دلالات مشاركة المرأة في الانتخابات الكويتية

تعتبر الكويت أحدث دولة في العالم تعطي المرأة حقوقها السياسية الكاملة في آذار (مارس) من عام 2005، وقد تسارعت وتيرة الأحداث بعد ذلك ودخلت المرأة عملية التصويت والترشح في خلال عام واحد من صدور القرار على الرغم من أن موعد الانتخابات البرلمانية القادمة كان في 2007، ولكن لحل البرلمان الاستثنائي الذي قام به رئيسه أدى إلى التعجيل بالانتخابات وتضييق الفرصة على النساء في الاستعداد لهذه اللحظة التاريخية التي طال انتظارها. وعلى الرغم من مدة الشهر الواحد التي سنحت للمرأة لتنظم نفسها لتفعيل مشاركتها السياسية على مستوى التصويت والترشح، فقد دخلتها بكل قوة، ومثلتها ثمان وعشرون امرأة على مستوى الترشح، وخاضت التسجيل نحو 195 ألف امرأة بنسبة58 في المائة متفوقة بذلك على مشاركة الرجل في سابقة تاريخية كذلك.
ووفق تتبع تاريخ نضال المرأة لنيل حقوقها السياسية والمدنية فإن المشاركة بالتصويت كان يأتي دوماً في المرحلة الأولى ونادراً ما تتمكن النساء من تحقيق أي فوز على مستوى الترشح. وغالباً ما يبدأ نيل الحقوق بالحصول على حق التصويت في الانتخابات البلدية والمحلية وتليها في مرحلة لاحقة الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية. وفي تاريخ الأوليات، أعطت السويد بعض النساء حق التصويت في الانتخابات البلدية عام 1862، تلت ذلك بريطانيا التي أعطت المرأة غير المتزوجة ربة أسرة الحق في التصويت في الانتخابات المحلية أيضاً عام 1869، أما أول دولة أعطت المرأة حقوق التصويت المساوية للرجل فقد كانت نيوزيلاندا عام 1893. ولم تحصل المرأة الأمريكية (البيضاء) على حقوقها السياسية في كل الولايات إلا في عام 1920، بينما لم تنجح المرأة الأمريكية في انتخابات مجلس الشيوخ إلا في عام 1932. وفي حين أعطيت المرأة البريطانية حق التصويت لمن هن فوق سن الثلاثين عام 1918، فلم تصل امرأة إلى مجلس العموم (البرلمان) إلا في عام 1921.
وبالعودة إلى أرقام المشاركة الكويتية نجد أن لدينا 340248 ناخباً، منهم 194910 ناخبات و145338 ناخباً. وكما نرى فإن عدد النساء المسجلات يفوق عدد الرجال على الرغم من انضمام عدد كبير من الشباب ممن بلغوا الثامنة عشرة إلى هذه المجموعة بفارق نحو 50 ألفاً. وهذا الرقم يعد قياسياً مقارنة بالدورة الانتخابية السابقة في عام 2003 التي لم تبلغ 120 ألفاً من الرجال.
وقد حققت انتخابات الأسبوع الماضي البرلمانية أعلى نسبة مشاركة لم يسبق لها مثيل في الكويت. وإذا أخذنا بعين الاعتبار عدد السكان المواطنين الذي يبلغ مليون نسمة تقريباً فإننا نتحدث عن مشاركة لا تقل عن 58 في المائة. وهي من أعلى النسب دولياً. حيث تشهد كثير من دول العالم تدني المشاركة السياسية النسائية.
وقد كانت نسبة استخدام النساء لحقهن في التصويت متدنية على مدى سنوات طويلة مقارنة بتصويت الرجال على مستوى العالم، مما له أسبابه المتعددة، وحتى أن ممارسة الرجل لحقوقه السياسية ووصوله إلى صندوق الاقتراع يشوبه كذلك كثير من الملاحظات تتعلق بتدني المشاركة. ويقوم المراقبون بتحليل هذه الظواهر بجميع الأشكال ويخضعونها للدراسة لمعرفة سبب انصراف شعب من الشعوب عن ممارسة حقه في المشاركة السياسية. ومن هذه الأسباب ما عزي إلى أسباب سياسية اجتماعية مرتبطة بعدم ثقة الناخبين بالحكومة أو بنظام الانتخابات أو نزاهته، أو عدم الشفافية وكثرة قصص الفساد المرتبطة بالحكومة مما يجعل الناخب ييأس من أن يحدث تغييراً في العملية السياسية، أو بسبب إقصاء فئات أساسية في المجتمع كالنساء أو المقيمين خارج البلاد أو فئة الشباب تحت الواحد والعشرين. ومنها ما يتعلق بأسباب إجرائية كعدم توافر مراكز اقتراع موزعة بشكل سهل الوصول إليها جغرافياً، أو أن الموظفين فيها غير مدربين على تنظيم أفواج المقترعين وفرز أصواتهم، أو عدم حصول الناخبين على معلومات عن المرشحين، أو أن يكون يوم الاقتراع يوم عمل وغير ذلك من الأسباب.
وقد أجمع المراقبون على أن نسبة مشاركة المرأة الكويتية في التصويت كانت عالية جداً وغير متوقعة (لم أتمكن من الحصول على رقم محدد نظراً لتضارب المعلومات حتى الآن) خاصة لسنة أولى انتخابات وفي ظل الظروف الصعبة التي مرت بها المرأة الكويتية لتنظيم نفسها خلال شهر من الزمان وسط تحديات عديدة وظروف جديدة، والكويت كله لم يعتدها حتى أن مراكزه الانتخابية لم تكن مستعدة لهذا العدد الغفير من المصوتات والمصوتين. وفي مقارنة سريعة بالانتخابات الأمريكية والمشاركة النسائية في الاقتراع فنجد أنهن منذ نلن حق التصويت وحتى عام 1980 وعدد النساء المصوتات أقل من الرجال، ولم تتمكن النساء من اللحاق بالرجال إلا في فترة الثمانينيات مع حملة مركزة من الجمعيات النسوية لتشجيع النساء على ممارسة حقهن. وقد ارتفعت نسبة النساء المصوتات إلى 56.2 في المائة في انتخابات 2000 مقابل 53.1 في المائة للرجال.
إن تقييم مشاركة المرأة في العملية الانتخابية الكويتية الأخيرة لا يحتمل أن يقوم على الحكم عليها بالفشل لمجرد عدم نجاح نساء في الوصول إلى مقاعد البرلمان. ففي العملية السياسية يخضع تقيم المسألة بشكل أساسي من خلال تحليل نسبة المشاركين والمشاركات في التسجيل ثم في ممارسة التصويت يوم الاقتراع. فهذا هو الحق الأساسي الذي يسعى إليه كل فرد في الدولة الحديثة اليوم. أي أن يكون لها وله صوت يتمكنان به من المشاركة في القرارات التي تخص البلاد والمجتمع والاقتصاد والسياسة والتربية وغيرها لتصبح الناخبة بذلك مواطنة كاملة الأهلية.

مؤرخة وكاتبة سعودية
[email protected]

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي