صناديق التقاعد الفرنسية في مرمي خطط التطوير
من بين الفرنسيين من هم يمكنهم النظر إلى مستقبلهم بعد إنهاء خدمتهم الوظيفية بكل ارتياح خلافاً لباقي الفرنسيين ومن بين هؤلاء الموظفون في ( بنك دو فرانس) أو الممثلون في فرقة (كوميدي فرانسيز) أو المطربون في الأوبرا الفرنسية وكذلك سائقو القطارات ورجال البريد والعاملون في قطاعات الغاز. فكل هذه الفئات مشتركة في صناديق التأمين الخاصة التابعة لنظام التقاعد الفرنسي، تلك الصناديق التي لم يفلح أي مشروع إصلاح خلال العقود الماضية في البلاد في تغييرها. ولا يتوجب على الأعضاء دفع الكثير أثناء فترة الحياة العملية فحسب، في مقابل ذلك، فإنهم يحصلون على معاش تقاعدي أعلى نسبيـا من رواتبهم خلال فترة العمل. ولكن تلك الصناديق الخاصـة أصبحت باهظة التكاليف بسبب زيادة أعداد منتسبيها ما أدى إلى تدخل الحكومة الفرنسية ودعمها من ميزانية الدولة بصورة متزايدة.
والآن أطلق وزير التنمية الاجتماعية الفرنسي فرانسوا فيللون حملة إصلاح جديدة قال فيها إنه وضع مراحل إصلاحية لتلك الصناديق مع بداية الدورة التشريعية المقبلة مع مطلع صيف 2007. هذه الخطوة لم تثر غضب القوى اليسارية – كما كان متوقعا - فحسب بل أيضا أثارت انتقادات رئيس الوزراء الفرنسي دومينيك دو فيليبان وكذلك العديد من النواب في الحزب الحاكم فهم لا يحبذون الحديث عن هذه النقطة الحساسة قبل موعد انطلاق انتخابات الرئاسة المقررة في شهر نيسان (أبريل) و آذار (مايو) عام 2007 وكذلك انتخابات البرلمان في بداية الصيف المقبل.
ولكن وزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي المرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة يقف في صف فيللون بل إن البعض يرى في فيللون نفسه رئيسا مقبلا للوزراء في فرنسا إذا فاز ساركوزي في انتخابات رئاسة الجهورية. ولهذا السبب تتمتع كلمات فيللون بثقل ووزن في الشارع الفرنسي. ورغم أن ساركوزي رفض مسايرة التصريحات المنادية باستهجان خطط فيللون، إلا أنه رفض في الوقت ذاته تأييدها بشكل صريح وقال إنه لم يتخذ أي قرار حول هذا الموضوع حتى الآن.
ويشترك في صناديق التقاعد نحو 500 ألف فيما يبلغ عدد المتقاعدين 1.1 مليون شخص نسبة من يقلون عن سن الستين منهم تصل إلي 20 في المائة. ومن بين إجمالي المتقاعدين يوجد موظفون سابقون في شركة الكهرباء الفرنسية (إليكتريسي دو فرانس) ومؤسسة البريد وشركة السكك الحديدية الحكومية ( إس إن سي إف) – SNCF. ويحق للموظفين العاملين في شركة السكك الحديدية الخروج على التقاعد في سن الخمسين، ولكن حتى يحصلوا على قسط التقاعد كاملا يجب أن يكونوا مساهمين في صندوق التقاعد لمدة 37.5 سنة. بينما في القطاع الخاص وقطاع الخدمات العامة الأخرى يستطيع العامل إحالة نفسه على التقاعد مع سن الستين ويجب أن يكون قد سدد أقساط اشتراك 40 عاما - هذه الفترة الزمنية يمكن بعد خطة الإصلاح من عام 2003 أن تزداد خلال الأعوام المقبلة إلى 42 عاما.
ولدى شركة السكك الحديدية SNCF يتم حساب قسط التقاعد الشهري على أساس معاش الأشهر الستة الأخيرة، وليس على أساس المعدل المتوسط لأفضل 25 عاما من ناحية المعاش كما هو سار لدى صناديق التأمين الأخرى. وبهذا يصل قسط التقاعد الشهري في شركة السكك الحديدية SNCF تقريبا ثلاثة أرباع الراتب الأخير.
هذه المميزات تعود في أجزاء من مرجعيتها وتاريخها إلى بداية القرن،عندما كان الشخص يسعى إلى تحسين وضعه المعيشي من خلال العمل الجسماني الشاق مثل العمل في المناجم وفي أعراض البحـار؛ ولكن اليوم فقد هؤلاء، على حسب ما يرى أغلبية خبراء الاقتصاد، الكثير من حقوقهم. وفي شأن الحكومة الفرنسية، فقد تجنبت دائمـا الحكومات المتغيرة في فرنسا المساس بموضوع صناديق التقاعد الخاصة وذلك تحت تأثير ضغط النقابات. لكن إذا ظل الوضع على ما هو عليه، كما يقول الخبراء، فستضطر الحكومة الفرنسية في عام 2020 بسبب التفاوت غير المتجانس بين عدد مسددي الأقساط وعدد مستلمي أقساط التقاعد إلى دفع 60 في المائة من أقساط تقاعد شركة السكك الحديدية، وتبعا لحسابات الخبراء ستبلغ تلك النسبة 79 في المائة من أقساط المتقاعدين من "بنك دو فرانس". ولكن من جانبهما توعدت منظمتا العمال "فو - FO" و"سي جي تي - CGT" بمقاومة شديدة في حالة التغيير بصورة لا ترضي جميع الأطراف، وقالت على لسان قادتها كلود ميلي و بيرنارد تيبولت: "نحن مستعدون للمعركـة !".