغت هذه الاستثمارات ما مجموعه 12 مليار دولار ، وهو ما يساوي تقريبا مجموع الاستثمارات في العام الماضي بأكمله ، ويتوقع الخبراء أن يزداد مجموع الاستثمارات الأجنبية المباشرة حتى نهاية السنة بنسبة 50 في المائة عما كانت عليه عام 2005 . كما أن الشركات التي تستخرج النفط من آبار قبالة سخالين تدرك أن الاستثمارات في روسيا ليست مضمونة بحال من الأحوال عند أخذ المصالح السياسية للكرملين بعين الاعتبار ، ولكنها ليست على استعداد للهجرة في ضوء ندرة الأماكن الخالية من التوترات والغنية في الوقت نفسه باحتياطيات النفط والغاز وفي ضوء المليارات التي تم استثمارها هنا حتى الآن ، بل هي تفضل السعي للتوصل إلى نوع من أنواع الحلول الوسط .

وباختصار فإن روسيا تحتل مرتبة متقدمة بالنسبة للأماكن الأكثر تفضيلا للمستثمرين ، وهي تسمح لنفسها بفعل ما تشاء بصفتها موردا مهما للمواد الخام ، في الوقت الذي تجد السياسة الأوروبية إزاء الشرق نفسها في وضع تأمل فيه عبثا تحويل روسيا إلى شريك يمكن الاعتماد عليه .

الأكثر قراءة