اتفاقية أمريكا والبحرين.. بين الملكية الفكرية وجذب الاستثمارات
<a href="mailto:[email protected]">Jasim.husain@gmail.com</a>
دخلت اتفاقية إنشاء منطقة للتجارة الحرة بين الولايات المتحدة والبحرين حيز التنفيذ في بداية آب (أغسطس) بعد نحو عامين على توقيعها. وكان الطرفان قد وقعا على الاتفاقية في أيلول (سبتمبر) من عام 2004 في واشنطن. وقد انطلقت المفاوضات في شهر كانون الثاني (يناير) من المنامة واستمرت لنحو خمسة أشهر. وذكر حينها أن المفاوضات كانت الأسرع من بين الاتفاقيات الثنائية التي أبرمتها الولايات المتحدة مع الدول الأخرى.
مراحل مطولة
بيد أن الاتفاقية مرت بمراحل مختلفة بعد التوقيع عليها الأمر الذي أدى إلى استغراب المراقبين. وشملت هذه الخطوات مصادقة البرلمان البحريني على الاتفاقية والتي تم الانتهاء منها في شهر تموز (يوليو) من عام 2005. إلا أن الكونجرس الأمريكي تأخر في التصديق على الاتفاقية بسب ارتباطه بمداولات مطولة في التصديق على اتفاقية أخرى بين الولايات المتحدة ودول من منطقة أمريكا الوسطى. وعلمت أثناء أحاديث أجريتها أخيرا في واشنطن مع أعضاء من مكتب الممثل التجاري الأمريكي وآخرين من الكونجرس بأن المشرعين يستغرقون وقتا طويلا في مناقشة الاتفاقيات التي لها انعكاسات على القطاع الزراعي الأمريكي. وكان أعضاء الكونجرس يخشون من التأثيرات السلبية لاتفاقية التجارة مع دول أمريكا الوسطى على مسألة إنتاج السكر في أمريكا.
عودة إلى موضوع المقال، لم يواجه مشروع إنشاء منطقة للتجارة مع البحرين عراقيل كبيرة في الكونجرس. وقد بدأت المداولات في النصف الثاني من العام الماضي واستمرت لعدة أسابيع. غير أن بعض المشرعين اشترطوا تحسين التشريعات المرتبطة بقوانين العمل في البحرين وجعلها مطابقة لمبادئ منظمة العمل الدولية كشرط للموافقة على الاتفاقية. ومرد هذا التخوف هو خشية وجود استغلال للعمالة وراء بعض السلع والمنتجات البحرينية المزمع دخولها إلى السوق الأمريكية، الأمر الذي يشكل منافسة غير عادلة وغير أخلاقية. وقد واعدت السلطات البحرينية بتحسين التشريعات وجعلها مواكبة لمبادئ منظمة العمل الدولية. عموما حظيت اتفاقية التجارة الحرة مع البحرين على موافقة عريضة من قبل مجلس النواب الأمريكي حيث صوت لصالحها 327 عضوا، بينما عارضها 95 آخرون. حقيقة تعتبر هذه النتيجة مميزة في تاريخ التصويت على الاتفاقيات التجارة الحرة التي أبرمتها أمريكا مع الدول الأخرى (حديثا صوت 221 نائبا مقابل 205 أصوات معارضة لصالح اتفاقية التجارة بين أمريكا وعمان). وعلمت من خلال زيارتي الأخيرة للولايات المتحدة أن الكونجرس يخشى من الاتفاقيات التي تهدد مصالح المزارعين الأمريكيين على وجه التحديد، وهذه الصفة غير موجودة بخصوص البحرين. من جانبه، وقع الرئيس الأمريكي جورج بوش على الاتفاقية في كانون الثاني (يناير) من العام الجاري.
الملكية الفكرية
لكن لوحظ أنه لم يتم تحديد موعد لدخول الاتفاقية حيز التنفيذ وتبين أن الأمر مرتبط بموضوع الملكية الفكرية. وعلى مدى عدة شهور أصدرت السلطة التنفيذية ثمانية قوانين تتعلق بحماية كل ما له ارتباط بالملكية الفكرية من العلامات التجارية وحقوق المؤلف. وحظيت هذه القوانين على رضا مجلس النواب المنتخب و مجلس الشورى المعين. وتم الانتهاء من هذه العملية الشاقة في تموز (يوليو) الماضي، الأمر الذي مهد الطريق أمام إعلان تاريخ لتنفيذ الاتفاقية.
الفوائد المتوقعة
وافقت البحرين على مختلف الشروط الأمريكية لقاء الحصول على فوائد مرجوة. وتتمثل هذه الفوائد المتوقعة على الوصول إلى السوق الأمريكية فضلا عن استقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.
باختصار توفر الاتفاقية فرصة للصادرات البحرينية للدخول من دون حواجز إلى السوق الأمريكية التي بدورها تعد الأكبر في العالم. تبلغ القيمة السوقية للواردات الأمريكية نحو 1700 مليار دولار. كما تقدر قيمة الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي 12500 مليار دولار. في المقابل تقل قيمة الناتج المحلي البحريني عن 1 في المائة من حجم الاقتصاد الأمريكي. حسب مكتب الإحصاء الأمريكي بلغت قيمة التجارة البينية 783 مليون دولار منها 432 مليون دولار صادرات بحرينية إلى أمريكا. المؤكد أن أي زيادة نسبية في قيمة الصادرات البحرينية لن تؤثر بشكل نوعي في الميزان التجاري الأمريكي. وقد أسهمت هذه الحقيقة بدورها في تصديق الكونجرس على الاتفاقية في بادئ الأمر.
إضافة إلى ذلك، تأمل البحرين في أن تسهم الاتفاقية في استقطاب المزيد من الاستثمارات الأمريكية على وجه التحديد. حسب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أو (الأونكتاد) فقد بلغت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الداخلة للبحرين 865 مليون دولار في عام 2004. استنادا إلى التقرير نفسه، بلغ حجم تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة (الخارجة) من أمريكا 229 مليار دولار (تعتبر أمريكا أكبر مصدر للاستثمارات الأجنبية بلا منازع حيث تسيطر على 31 في المائة من الاستثمارات في العالم). حقيقة وافقت البحرين على الشروط الأمريكية بخصوص حماية الملكية الفكرية أملا منها في الحصول على جانب من الاستثمارات الأمريكية.
وسوف تكشف الشهور القادمة مدى صحة التوقعات البحرينية من الاتفاقية. يذكر أن لدى الولايات المتحدة اتفاقيات ثنائية للتجارة الحرة مع ثلاث دول عربية أخرى وهي الأردن والمغرب وعمان، لكن هذه هي المرة التي يتم فيها تنفيذ اتفاقية ثنائية مع إحدى دول مجلس التعاون الخليجي.