الصين والهند تنازعان الدول التقليدية على الزعامة الاقتصادية

الصين والهند تنازعان الدول التقليدية على الزعامة الاقتصادية

لم يعد الرخاء والرفاهية وقفا على الغرب فقط دون غيره فالصين والهند، أصبحتا تنازعان الدول الصناعية التقليدية على الزعامة الاقتصادية في العالم . لقد أصبحت الصين في هذه الأثناء رابع أكبر دولة اقتصادية على الكرة الأرضية، والاقتصاد الصيني ينمو بقوة مما مكنه أن يتضاعف خلال تسع سنوات فقط . وبالمقابل فإن ألمانيا، التي لا تزال حتى الآن ثالث أكبر قوة اقتصادية بعد الولايات المتحدة واليابان يبدو أنها ستحتاج لنصف قرن من الزمان لتحقيق مثل هذا الإنجاز، هذا إذا بقيت معدلات نمو اقتصادها على ما هي عليه اليوم.
إن الديناميكية التي تتمتع بها الاقتصاديات الطموحة سواء في آسيا أو أوروبا الشرقية ينظر إليها حاليا في أوروبا وفي أميركا أيضا كمصدر للتهديد. وهذا أمر مفهوم ، فكثيرون من المعنيين يتابعون بقلق عمليات انتقال أماكن العمل من الغرب إلى الشرق . ولم يعد الكثير من العمال غير المهرة فقط هم الذين يقبلون العمل في الغرب بأجور متدنية و إنما المزيد والمزيد من العمال المهرة أيضا إذا ما أرادوا أن يحتفظوا بأماكن عملهم. ومن المعروف أنه ينظر إلى الصين و الهند على أنهما ما زالتا تحتضنان العمالة الرخيصة في الاقتصاد العالمي . غير أن البلدين يفاخران بماضيهما المجيد الحافل بالمنجزات الثقافية والعلمية. ومن الجدير بالذكر أن نحو 700 ألف مهندس يتخرجون سنويا من معاهد الدراسات العليا في الصين والهند ، وهذا الرقم يساوي ضعف الرقم في الاتحاد الأوروبي . وفي ألمانيا بالذات المعروف عنها أنها بلاد مصممي وبناة الآلات يوجد نقص في الأجيال الجديدة من المهندسين . فلماذا لا يدرس العلوم الهندسية سوى قلة من الشباب رغم أن فرص العمل في هذه التخصصات هي فرص واعدة بينما ترتفع نسبة البطالة في المجالات الأخرى ؟
إن الجدل حول انتقال أماكن العمل يجري تدعيمه بالعديد من الأمثلة حيث يقال إن عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا والبالغ 4،5 مليون يقابله عدد مماثل من أماكن العمل التي أوجدتها الشركات الألمانية خارج البلاد . إن هذه المقارنة يقصد بها القول بإن الاستثمارات في الخارج تضر بالاقتصاد المحلي.
لقد قام البنك الاتحادي بدراسة الاستثمارات المباشرة منذ التسعينيات وتوصل إلى استنتاجات عكسية . فبعد سقوط سور برلين والستار الحديدي لم تلعب دول وسط شرق أوروبا أي دور كهدف للاستثمار، ولكن تغير الحال بعد انضمام هذه البلدان للاتحاد الأوروبي . أما في الصين فإن الاستثمارات الألمانية المباشرة قد تضاعفت عشر مرات إلا أنها، مع ذلك، لم تشكل حتى الآن أكثر من 1 في المائة. وتبين أن زيادة التوظيف في الخارج لا يرافقه بالضرورة فقدان أماكن عمل في الداخل، وقد استنتج البنك الاتحادي من دراسته أنه كلما ازداد الحضور في الخارج قوة ازدادت قدرات الاقتصاد الألماني على المنافسة.

كما أن العديد من المستهلكين الألمان ليس لديهم إحساس بأنهم يزدادون فقرا عندما يشترون من أسواق المنسوجات والأجهزة الإلكترونية سلعا رخيصة الثمن قادمة من الشرق الأقصى ، ويساعدون الصين أو الهند بالتالي في تحقيق الرخاء . هناك الكثيرون ممن يستفيدون من التجارة العالمية إضافة إلى العمال والمنتجين في الشرق يستفيد المستهلكون والمستثمرون من الغرب . ولعل الرابح الأكبر من التجارة العالمية هو ألمانيا ، المتربعة على عرش التصدير في العالم، ولا يقتصر الأمر على الشركات المسجلة في البورصة بل أيضا الشركات المتوسطة.
وكدليل على ما يزعم أنه تفوق اقتصاد السوق الموجه من قبل الدولة، القائم في الصين يشير البعض إلى ما يتوافر لدى الصين باستمرار من احتياطي هائل من العملات الصعبة . غير أن التمويل الآسيوي لعجز ميزان المدفوعات الأمريكي لا ينظر له على أنه نوع من أنواع عدم الثقة بقدر ما هو تعبير عن الإيمان بأكبر اقتصاد في العالم . غير أن الصين وتايوان واليابان هي ، في الدرجة الأولى ، الدول التي أصبحت أكبر دائن للولايات المتحدة لأنها ترفض زيادة قيمة عملاتها بالنسبة للدولار ، من خلال التعامل اليومي في بورصات القطع الأجنبي ، وذلك لضمان القدرة لصناعاتها التصديرية على المنافسة في الأجل القصير . أما في الأجل الطويل فليس ثمة مناص من زيادة قيمة اليوان والين ، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى تراجع في احتياطي هذه البلدان من الدولارات ، دون أن يؤدي ذلك بالضرورة لحدوث انهيار في أسواق العملات الصعبة .

وقبل صعود الصين كانت المخاوف من اليابان وكوريا على أشدها . أما اليوم فلم يعد ثمة ذكر لذلك . والسؤال هو : لماذا نبحث دائما عن الجواب لمشكلاتنا الاقتصادية في الخارج وليس لدينا هنا في الداخل ؟ لقد بلغت ألمانيا واليابان مرحلة الرخاء بعد الحرب من خلال المنافسة والتجارة، ولن نستطيع التمسك بالرخاء والمحافظة عليه إلا من خلال الأسواق. ومما لا شك أننا سنفقده إذا عزلنا أنفسنا في القلعة الأوروبية.
وكان المستشار الألماني الأسبق هيلموت شميت لا يجاريه أحد في الغرب في معرفة الصين والقيادة الصينية ابتداء من ماو تسي تونج وحتى اليوم وهو يحذر في كتابه الجديد (جارتنا الصين) قائلا: "إن بعض الإعلاميين والسياسيين الألمان يعتقدون بأن الصين لا تزال مطالبة بأن تصبح أكثر ديمقراطية. "غير أن أحدا من الغرب يمكنه احتكار الرخاء أو يمكنه القول إن الحضارة الغربية هي الحضارة المتفوقة وأن الصين بحاجة لتلقي بعض الدروس من الغرب".

الأكثر قراءة