عام 2035 .. الهند ثالث أكبر قوة اقتصادية في العالم
عام 2035 .. الهند ثالث أكبر قوة اقتصادية في العالم
يوجد نجم في كل عام يُقام فيه مؤتمر الاقتصاد العالمي في دافوس. ولكن ليس شخصاً واحداً من يهيمن على التجمّع الإجمالي، وإنما دولة بأكملها. وفي عام 2006 بدا الأمر واضحاً كما لم يكن في السابق إلا فيما ندر: الهند هي النجم المفاجئ لهذا العام. "الهند المذهلة"، "الهند العجيبة"، هكذا عرضت الدولة نفسها، وكان لها الحق في ذلك. وبينما نظر العالم بأكمله طوال سنوات إلى الصين وتطورها السريع، أهمل الناس نمو الهند المستمر أيضاً. وسجّلت معدلات النمو خلال الأعوام الـ 15 الماضية دوماً ما يزيد على 5 في المائة، وفي غضون الأعوام الثلاثة الماضية ما يزيد على 7 في المائة.
وإذا ما استمرّ الوضع على هذا النحو، يمكن لحجم الناتج المحلي الإجمالي في الهند أن يتجاوز حجم الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا حتى ما قبل عام 2025، حسبما جاء من توقعات عن دراسة للبنك الاستثماري، جولدمان زاكس. وبالإضافة إلى هذا، فإن الدراسة تؤكد أن الهند هي قوة النمو الأكبر ما بين ما تُسمّى دول بريك - BRIC ، البرازيل، روسيا، الهند، والصين، بما يعادل 5 في المائة أو أكثر خلال الثلاثين عاما المقبلة. ومن المتوقّع أن تصبح الهند بحلول عام 2035 ثالث أكبر اقتصاد في العام بعد الولايات المتحدة والصين. وعلى ما يبدو أن مستشارة الاتحاد الألماني بدأت بحماس واضح حيال "القدرة الكامنة اللامنتهية" للهند، و"الفرص الضخمة" للمستثمرين الألمان.
وبرغم أن نمو عالم الهند اُكتشف حديثاً، فإنه ليس حديثاً، حيث نما الاقتصاد ما بين عامي 1950 و1980 بالمعدل نحو 3.5 في المائة سنوياً، وحققت خطط إعادة الهيكلة لصالح الاقتصاد الخاص مع بداية الثمانينيات نجاحاً. ونما حجم الناتج المحلي الإجمالي ما بين عامي 1980 و 2002 بالمعدل نحو 6 في المائة سنوياً. وهذا كثير مقارنة بألمانيا، ولكنه قليل مقارنة بالتطوّر السريع للصين.
والأكثر جلباً للانتباه من معدلات النمو هو الطريق الذي اختارته الهند لتحقق تطورها. فعلى خلاف كافة الدول الأخرى وثبتت هذه الدولة في تطورها بخطوة متقدمة، بدلاً من تطوير قطاع الصناعة أولاً ومن ثم قطاع الخدمات الإنتاجية لاحقاً، كما فعلت أوروبا والولايات المتحدة قبلها، إذ بدأت الهند بالتقدّم بشركات الخدمات الإنتاجية أولاً.
لم تصوّر هذه الدولة نفسها كمنضدة تشغيل للعالم كما فعلت الصين و لم تتبع استراتيجية الدولة الشقيقة، وبالأخص إنتاج السلع الصناعية المكثّفة بالجهد، ورخيصة الثمن، مثل قطع الألعاب والملابس، من ثم العمل على تصديرها. لأن الهند تثق أكثر بالخدمات، أكثر من الصناعة. وهي تركّز على التقنية العالية قبل تشغيل المصانع ذات المؤهلات المتدنية. والهند تفضّل أن تكون مختبر العالم بدلاً من أن تكون منضدة التشغيل له.
وبكل نجاح، تعمل نحو ربع خمسمائة أكبر مجموعة شركات في العالم على البحث والتطوير في الوقت الراهن في الهند. وطوّرت المدينة الكبيرة "بانجلور" نفسها في الدولة، لتكون إحدى أكثر المناطق الرائدة لتكنولوجيا المعلومات. ويعمل هناك نحو 150 ألف خبير في تكنولوجيا المعلومات، لدى نحو 1500 شركة. ويندرج في قائمة هذه الشركات كبرى الأسماء منها ساب ومايكروسوفت. وتضم هذه الشركات في الهند أفضل الأيدي العاملة المتعلّمة، والتي تتحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة، وتعمل مقابل أجور تعادل نحو ربع معايير أجر الموظّف الألماني. وقد أعلنت الشركات الكبرى عن المزيد من الاستثمارات: حيث تريد سيسكو وإنتل في تلك المنطقة الهندية الرائدة استثمار ما يزيد على مليار دولار، ومايكروسوفت نحو 1.7 مليار دولار.
وتُعتبر الاستراتيجية ناجحة، ولكنها إشكالية في الوقت ذاته، حيث بعيداً عن المدن الهندية الكبرى بالكاد نشهد تأثير التطوّر الاقتصادي. ولا يزال ملايين الهنود محتجزين في دائرة الفقر الريفي. وبالرغم من هذا، تنمو الطبقة المتوسطة الهندية في المدن. وبالفعل لا توجد أية ثورة اقتصادية، تشارك أجزاء كبيرة من السكان فيها.
القضاء على الصناعة المكثّفة بالجهد يعني أيضاً تغيير حياة ملايين الناس. ولهذا لا يشكك حتى مؤيّدو النمو المرتكز على الخدمات في أمر أن الهند بحاجة ماسة إلى المزيد من فرص العمل في الصناعة.