بحثا عن السعر العادل
بحثا عن السعر العادل
السؤال حول ماذا كانت منظمة الأقطار المصدرة لنفط (أوبك) ستعقد اجتماعا استثنائيا قبل مؤتمرها العادي منتصف كانون الأول (ديسمبر) أو لا، يخفي وراءه سؤالا أكثر أهمية، وهو: ما السعر الذي ستسعى المنظمة إلى تثبيته ليكون الأرضية التي يتم التعامل بها في السوق؟ وهو ما يفرض بالتالي إجراءات أخرى من نوع خفض الإنتاج وبأي مقدار ومن يقوم بهذا الخفض؟
هذا السيناريو القديم المتجدد يكتسب أهمية إضافية لبروز صفة العدالة في تحديد السعر على غير ما كان الأمر عليه في المرات السابقة، فحرب الأسعار التي شهدتها فترة منتصف ثمانينيات القرن الماضي جاءت رد فعل على تآكل حصة السعودية في السوق وخلفها منظمة "أوبك" ودعوتها للمنتجين الآخرين أن يتحملوا نصيبهم من المسؤولية، وهو ما أدى إلى حرب الأسعار التي لم يردها أحد بسبب استنزافها الكبير للموارد المالية، لكن اعتبرت ضرورية لإرسال رسالة مهمة أن الأمور لن تكون مثلما كانت عليه من قبل. وقف تلك الحرب انتهى بتحديد هدف سعري استغرق المنظمة نحو عقد من الزمان للوصول إليه.
أما التجربة الثانية عندما تراجعت الأسعار إلى نحو 12 دولارا للبرميل عام 1998، الأمر الذي دفع المنظمة إلى القيام بخطوات ملموسة لخفض الإنتاج وبدعم يقل أو يكثر من بعض المنتجين من خارجها، لكن تصاعد الطلب بعد ذلك ودخول مستهلكين جدد وكبار إلى السوق مثل الصين والهند لم يسهم فقط في تماسك السعر الجديد وإنما بدأ في دفعه إلى أعلى ثم أعلى، وهذه هي الفترة التي استمرت مدفوعة بعوامل متعددة أسهمت فيها الجوانب الجيوسياسية كذلك، لكن يبدو أنها شارفت نهايتها بدليل عوامل الضعف التي تعتري سعر البرميل في الوقت الحالي وتنامي الدعوات إلى عمل شيء ما.
وإذا كان من المعهود والمفهوم تعدد وجهات النظر فيما ينبغي أن يكون عليه السعر الذي تحتاج "أوبك" إلى الدفاع عنه، فإن الجديد أن تصطحب معها هذه المرة تجارب أخرى ولاعبين آخرين لهم مصلحة حقيقية في تحديد السعر.
وحتى إذا استبعدت العوامل التقليدية مثل عدم رفع السعر إلى الدرجة التي يؤثر فيها على النمو الاقتصادي أو الدفع باتجاه توفير بدائل للوقود الأحفوري، تبقى عناصر أخرى على رأسها أنه مع تغطية معظم المناطق التقليدية التي توجد فيها الاحتياطيات النفطية والغازية، فإن البحث والاستكشاف بدأ يتجه إلى مناطق نائية أكثر أو أعمق تحت المياه، الأمر الذي يتطلب إنفاقا أعلى، وهو ما توضحه تجربة الاكتشافات النفطية الأخيرة في مياه خليج المكسيك العميقة، التي تقدر بعض مصادر الصناعة أنها تحتاج إلى أن يكون سعر البرميل في حدود 40 دولارا للبرميل ليصبح العمل فيها مجزيا.
الحوارات السابقة جرت تحت ظلال أزمات مختلفة الأشكال، الأمر الذي جرّدها من إمكانية العمل بطريقة مؤثرة ووضع أسس مستقبلية، لذا كانت في الغالب رد فعل لا يتمتع بإمكانية البقاء. ثم إنها اقتصرت على المنتجين فقط من داخل "أوبك" وخارجها المطلوب منهم التحرك عبر آلية وحيدة هي خفض الإنتاج للدفاع عن هدف سعري دون تحديد واضح لقسماته ومكسب كل طرف منه، اللهم إلا القاعدة العامة أن ما يربط كل المنتجين هدف الحصول على أفضل نصيب من العائدات المالية لمبيعاتهم النفطية.
ومن الناحية الأخرى كان هناك حوار مبتسر يدور بين المنتجين والمستهلكين عمدته الاتهامات والشكوك المتبادلة في البداية، ثم بدأ باستبعاد أي حديث عن الأسعار لأوهام غربية وأمريكية في الأساس أن موضوع السعر ينبغي أن يترك للسوق لتقرر فيه، لكن مثلما أكدت تجربة الانهيار السعري في منتصف الثمانينيات أن الأسعار المنخفضة ليست في صالح المستهلكين مستقبلا لأنها تضع الأساس لنمو في الطلب وأزمة إمدادات أخرى.
إلى جانب هذا فإن تركيبة المستهلكين شهدت متغيرات رئيسية عمادها أن الدول الغربية لم تعد ساحة الاستهلاك النفطي الأكبر، وإنما أصبحت الساحة الآسيوية هي الأكثر تأثيرا، وبالتالي أصبح للاعبين جدد مثل الصين والهند دور يوازي - إن لم يكن يتفوق - على الساحة الأوروبية تحديدا.
على أن أكثر التطورات إيجابية إنما يتمثل في انطلاق أعمال منتدى الطاقة الدولي في الرياض، الذي تجاوز مرحلة التأسيس الصعبة ليكون منتدى فعلي يسهم فيه المنتجون والمستهلكون والشركات النفطية الوطنية والأجنبية، وبذلك فهو يوفر فرصة طيبة وتكاد تكون وحيدة لجمعه كل هذه الأطراف وفي إطار مؤسسة يتواصل عملها لتجاوز حالة الموسمية التي ميزت النشاطات السابقة.
وفي مثل هذه الأجواء يمكن لكل الأطراف أن تجلس وعلى مستويات من الخبراء لتحديد معنى وإطار السعر العادل الذي يسعى إليه الكل، ثم ينتقل النقاش إلى مرحلة القرار السياسي بعد ذلك، وهذه هي المهمة التي ينبغي للمنتدى أن يلزم نفسه بها ونقلها إلى دائرة الفعل.
<p><a href="mailto:[email protected]">asidahmed@hotmail.com</a></p>