القطاع الخاص بدلا من الحكومة في استثمارات البنية التحتية

القطاع الخاص بدلا من الحكومة في استثمارات البنية التحتية

شكلت بنوك الاستثمار، وصناديق التقاعد وشركات المساهمة سوقاً جديدة متطورة تنمو بسرعة، وتبلور نشاطها بالدرجة الأولى في مشاريع البنية التحتية. وحسب نتائج وأرقام مجلة ( إنفراستركشر جورنال - Infrastructure Journal ) الاقتصادية المتخصصة، بلغت الأموال المجموعة في جميع أنحاء العالم خلال عام 2006 فقط نحو 98.1 مليار دولار، استثمرت في المطارات و الموانئ البحرية والشوارع وقطاع التزويد. وكانت السوق الأوروبية هي محط أنظار المستثمرين الماليين بالدرجة الأولى، حيث يؤكد جورج فيتور رئيس الفرع الألماني لبنك الاستثمار الأسترالي ( ماكواري ) هذه الحقيقة قائلا : "أوروبا هي أحد أهم الأسواق". وبعدما استثمر مستثمرون مؤسسون أموالهم في صناديق الدعم الاستثماري هذه، يستطيع الآن المستثمرون الخاصون أيضا تحقيق الأرباح من وراء الصناديق.

وفي بريطانيا بالذات خاض المستثمرون الماليون العام الماضي حرب مزايدات حول مشاريع بنية تحتية ضخمـة، حيث استحوذت مجموعة جولدمان زاكس على شركة إدارة الموانئ البريطانية ( أيه بي بورتس - AB Ports ) بمبلغ أربعة مليارات يورو بينما خسر بنك الاستثمار الأمريكي المزايدة أمام شركة فيروفال الإسبانية للإنشاءات حول شركة إدارة المطارات (بي أيه أيه - BAA)

وفي لندن اشترى أخيراً بنك الاستثمار الأسترالي ماكواري شركة الحافلات (ستيج كوش) بنحو 380 مليون يورو. وبعد هذه الصفقة الناجحـة ازدهرت الأعمال في بريطانيا، حيث إن أرصدة الحكومة الخالية تجبر بصورة مستمرة القطاع العمومي على نقل المهام الحكومية إلى أيدي القطاع الخاص. هذا ووفق الدراسة التي أجراها بها معهد (أو آي سي دي ) سيتم حتى عام 2030 استثمار 290 مليار دولار فقط في تطوير وتحديث شبكات الطرق في العالم.

من أهم المستثمرين في صناديق الدعم هذه هي شركات التأمين وصناديق التقاعد حيث يسعون إلى استثمار أموالهم على المدى البعيد. وتعد صناديق دعم استثمارات البنية التحتية المستثمرين فيها بأرباح أسهم عائدة بنسبة 10 في المائة - وهذه النسبة بالمقارنة مع وعود القطاع الخاص تعتبر متواضعة إلى حد كبير.

وفي المقابل يعتبر الاستثمار في مشاريع البنية التحتية للشوارع والموانئ وقطاع التزويد استثماراً قليل الخطورة. ولهذا تُعتمد الحسابات وراء هذه الاستثمارات كالحسابات في قطاع العقارات : الحاجة إلى تطوير البنية التحتية تتزايد بصورة مستمرة، وهو في الوقت نفسه قطاع أعمال مضمون ذو موارد دخل ثابتة. لهذا السبب، فالبنوك مستعدة تمام الاستعداد لتمويل ما يزيد على نصف سعر الشراء لهذه المشاريع بقروض ائتمانية - ومن هذا المنطلق يمكن أن ترتفع أرباح رأس المال العائدة.

ومما لاشك فيه هو أن هذا القطاع غير خال تماما من المخاطر، فالنفق الذي يربط بين فرنسا وبريطانيا و الذي موله القطاع الخاص كاد أخيراً أن يقع في دائرة الإفلاس. صحيح أن استخدام النفق كان شديدا لدرجة الطاقة القصوى، ولكن الديون المترتبة عن تمويل تكاليف البناء التهمت الأرباح . ويوضح فيتور قائلا :"من أجل الاستثمار في البنية التحتية يجب أن تتوافر ثلاثة شروط: يجب أن يكون محتكرا سابقا، يستطيع تغطية الضروريات الأساسية للمجتمع، ولديه دخل عائد عال".

وفي ألمانيـا، وبينما تزدهر الأعمال والتجارة التي يديرها المحتكرون الحكوميون السابقون، مازال صائدو مشاريع البنية التحتية يتربصون بالصفقات الكبيرة في البلاد. فبغض النظر عن سلسلة مطاعم و استراحات محطات تعبئة الوقود (تانك & راست) لا توجد في ألمانيا حتى الآن سوى مشاريع صغيرة، منها على سبيل المثال مشروع نفق ( فارنوف) في مدينة روستوك شرق ألمانيا والذي موله بنك ماكوراي الاستثماري. وكذلك تخصيص مطار ( لاهر ) الصغير الواقع على حدود مقاطعة هيسين.

ويعتبر بنك ماكوراي الاستثماري برأس مال 20 مليار دولار و20 صندوق دعم استثمار أكبر مستثمر في العالم في مشاريع البنية التحتية. ويقوم البنك في الوقت الحالي بتجميع المال لصندوق دعم استثماري ثان في أوروبا بميزانية قدرها ثلاثة مليارات يورو. ويرجع السبب في شهرة بنوك الاستثمار الأسترالية إلى انطلاق الحكومة الأسترالية في عمليات التخصيص منذ وقت مبكر جدا، ولهذا السبب نشأت سلسلة كبيرة من المستثمرين هناك، منهم على سبيل المثال (بابكوك & براون- Babcock & Brown ) و المجموعة المالية ( اللكو – Allco).

وتتزاحم أيضا في هذا القطاع التجاري بنوك استثمار وشركات مساهمة أخرى. فعلى سبيل المثال تسعى مؤسسة تيرا الاستثمارية للاستحواذ على شركة تزويد المياه البريطانية ( تايمز ووتر) التابعة لشركة تزويد الطاقة الألمانية ( آر دبليو أي) ، كما أسست مجموعة جولدمان زاكس صندوق دعم استثمار آخر على نمط شركة القطاع الخاص ( كارلايل).

وفي الوقت الحالي، يستطيع كذلك المستثمرون الأفراد الانتفاع من قطاع الاستثمار هذا. فمن أوائل بنوك الاستثمار، جمع بنك ماكواري في العام الماضي من مستثمرين أفراد في ألمانيا والنمسا نحو 128 مليون يورو، وفي العام الحالي يخطط البنك إلى تأسيس صندوق دعم ثان في أوروبا بميزانية تقارب 250 مليون يورو. ويستطيع المستثمر القادر الانضمام إلى صندوق دعم الاستثمار بمبلغ يبدأ من 200 ألف يورو . ويمكن للمستثمرين الأفراد من أصحاب الأرصدة القليلة الاستثمار ابتداء من 20 ألف يورو لكن يتوجب عليهم في هذه الحالة دفع رسوم أعلى.

وتبلغ علاوة الإصدار 5 في المائة بالإضافـة إلى رسوم أخرى بقيمة 8.5 في المائة ورسوم إدارية سنوية بقيمة 0.75 في المائة تضاف إلى رأس المال . أما أسوأ ما في الموضوع فهو أنه إذا اقفل صندوق الدعم، فستكون النقود مجمدة لمدة عشر سنوات على الأقل. ولا يخلو طالب العسل من لدغات النحل.

الأكثر قراءة