الحاجة ماسة لتدريب الموارد البشرية بالمصرفية الإسلامية .. كيف نعالج الخلل ونسد النقص؟
هناك حاجة إلى وضع مقاييس لإعداد كفاءات علمية مدربة تدريباً جيداً لشغل الوظائف في عالم الشؤون المالية الإسلامية، ومن الواضح أن هذا يصب في مصلحة الجميع على المدى الطويل.
إن التنمية البشرية في مجال المصرفية الإسلامية لا تقل أهمية عن الأقسام الأخرى في المصرفية الإسلامية، ذلك أن تدريب الكوادر والموظفين يتطلب هيكلاً شاملاً ومنهجياً ومركزاً على الأهداف. وهناك عدد من المناهج التي تهدف لتطوير الموارد البشرية، ويأخذ بعضها شكل حلقات البحث والمؤتمرات. وتم تنظيم الكثير من حلقات البحث لتغطية نطاق عريض من المواضيع أو بحيث تكون مخصصة لموضوع أو حدث واحد، وهي تعتبر من الناحية النسبية ممتازة للأفراد العاملين في مجال المصرفية الإسلامية الذين استقر وضعهم فيه. أما بالنسبة للمبتدئين فإنها في العادة تجعلهم يحسون بأنهم يسيرون على غير هدى وتلتبس عليهم الأمور.
ورش العمل
من ناحية أخرى، نظمت دورات تدريبية على شكل ورش عمل، وهي مخصصة إما للشركات في السوق المفتوحة بشكل عام وإما لأفراد شركة بعينها. وعلى خلاف حلقات البحث، فإن ورش العمل تنتهج منهجاً يقوم على البدء من المفاهيم البسيطة والتدرج نحو الأمور الفنية شيئاً فشيئاً. ولا يزال هناك نقص كبير في هذا المجال. فضلاً عن ذلك لا يوجد الكثير من المواد أو النشرات الدراسية المدعمة بالأبحاث الجادة والعميقة لاستخدام المتدربين، وإن وجدت فإنها لا تأتي إلا على فترات متباعدة. كذلك لا توجد مقررات تشتمل على وحدات دراسية مستقلة لتدريس المفاهيم الفنية المعقدة حسب أهداف تعليمية واضحة ومحددة. ثم إن النشرات التي توزع أثناء ورش العمل لا تصلح للتثقيف الذاتي والتطوير المهني، خاصة إذا كانت هذه النشرات مرتبطة بمقررات تدريبية في مجالات فنية أخرى مثل CFA أو ACCA.
وتقدم بعض الجامعات والكليات برامج أكاديمية ذات أساس علمي متين في الدراسات المالية الإسلامية بهدف إعداد الطلاب للحصول على دبلوم أو ماجستير في إدارة الأعمال في الدراسات المالية الإسلامية. ولكن لا توجد حتى الآن برامج على مستوى الدكتوراه. ويمكن أن يكون برنامج الماجستير في إدارة الأعمال أو الدكتوراه مفيداً إذا كانت الأسس العلمية النظرية مرتبطة بالمشاكل والتحديات الحالية، وإذا كانت تعمل على تشكيل التوجهات المستقبلية في السياسة أو في طبيعة الدراسات المالية الإسلامية. ومع ذلك، ومهما كان المقياس الذي ننظر به إلى هذه الدراسات، فإن التسجيل في الدورات والمقررات المذكورة يمكن أن يحفز قدرات الطالب ويعطيه نتائج مثمرة، لأن الامتحانات، وفي بعض الحالات رسالة الماجستير أو الدكتوراه، يمكن أن تعد الطالب بالفعل للتعلم المتين للإسهام العلمي في مجال الدراسة.
جوانب النقص
تعاني عملية التدريب في الدراسات المالية الإسلامية من عوامل نقص تتركز في ثلاثة جوانب. الأول هو أن البرنامج التدريبي يجب أن يؤدي إلى الحصول على شهادة من قبل مؤسسة تعليمية معترف بها في الدراسات الإسلامية. ومن المعروف أن العلماء والمحاسبين ومدققي الحسابات يجب أن يكونوا حاصلين على شهادات علمية لممارسة الأعمال والخدمات المالية الإسلامية. وينبغي أن ينطبق الشيء نفسه على المحللين الماليين وخبراء شؤون التأمين والمصرفيين الاستثماريين ومديري الصناديق وما إلى ذلك من المواضيع المالية. فإذا لم يكن بالإمكان إعطاء الشهادة لأسباب يعرفها أهل الصناعة، فإنه يجب والحالة هذه وضع دراسات حول أفضل الممارسات أو المقاييس ليصار إلى تدريسها في مقررات أو وحدات دراسية مستقلة، إما مع تقديم الامتحانات في نهاية التدريب وإما دون تقديم الامتحانات، وذلك بهدف إثراء وتنمية رأس المال البشري. جدير بالذكر أن الدورات التدريبية التي من هذا القبيل تكاد تكون معدومة أو ليس لها وجود يذكر. ومن المؤكد أن هناك حاجة ماسة إلى الدعم والمساندة من الأجهزة التنظيمية والإشرافية لإنشاء برامج تدريبية تتمتع بالمقومات المذكورة، لأن إعطاء الشهادات لا يمكن أن يتم بمعزل عن الإطار التنظيمي ضمن بيئة خاصة بأسس الإبلاغ.
الجانب الثاني هو التعليم المهني المستمر في الأسواق الرأسمالية أو الدراسات المصرفية أو المحاسبة. وبطبيعة الحال فإن الدراسات التي من هذا القبيل موجودة ومتأصلة في كثير من أسواق الدول المتقدمة. ولا بد من إيجاد برامج للتعليم المهني المستمر في مجال الدراسات المالية الإسلامية لملء الفراغ بخصوص التطوير المهني المستمر. وسيحتاج كل شخص يمارس الأعمال في المجالات المالية الإسلامية إلى أن يجمع عدداً من النقاط في التعليم المستمر ليحافظ على ترخيص العمل في مجال تخصصه. وفي هذا المقام أخص بالذكر مديري الصناديق، والمسؤولين عن الالتزام بالأنظمة، وأعضاء اللجان الاستثمارية، وأعضاء مجالس الإدارات. لاحظ أن حصول الطالب على شهادة في تخصصه ثم تحصيل النقاط في التعليم المستمر يعززان من قيمة الفرد وقدرته على الأداء، ويتيحان إمكانية التطوير المنهجي والمنظم للممارسات المهنية المقبولة. فضلاً عن ذلك فإن اتباع منهج منظم يبدأ بالأمور الكلية على المستويات المتخصصة ثم يسير نحو التفاصيل، هذا المنهج سيكون رديفاً للدورات التدريبية التي تبدأ من الأمور الأساسية في العلم وتعتمد على التنظيم الذاتي.
الجانب الثالث هو البرنامج الأكاديمي، الذي يكون معداً للمديرين التنفيذيين. إن البرامج التنفيذية، على عكس البرامج الأكاديمية، تقدم مقررات تعتمد على الاشتراك العملي المباشر للمشاركين فيه. ليس هذا فحسب، ولكن هناك جانباً أهم من ذلك، وهو أنها تتمتع بترتيبات مرنة من حيث حضور الجلسات التدريبية وحل المسائل والواجبات التدريبية والخضوع لاختبارات التقييم. وفي هذه الحالة فإن الواجبات التدريبية والعروض الجماعية تعتبر أكثر كفاءة وجدوى من الامتحانات التحريرية فيما يخص المتدربين. ذلك أن السمة الأساسية للتعلم مدى الحياة في المجالات المهنية هي عملية التعلم نفسها وليس ناتج العملية التعليمية.
عوامل نجاح البرنامج
يعتمد نجاح البرنامج التدريبي في الشؤون المالية الإسلامية على عدة عوامل، منها: المسؤولين عن الجهاز التنظيمي، ومستوى المنهج التدريبي، ومستوى المدربين، والمسؤولون عن الموارد، ومرونة البرنامج ومناسبته لاحتياجات الطلاب. وحتى يحظى البرنامج بالنجاح والاستمرار والتوسع بما يتفق مع الأهداف الوطنية وأهداف الصناعة، وحتى يصبح معترفاً به من قبل الصناعة، بمعنى أن تقبل الصناعة توظيف الخريجين وتأمينهم من حيث فرص تقديم الاستشارات وإدارة شؤون الاستثمار، لا بد من أن تقبل الحكومات والأجهزة التنظيمية باعتماد المؤسسة التدريبية وقبولها في النظام التعليمي، وذلك أمر لا بد منه لتشجيع المترددين وتحفيزهم للحصول على التأهيل المطلوب.