الجمع بين منصبي رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي اختلال وظيفي
هل في ذلك مفاجأة؟ إذا برهنت أية شركة على أن ترأس مجلس الإدارة هو وظيفة مهمة في حد ذاتها وليس مجرد منصب إضافي لطيف يحمله الرئيس التنفيذي، فإن هذه الشركة هي "هيوليت باكارد". وفي كانون الثاني (يناير) سيرث هيرد من باتريشيا دان مهمة السعي إلى تحقيق الاستقرار والتوازن ضمن مجلس الإدارة بعد أن أحدثت دان فساداً واضطراباً في التحقيقات الجارية لمعرفة مصادر تسريب المعلومات من مجلس الإدارة. وسيكون عليه أن يجمع بين المهمة المذكورة وبين الإشراف على استراتيجية "هيوليت باكارد" وعملياتها.
تخيل ما الذي يمكن أن يحدث لو كان هيرد رئيساً لمجلس الإدارة حين تبين أن عدداً من المحققين الخاصين ادعوا أنهم أعضاء في مجلس الإدارة حتى يتاح لهم الوصول إلى سجلات المكالمات الهاتفية. إن الاحتمال بأن هيرد، وهو المدير الذي يحظى باحترام الجميع، سيكون عليه في هذه الحالة أن يقدم استقالته، هذا الاحتمال من الممكن أن يُشعر المستثمرين بالخوف والانزعاج. ولكن الذي حدث هو أن سعر سهم "هيوليت باكارد" لم يتحرك تحركاً يذكر. وهذا يبين رأي المستثمرين وثقتهم في أن من المرجح أنه لن يكون بمقدور المتلاعبين التسبب في إيذائه.
إن الجمع بين منصبي رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لا يزال يمثل الطريقة الأمريكية في التفكير. واستناداً إلى نشرة "إنستتيوشنال شيرهولدر سيرفيسيس" Institutional Shareholder Services، فإن الشركات التي تعين شخصاً مختلفاً لكل منصب منهما لا تمثل إلا 7 في المائة من مؤشر "ستاندارد آند بورز500". وحتى حين يفصل بين المنصبين، كما حدث في الفترة الأخيرة مع شركة فورد حيث تولى ألان مولالي منصب الرئيس التنفيذي وتولى بيل فورد منصب رئيس مجلس الإدارة التنفيذي، فإن هذا الفصل يعتبر مؤشراً على الاختلال الوظيفي، خصوصاً حين يرتقي الرئيس التنفيذي ليصبح رئيساً لمجلس الإدارة ولكنه يصر مع ذلك على إبقاء يد واحدة على الأقل ممسكة بدفة الاستراتيجية.
إن الذي يفهم من قيام شخص واحد بتولي المنصبين، أو من تنافس شخصين على تولي السيطرة التنفيذية، هو أن دور رئيس مجلس الإدارة لا يكفي بحد ذاته للإشغال التام لوقت "سيد" أو "سيدة" القطيع. وفي الغالب يتولى مؤسسو شركات التكنولوجيا، مثل بيل جيتس في "مايكروسوفت" ومايكل ديل، منصب رئيس مجلس الإدارة, ولكنهم يواصلون إعطاء آرائهم في الأمور الاستراتيجية. وفي حالة بيل جيتس، فإنه اتخذ لنفسه لقباً آخر هو كبير مهندسي البرمجيات.
هذا النوع من السلوك في سبيله إلى الانقراض في أوروبا. إذ تعمل معظم الشركات البريطانية على الفصل بين دور الرئيس التنفيذي وبين رئيس مجلس الإدارة الذي لا يتمتع بصلاحيات تنفيذية. وفي عام 2003، عقب التقرير الذي أصدره السير ديريك هيجز عن حوكمة الشركات، عُدل القانون المشترك لحوكمة الشركات حتى لا يطمع الرؤساء التنفيذيين الذين يريدون تغيير "الجو" ويرتقون ببساطة ليصبح الواحد منهم رئيساً لمجلس الإدارة في شركته نفسها.
ولذلك فإن الولايات المتحدة الآن، في هذا الموضوع وغيره من المواضيع، هي نسيج وحدها. ولعل اللوم يقع على مزيج من سيكولوجيا الجماعات والكِبر الذي لا جدوى منه. إذ لا يريد أي شخص منهم أن يجد نفسه في نادي الجولف وجهاً لوجه أمام أشخاص يحمل الواحد منهم اللقبين معاً في حين أنه هو لا يزيد على كونه رئيسا تنفيذيا، بصرف النظر عن مقدار راتبه وعلاواته وبصرف النظر عن مدى حجم شركته. فإذا شغر منصب رئيس مجلس الإدارة فإن معظم الرؤساء التنفيذيين سيحاولون اقتناصه.
إذا استثنينا جانب الغرور الذاتي، فإن هناك جاذبية وإغراء في أن يتولى الشخص مسؤولية مجلس الإدارة وفي الوقت نفسه إدارة الجناح التنفيذي. ويقول رئيس مجلس الإدارة في إحدى الشركات المدرجة على مؤشر "فاينانشيال تايمز 100" والذي يشغل كذلك منصب عضو في مجلس إدارة إحدى الشركات الأمريكية: "إن النظام الأمريكي يعطي للمدير سلطة هائلة دون أن تكون هناك حدود فعلية لصلاحياته. وهو الذي يقرر ما يريد في الأمور التي يريد أن يطلع عليها أعضاء مجلس الإدارة. أما في بريطانيا فإن بإمكان رئيس مجلس الإدارة أن يقول دائماً: يستحسن أن نبلغ مجلس الإدارة، حتى ولو كان هذا الخبر غير سار."
بما أن أهم دور لرئيس مجلس الإدارة هو تنظيم عملية توظيف وفصل الرئيس التنفيذي، فإنه يساعد على أن يقوم رئيس مجلس الإدارة بهذين الدورين. وعندما أخرج هانك ماك كنيل من منصبه كرئيس تنفيذي لشركة فايزر في تموز (يوليو) الماضي، سمح له أن يظل رئيساً لمجلس الإدارة حتى شباط (فبراير) من العام المقبل. لكن بيتر دولان لم يكن محظوظاً مثله، حينما فصل من منصبه كرئيس تنفيذي لشركة برستول مايرز سكويب في الشهر الماضي من قبل مجلس إدارة يرأسه جيمس روبنسون.
ومع ذلك، فقد ماك كنايل وظيفته الرئيسية. لذا، فإن كون المرء رئيس مجلس إدارة ورئيساً تنفيذياً لا يوفر له الأمن الكافي الذي اعتاد عليه. وفي عام 2003، قامت سوق الأوراق المالية في نيويورك بتغيير قواعد الإدراج فيها بغية تشجيع تعيين مديرين مستقلين رواد. ويقوم هؤلاء المديرون برئاسة اجتماعات المجلس التي لا يحضرها التنفيذيون، مما يكبح قدرة رئيس مجلس الإدارة والمديرين التنفيذيين على كبت قلقهم.
كما لا يضمن الفصل بين الوظائف أي حوكمة جيدة. ويمكن لرئيس مجلس إدارة بالغ الجبروت أن يحاول التدخل في إدارة الشركة، مما لن يؤدي فقط إلى جعل حياة الرئيس التنفيذي أصعب ولكنه يؤدي إلى الفئوية. ففي السابق، كان العديد من رؤساء مجلس الإدارة البريطانيين يعملون كرؤساء تنفيذيين في شركات أخرى ولا يزال بعضهم يتمتع بتسليط الأضواء عليه. ويقول أحد الرؤساء التنفيذيين السابقين في بريطانيا عن رئيس مجلس إدارته غير التنفيذي: "لم يقم أبداً باتخاذ أي قرار عملي، لكنه كان يعطي انطباعاً بأنه قام بذلك."
ولكن، بالصعوبة ذاتها التي يمكن أن يكون عليها الأمر، فإن فصل الوظيفتين هو المنهج الأفضل. وهنالك تضارب واضح في المصالح بين قيادة مجلس يشرف على إدارة الشركة وكون المرء مديراً رفيع المستوى. وإعطاء كلا الدورين لشخص واحد هو دعوة للمشاكل. وساعدت إصلاحات حوكمة الشركات مثل تعيين مديرين مستقلين رواد على تخفيف المشكلة، لكنها لا تتفاداها.
ومن الناحية العملية، فقد أصبح تحقيق واجبات رئيس مجلس الإدارة بالنسبة للرؤساء التنفيذيين أصعب مما كان عليه في السابق. وعلى الأرجح، فإن شركة هيوليت باكارد تعد حالة خاصة، حيث إن جلب النظام لمجلس إدارتها يبدو وكأنه مهمة دائمة (وربما مستحيلة). لكن بروز الفعالية لدى حملة الأسهم ونمو قواعد حوكمة الشركات يتطلبان المزيد من الوقت والاهتمام من رئيس مجلس الإدارة. ولا يمكن لأي رئيس تنفيذي على رأس عمله أن يجد ما يكفي من الوقت للقيام بأي من العملين.
ويمكن للرئيس التنفيذي العقلاني أن يستنتج بشكل جيد أنها أو أنه يمكن أن يقوم بعمله بشكل جيد من دون المسؤولية. وهذا كله يجعل من المدهش جداً قيام السيد هورد، الذي يبدو وكأنه رجل منطقي، بتولي رئاسة مجلس إدارة شركة هيوليت باكارد. وربما لم يتمكن من مقاومة الرغبة في أن يصبح صاحب اللقبين، جنباً إلى جنب مع غالبية أمريكا المؤسسية. لكن ذلك كان خطأً، له وللشركة التي يقودها.