تسرب المعلومات من الشركات الداخلية يقود لازدهار تجارة محظورة

تسرب المعلومات من الشركات الداخلية يقود لازدهار تجارة محظورة

تسرب المعلومات من الشركات الداخلية يقود لازدهار تجارة محظورة

الاتجار في الأوراق المالية بيعا وشراء بناء على معلومات داخلية أمر يحظره القانون، بما في ذلك في مدينة لندن أيضا. ومع ذلك فإن سلطة الرقابة على الخدمات المالية تعترف بأن المتعاملين في سوق المال لا يعيرون أي اهتمام يذكر بهذا الحظر، بل على العكس من ذلك حيث أظهرت تحليلات أسعار الأسهم قبل عمليات استحواذ محددة بأن عمليات الاتجار بالاستناد إلى معلومات داخلية آخذة في الازدياد في المدينة.
فمنذ السنة الماضية تسعى سلطة الرقابة على الخدمات المالية لمساعدة المتعاملين في السوق بتعريفهم ببواطن الأمور فيما يتعلق بالصفقات المحظورة، بل إنها أوجدت خطا هاتفيا خاصا لاستخدامات الوسطاء ومسؤولي البنوك الذين قد تراودهم بعض الشكوك في أن تعاملات بعض زبائنهم يمكن أن تكون معتمدة على معلومات داخلية وبالتالي يرغبون في الحصول على نصيحة سلطة الرقابة . وبطبيعة الحال فإن مما يسعد سلطة الرقابة أن يقوم العاملون في البنوك بإبلاغها عن الصفقات التي يعقدها الأشرار من رجال الأعمال أو ما يسمى "تقارير عن الصفقات المشبوهة". غير أن كثيرين من العاملين في البنوك يأنفون من إفشاء أسرار عملائهم كيلا يفسدوا علاقاتهم معهم . ولهذا فليس من المستغرب أن لا تتلقى سلطة الرقابة سوى 200 بلاغ في السنة في الوقت الذي تعقد فيه يوميا ألوف الصفقات في مدينة لندن.
بعض الوسطاء خيرون فهم يقومون بالإبلاغ عن حالات اتجار من الداخل، وتعرف سلطة الرقابة على الخدمات المالية هذه الحالات بأنها عبارة عن حالات يقوم فيها عاملون في الشركات باستغلال معلومات داخلية سرية جدا لعقد صفقات تجارية لمصلحتهم الذاتية . فمثلا يقوم أحد العملاء بالاتصال بوسيطه قبل اختتام التعاملات بخمس عشرة دقيقة طالبا منه بإلحاح أن يشتري لحسابه أسهما في شركة معينة ، ومضيفا في الوقت نفسه بأن الشركة ستكشف النقاب في اليوم التالي عن تطور مهم. ثم لا يلبث أن يخوض في شرح تفاصيل الخبر المنتظر. وبالفعل يتم في اليوم التالي الإعلان عن تطور إيجابي مهم في الشركة المعنية مما يمكن هذا العميل من تحقيق أرباح مجزية لحسابه الخاص . ومن وراء الكواليس يقوم وسيط بالإبلاغ عن صفقة تخص دائرة للتدقيق الداخلي ، ليكتشف على الفور بأن العميل المعني هو من العاملين في هذه الدائرة . وتمتدح سلطة الرقابة على الخدمات المالية موقف هذا الوسيط : " الذي قام بإبلاغنا بهذه الواقعة وبتسليمنا الأشرطة المسجل عليها المكالمات التلفونية ذات الصلة " .

وفي حالة أخرى يكلف عميل أحد الوسطاء بمهمة بيع مجموعة كبيرة من الأسهم بأسرع ما يمكن حتى ولو كان سعر البيع يقل بـ 13 إلى 14 في المائة عن السعر الفعلي السائد آنذاك . وبعد ذلك بساعة واحدة فقط تعلن الشركة المعنية عن توقعات متشائمة بالنسبة لأرباحها . ويتبين من عنوان البريد الإلكتروني لهذا الشخص أنه أحد العاملين في الشركة . وقد تم إبلاغ سلطة الرقابة المالية بهذه الحالة في حينه .

وتشير سلطة الرقابة على الخدمات المالية بكثير من الاستحسان للوسطاء الذين يستجيبون لمناشداتها ، ويقول العاملون في السلطة : " لقد تلقينا العديد من المكالمات حول عمليات اتجار من الداخل حيث يقوم العملاء بالحديث مع الوسطاء باستفاضة حول تطورات متوقعة في بعض الشركات . وفي مثل هذه الحالات يشكل حصولنا على الأشرطة المسجل عليها مثل هذه الأحاديث بالسرعة الممكنة مساعدة قيمة لنا ."ومن الجدير بالذكر أن جميع المكالمات مع العملاء في مدينة لندن ، تقريبا ، يجري تسجيلها من قبل البنوك لغرض توضيح بعض الإشكالات التي يمكن أن تنتج في مرحلة ما بعد عقد الصفقات . غير أن الكثير من البنوك تبدو غير مبالية ولا تستجيب لمناشدات سلطة الرقابة على الخدمات المالية . وقد أثارت هذه المواقف شكوك سلطة الرقابة لأن بعض الوسطاء والبنوك لم يسبق لها أن أمسكت بأحد العملاء متلبسا بقضية اتجار داخلي. ولهذا فإن السلطة تعمل الآن على إصدار قائمة بجميع البنوك ودور الوساطة التي تفشل في التبليغ عن حالات الاتجار الداخلي.
ويبدو أن هذا الأمر يزداد صعوبة وتعقيدا، بحيث إن سلطة الرقابة نفسها تعتقد بأن الأشرار الحقيقيين قد شقوا طريقهم منذ زمن بعيد نحو سوق منتجات الإقراض ، حيث الاتجار هنا ، بعكس الاتجار بالأسهم في البورصات ، أقل تنظيما ، وأقل شفافية وبالتالي أكثر ملاءمة للاتجار الداخلي ، إذ من يستطيع مثلا أن يقرر فيما إذا كان أحد المتعاملين في السوق ولنقل أحد صناديق التحوط ، قد تصرف بناء على معلومات تفصيلية داخلية بالنسبة لطرح إسناد قرض من القروض من قبل مجموعة من البنوك ؟.
ومع ذلك فليست لدى سلطة الرقابة المالية البريطانية أي نوايا للضغط على المتعاملين في السوق كصناديق التحوط مثلا. ففي النهاية تتفاخر سلطة الرقابة تلك بالأنظمة المرنة التي تنظم عمل مركز لندن المالي، وهي سعيدة بالإقبال على صناديق التحوط التي تستفيد من ميزتها التنافسية. وكذلك تقر سلطة الرقابة بأن بعض الصفقات التي تبدو مشبوهة لأول وهلة يمكن أن تكون بالطبع بعيدة عن الشبهات خصوصا عندما يتعلق الأمر مثلا بإجراءات مشروعة لضمان المركز المالي للمعنيين.

الأكثر قراءة