السعر الثابت ّعدو سائقي التاكسي:

السعر الثابت ّعدو سائقي التاكسي:

(ضع القطع التالفة في صندوق السيارة) .. لا بد أن تكون قد تلقيّت مثل هذه النصيحة أو غيرها يوماً، عندما واجهت صعوبة مع سيارتك، وكان عليك أن تذهب بها إلى الميكانيكي ليصلحها. لابد أنه كان قد بدا واضحاً بالنسبة لك مباشرةً، السبب الذي نبعت منه النصيحة الجيدة تلك: على هذا النحو لابد أن تتأكّد بشكل أكيد بأن القطعة التالفة التي لم تكن تؤدي وظيفتها في السيارة قد استبدلت بالفعل بأخرى جديدة إضافة إلى هذا، لديك الفرصة، أو للمطلع الجيد فرصة، أن تتأكد عقب الإصلاح فيما إذا كان الميكانيكي قام بعمل منطقي سليم، أو قام بشيء لم تكن له أية ضرورة.
والأمر الذي لا يظهر بوضوح أمام أعين كل الأفراد، هي المشكلة، التي تكمن من وجهة نظر اقتصادية في مثل هذه الحالة، هذه المشكلة التي تنتج عن عدم التناسق في المعلومات بين طرفي العلاقة الخدمية: ميكانيكي السيارات، وصاحب السيارة. إن الخبير في ورشة تصليح السيارات يعلم الكثير مقارنة بالزبائن عن شكل ومحيط ما يؤديه من عمل. ويُشار إلى السلع والخدمات الإنتاجية من هذا الشكل، والتي يدرك الخبراء جودتها بشكل أفضل، وهي تلزم المستهلكين على أنها "سلع الثقة".

وهنا بالطبع يكون لدى الخبير حافز، وهو أن يحتال على الزبائن الجاهلين بالأمر. فعلى سبيل المثال، يوجد لمثل سلع الثقة هذه حشد من الأمثلة: التنقل بسيارات التاكسي وخاصةً بالنسبة للأجانب و الغرباء الذين لا يعرفون أقرب الطرق للنقطة التي يريدون الوصول إليها . هناك مثل آخر وهو التداوي و المعالجة الطبية عندما يكتب الطبيب علاجا غير فعال أو عندما يصف أدوية و عقاقير باهظة الثمن برغم أنه بالإمكان وصف ما هو أرخص اقتصادياً، ولكن ليس بإمكان المريض أن يتحقق من ذلك بنفسه.

النظرة العامة والمنهجية إلى مثل هذه المشاكل التي تبرز في العلاقة مع سلع الثقة كتب عنها منذ فترة وجيزة ( أوفي دولليك) من جامعة لينز، وكذلك ( رودولف كيرشبامر) من جامعة إنسبروك في النمسا، ضمن مقال نُشر في صحيفة (جورنال أوف إكونوميك ليتريتشر). ويمكن التمييز ما بين شكلين من الصعوبات في هذه المسألة: ففي حالة إذا أظهر الخبير ضرورة منح خدمة مكلفة، ومعقدة، وثمينة في العادة، ولكن في المقابل يفضل الزبون الخدمة السهلة، والبسيطة والزهيدة، دون أن يكون بإمكانه إثبات صحتها. أي أن الأمر يصل إلى ما يُسمى بـالتزويد الذي يقلّ عن الملائم أو المطلوب.

وفي الحالة الثانية، فإن الأمر بالعكس تماماً: حيث إن المستهلك ليس بحاجة إلا إلى الخدمة البسيطة والزهيدة، ولكنه يحظى بالباهظة والمكلفة. إن الاستخدام الإضافي، لا يوازن التكاليف المرتفعة. وحتى هنا لم تكن لديه فرصة للإثبات، نظراً للوثبة المعلوماتية التي يتقدم بها الخبراء. وهذا ما يسميه دولليك و كيرشبامير بـالتزويد الذي يفوق الملائم أو المطلوب".

ويمكن الوصول إلى هذا النوع من التزويد الذي يفوق الملائم والمطلوب"، ببساطة عندما لا يحظى الخبير بفرصة تقديم خدمة زهيدة وضرورية للزبون، ولكنه يأخذ في الحسبان تقديم خدمة باهظة فحسب. والشيء الذي من الممكن أن يشكّل أسلوب حماية مقابل مثل أساليب الخداع تلك، هو رجاء الزبون في ورشة تصليح السيارات مثلاً بأخذ القطعة المضروبة والتالفة القديمة من سيارته معه. ويشير كلا العالمين إلى الكثير من القواعد المؤسسية، التي من المفترض أن تمنع حدوث مثل هذا التزويد الذي يفوق الملائم والمطلوب: وهي تمتد من المعايير والمقاييس لسلسلة من الإصلاحات.

وبالطبع يُعتبر عمل دولليك و كيرشبامير ذا أهمية كبيرة بالفعل، وبالأخص لأنه يُظهر الطرق والأساليب، في كيفية إمكان آلية السوق المساهمة بنفسها في فرض النظام على مزودي سلع الثقة. ولهذا لابد من الإيفاء بسلسلة من الشروط. وأحد هذه الشروط، هو عرض المدى الاقتصادي (أي انخفاض معدل التكلفة مع إنتاج سلع متعددة ومختلفة) ما بين تشخيص الحالة والمعالجة. وبالتالي يملك الخبير وكذلك الزبون الأخذ بعين الاعتبار، في مباشرة المعالجة (استبدال القطعة التالفة) وفقاً للتشخيص (ما مشكلة السيارة؟).

والشرط الآخر، هو إما العمل على الفحص بناءً على شكل (جودة) المعالجة، أو حماية الزبون مقابل قانون الالتصاق بمعالجة رخيصة ولكن غير كافية. فعلى سبيل المثال، يتضّح لسائق سيارة الأجرة، أين يمكن أن يكمن الحل الذي يدعمه السوق: في أن الأمتار التي يقطعها التاكسي، هي التي تؤكد، أن الزبون في الحقيقة سيدفع مقابل زمن استمرار الرحلة، والمسافات التي تم قطعها. ولكن المشكلة الوحيدة تكمن في الطرق الجانبية الممكنة، التي يمكن للسائق أن يتخذها مع غير المُطلعين محلياً.
والحل: الاتفاق على أسعار ثابتة قبل انطلاق الرحلة. وفي الحقيقة، كما يصف العالمان، يوجد مثل هذا الإجراء على أرض الواقع. ففي الكثير من المدن، يعرض سائق التاكسي سعراً ثابتاً للنقلة إلى المطار على سبيل المثال، بغض النظر عن نقطة البداية.
يعمل دولليك و كيرشبامر على التقدّم بعملهما، والذي قد بدأ به ما قبل نحو 36 عاماً. وفي عام 1970 أصدر الخبير الاقتصادي الأمريكي (جورج أكيرلوف) مقالاً تحت عنوان "أسواق الليمون : جودة الشك، وآلية السوق تناول فيه تقلبات أوضاع السوق. وحتى هناك تكمن فروق معلوماتية ما بين التجار والزبائن، حيث يمكن للتاجر أن يحاول، أن يوهم أحد الزبائن بشراء ليمونة، والتي لم يتبق لها من الوقت الكثير لتفقد جودتها. وقد حاز أكيرلوف على جائزة نوبل في عام 2001.

الأكثر قراءة