الاقتصاد الروسي يعاني هروب الاستثمارات ومخاوف المستثمرين الأجانب

الاقتصاد الروسي يعاني هروب الاستثمارات ومخاوف المستثمرين الأجانب

الاقتصاد الروسي يعاني هروب الاستثمارات ومخاوف المستثمرين الأجانب

جاء اغتيال النائب الأول لمحافظ البنك المركزي الروسي أندريه كوزلوف في موسكو الخميس الماضي ضربة قاصمة لمحاولات موسكو تأكيد الهدوء وطمأنة الرساميل والمستثمرين الأجانب. ولا يشك الخبراء في أن عملية اغتيال أحد أهم رجال البنوك في روسيا مرتبطة بعمل هذا الخبير المالي الذي أعلن الحرب على البنوك الوهمية وعمليات تنظيف الأموال القذرة التي تبلغ مئات المليارات من الدولارات. واعتبر قطاع واسع من رجال البنوك والاقتصاد أن اغتيال كوزلوف لو حدث في حقبة التسعينيات من القرن الماضي لكان الأمر عاديا، إذ إن تحالف المافيا الروسية مع السلطة آنذاك كان يسمح بأكثر من ذلك. ولكن بعد وصول بوتين إلى السلطة عام 2000 وإعلانه الحرب على الفساد، وتجنيد الأجهزة الأمنية لحصار العمليات المالية القذرة التي دفعت بروسيا إلى أول قائمة دول "تدوير" المليارات السوداء من جميع دول العالم، بدأ الاقتصاد الروسي يخرج من دائرة الشبهات. ووصل الأمر بالسياسة الاقتصادية الخارجية الروسية إلى "التباهي" بمنظومتها البنكية، مطالبة في الوقت نفسه دول العالم والشركات الكبرى بضخ الاستثمارات إلى قطاع المال والأعمال في روسيا.
ولا يمكن أن نستثني الدعوات والمقترحات التي طرحها الساسة والاقتصاديون الروس تجاه دول الخليج لتحويل جزء من استثماراتها من الدول الغربية إلى روسيا. وعلى الرغم من عدم وجود علاقات بنكية مباشرة بين روسيا وأية دولة عربية، إلا أن خطوة تأسيس مجالس الأعمال المشتركة وإقامة صلات مباشرة بين الغرف التجارية كانت إجراء أوليا لتوضيح مواقف الطرفين في جميع المجالات الاقتصادية بما فيها الصلات البنكية والاستثمار.
وتولى أندريه كوزلوف منصب النائب الأول لمحافظ البنك المركزي الروسي المهمة الأكثر إثارة للمشاكل، ألا وهي المراقبة المصرفية حيث كان مسؤولا عن اتخاذ القرارات الخاصة بسحب التراخيص من المؤسسات المصرفية المخالفة للقوانين. وتميز كوزلوف دائما بولائه للإجراءات المتشددة بحق المخالفين. وكان البنك المركزي الروسي سحب خلال هذا العام فقط وبمبادرة من كوزلوف تراخيص أكثر من 50 بنكا. وهذا الإجراء تحديدا دفع المحققين إلى فرضي ضرورة البحث عن مدبري جريمة الاغتيال وسط أصحاب البنوك التي سحبت منها التراخيص، أو تلك التي تنتظر دورها في هذا المجال. ورجحوا الجزء الأخير من الفرضية. ويذكر أن كوزلوف تقدم في الفترة الأخيرة بعدة مبادرات، من بينها مبادرة تنص على منع أصحاب البنوك المتورطين في جرائم اقتصادية سواء كانت في مجال الضرائب أو متعلقة بعمليات غسيل الأموال القذرة من ممارسة المهنة مدى الحياة. وهو الأمر الذي لا يمكن أن تسمح به دوائر المافيا العاملة في الأوساط البنكية.

إعادة البناء
كان مصطلح "البيريسترويكا" (إعادة البناء)، الذي أطلقه الرئيس السوفياتي ميخائيل جورباتشوف عام 1986 مرفقا مع مصطلح آخر هو "جلاسنوست" (العلانية)، موجها بالتحديد إلى ما فسره جورباتشوف بأنه الفساد الذي استشرى في جسد الدولة بسبب الأمراض التي كانت قد تجزرت في رأسها-الحزب الشيوعي السوفياتى، ولكنه كان قد أطلق المارد من "القمقم" وانتهى الأمر. وجاء بوريس يلتسين أول رئيس لروسيا الاتحادية الجديدة التي استقلت عن الاتحاد السوفياتى. ووفقا لآراء غالبية المحيطين بيلتسين، كان هدفه الأول هو هدم كل ما تبقى من الإمبراطورية المتحللة كخطوة أولى لبناء روسيا جديدة. وكان أخطر ما بدأ به بوريس يلتسين وفريق الإصلاحيين الذي تربع على رأسه إيجور جيدار وأناتولى تشوبايس هو إهداء أكبر قدر ممكن من ممتلكات الدولة إلى عدة أشخاص ليشكلوا رأس "الرأسمالية" الروسية الجديدة، وأطلقوا على هذه العملية "التخصيص" التي تم من خلالها بيع ممتلكات الدولة في مزادات وهمية أسفرت خلال أشهر قليلة عن ظهور شريحة من الأثرياء ورجال المال والأعمال الذين تقدر ثرواتهم الفجائية بمليارات الدولارات.
وبدأ كل شيء بالرعيل الأول من "طواغيت المال" أو ما تطلق عليهم وسائل الإعلام الغربية "السبعة الكبار" وهم رجال الأعمال الذين أقاموا إمبراطوريتهم على أطلال الاقتصاد السوفياتي الذي كان قويا- نسبيا- في وقت سابق. ففي بداية التسعينيات من القرن العشرين كانت الحكومة تسعى لبيع كمية ضخمة من أصول الدولة التي أصبحت عبئا عليها. لكن لم يكن أحد في روسيا يملك الأموال الكافية لشراء هذه الأصول. ووضع فريق من الإصلاحيين الشبان بقيادة أناتولي تشوبايس خطة يتم عن طريقها منح كل مواطن روسي سندا يمثل نصيبه في الثروة القومية. ولم تكن هذه السندات تمثل أية قيمة لملايين الروس الفقراء الذين قاموا ببيعها بأسعار رخيصة للحصول على الأكل والشراب.

سندات رجال الأعمال
واشترى من أطلقوا على أنفسهم "رجال الأعمال" هذه السندات إلى أن تراكمت لديهم كميات هائلة استخدموها للحصول على ممتلكات للدولة في مزادات خاصة. وكانت تسوية المزادات تتم عن طريق تحديد سعر ثابت بشكل سري، أو وهمي، لكن حكومة يلتسين وفريق الإصلاحيين الشباب رأوا أنه شر أهون بكثير من الأعباء التي تتحملها ميزانية الدولة في دعم منشآت القطاع العام. وكان هناك بالطبع حديث على نطاق واسع عن الأيادي الخفية للبيروقراطيين الذين أشرفوا على الصفقات مقابل حصة معينة، أو رشا ضخمة. وكانت النتيجة سيطرة سبعة رجال أعمال على نحو نصف السندات المالية في روسيا. وكان من أوائل رجال الأعمال وأكثرهم ثراء بوريس بيريزوفسكي الذي بدأ في تكوين إمبراطورية أعماله بتوكيل ضمن من خلاله الانفراد بحقوق بيع سيارات لادا. وتميزت خطته في أن المصنع المملوك للدولة كان لا يزال ينتج سيارات لادا بتكلفة مدعومة في الوقت الذي كان يبيع فيه التوكيل هذه السيارات بأسعار السوق الباهظة وشجعه على ذلك زيادة الطلب. وقال بيريزوفسكي بنفسه في وقت لاحق إنه لم يكن هناك آنذاك رجل أعمال في روسيا لم ينتهك القانون مرة واحدة على الأقل. وكان الأغبياء فقط هم الذين يدفعون الضرائب في تلك الأيام. وفجأة ظهر بيريزوفسكي في الكرملين، وتولى منصب نائب سكرتير الأمن القومي الروسي، وهو أحد أخطر المناصب الأمنية في روسيا.

هندسة الكرملين
وشرع في هندسة سياسة الكرملين بشأن الشيشان، فيما راح من جانب آخر في الدخول في صفقات أسلحة مع المقاتلين، وبدأت دوائر محددة في الكرملين تشير إلى عزمه على "اللعب" في النفط الشيشاني. ودخل رجال الأعمال أيضا في حروب قاسية مع بعضهم البعض للحصول على النصيب الأكبر من الكعكة الحكومية. وتشكلت ائتلافات وتركت أخرى. واستطاع بيريزوفسكي أن يشق طريقه إلى عائلة الرئيس يلتسين وأصبح صديقا لابنته. وقدم بعد ذلك شريكه رامان أبراموفيتش إلى الكرملين. وكان أبراموفيتش الذي بدأت "سيرته الذاتية" تصبح مثالا للرجل العصامي، قد توفى والداه وهو في سن الرابعة وقام أقاربه بتربيته في بلدة بعيدة في شمال روسيا تاجر نفط ناجح بالفعل، هكذا تقول سيرته الذاتية الجديدة، على الرغم من أن الاتحاد السوفياتي لم يكن يضم مليارديرات بهذا الحجم. وأدت أول صفقة قام بها عام 1992- وبالذات في هذا العام، أي بعد سنة واحدة من هدم الاتحاد السوفياتي- إلى توجيه اتهامات جنائية له أسقطت في وقت لاحق. وذلك مثلما حدث ذلك مع الكثيرين من غيره وعلى رأسهم ألفريد كوخ أحد مهندسي التخصيص. ووحد بيريزوفسكي وأبراموفيتش جهودهما في الصراع من أجل شركة "سيبنفت" خامس أكبر شركة للنفط في روسيا. وعندما اتضح في عام 1996 أن الرئيس يلتسين في طريقه لخسارة السلطة في الانتخابات أمام الشيوعيين نحى مؤيدوه خلافاتهم جانبا وقاموا بتمويل حملة إعادة الانتخابات بينه وبين زعيم الحزب الشيوعي جينادي زيوجانوف مقابل إحكام قبضة طواغيت المال على الكرملين. وصور بيريزوفسكي نفسه على أنه صانع الملوك والرؤساء وهي الصورة التي حاول ترويجها أيضا مع بداية حكم بوتين، إلا أن الأخير أطاح به على وجه السرعة. وسرعان ما سقطت هذه المجموعة وتعين على بيريزوفسكي الهرب إلى بريطانيا. أما أبراموفيتش فلم يضطر بعد إلى ذلك على الرغم من أنه هدد ببيع ممتلكاته في روسيا والسفر إلى الخارج. فقد سعى إلى ترشيح نفسه-أثناء رضا الكرملين عنه بناء على الاتفاق المبرم بين رجال الأعمال والقيادة الروسية الجديدة بعدم التدخل في السياسة مقابل حرية الحركة-وفاز بمنصب حاكم تشوكوتكا وهو إقليم فقير لكنه "غني بالثروات المعدنية". وبالطبع كان لا بد أن يقوم أبراموفيتش بإنفاق أمواله الخاصة على الإقليم، أي بلغة الاقتصاد يستثمر أمواله في الإقليم الذي يحكمه، واكتساب رضا السكان على الأقل ليضمن فترات تالية ويتمكن بالتالي من الاستثمار الكامل لثروات تشوكوتكا. لكن اهتماماته في مجال الأعمال اتسعت بشكل أكبر من المتوقع له هو نفسه، لدرجة أن التشريعات الاقتصادية الروسية أصبحت ضيقة النطاق أمام حركة أمواله وأعماله. فقام بتوظيف أموال إمبراطوريته التي تقوم في الأساس على النفط والألومنيوم في مجالات ودول أخرى. ويؤكد الكثير من المصادر الروسية أن أبراموفيتش ليس أول رجل أعمال روسي ولن يكون الأخير الذي يقيم قاعدة له في الغرب وخصوصا لندن, إذ يستثمر ملياراته العديدة التي يملكها عن طريق شركة مسجلة في بريطانيا شأنه في ذلك شأن عدة رجال أعمال آخرين.

البيريسترويكا البوتينية
وبعد أكثر من 12 عاما بدأت المرحلة الثانية، التي يطلق عليها الخبراء حاليا الـ "بيريسترويكا الثانية" وهي موجهة ضد الرعيل الثاني من طواغيت المال الذين احتلوا أماكن الرعيل الأول الذي أحاط بيلتسين. ولكن المفاجأة أن النيابة العامة الروسية بقيادة النائب العام السابق فلاديمير أوستينوف سعت إلى الوصول إلى أقوى شخصية في روسيا وهو أناتولى تشوبايس أحد المهندسين الثلاثة للخصخصة، وصاحب اليد القوية، والعلاقات القوية بكرملين يلتسين وأسرته، والذي يشكل أحد أهم التوازنات التي تركها يلتسين كأحد شروط تولى بوتين السلطة في روسيا. وكان شريكاه في الخصخصة إيجور جيدار وألفريد كوخ. غير أن الأخيرين مشغولان في مجالات أخرى حاليا، وانصرف اهتمامهما إلى ممارسة تحديث روسيا بعيدا عن الصراعات الكبيرة التي تعرض أصحابها إلى ما تعرض له طواغيت المال. أما تشوبايش فقد شغل مناصب حكومية مهمة في مرحلة بوريس يلتسين، وكان أحد أقرب المقربين هو وبوريس بيريزوفسكي من أسرة يلتسين، حتى إن شائعات كثيرة ترددت عن إمكانية زواجه من إحدى بنات الرئيس الروسي السابق. وبمجرد تولي بوتين السلطة، قام بإزاحة الرعيل القديم من بيريزوفسكي وجوسينسكي وغيرهما، إلا أنه لم يستطع التخلص تماما من تركة يلتسين، فأبقى بعض الشخصيات في ديوان الكرملين ومجلس الوزراء، ونفى تشوبايس إلى شركة كهرباء عموم روسيا. ولعل هذا الموقع لا يقل خطورة عن موقع تشوبايس في أي من مناصب الدولة الكبرى. ولكنها كانت محاولة لإبعاده عن الكرملين والحكومة. إلى جانب ذلك حل محل الرعيل الأول من طواغيت المال جيل جديد من أمثال خودوركوفسكي وأبراموفيتش اللذين لا يختلفان كثيرا عن الأولين، إلا أن السلطة الجديدة في روسيا كان لابد لها أن تعمل على تدوير "طواغيت المال" بدلا من "تدوير النخبة السياسية والثقافية"، وهو الأمر الذي جعل الأمور تسير وفقا للسيناريو اليلتسيني القديم نفسه. وأسفر ذلك عن التخلص من خودوركوفسكي والقضاء على شركة (يوكوس)، وإفساح المجال أمام أبراموفيتش ليصبح الابن المدلل للسلطة في روسيا.
لقد أدت جميع المؤشرات آنذاك، وفقا لإجماع الكثيرين من خبراء المال والاقتصاد في روسيا، إلى إصرار النيابة العامة الروسية، ودوائر كثيرة في الكرملين إلى الوصول لأناتولي تشوبايس. وبالتالي بدأت منذ 2 تموز (يوليو) 2003 من إحكام قبضتها على كل الطرق المؤدية إليه، وذلك بفتح تحقيقات مع كبار مليارديرات روسيا المرتبطين بعلاقات معه. فبدأت بشركة "يوكوس" النفطية لصاحبها ميخائيل خودوركوفسكي، وألقت القبض على نائبه الأول بلاتون ليبيديف، ثم أعلن النائب العام الروسي مواصلة تحري أوضاع عملية الخصخصة بشأن مجموعة الأسهم الحكومية لشركة الطاقة في نوفيسيبيرسك. وقد لفت اهتمام النيابة العامة لهذه الشركة وقوع نسبة كبيرة من أسهم الدولة في أيدي بعض المؤسسات التجارية الخاصة التي يديرها نائب رئيس شركة كهرباء روسيا الموحدة ميخائيل أبيزوف، أي نائب أناتولي تشوبايس.
ووفقا لتقارير النيابة العامة، ففي عام 1997، في فترة الرئيس يلتسين، تم بيع 20% من أسهم شركة الطاقة في نوفيسيبيرسك "نوفيسيبيرسك إنيرجو" إلى مؤسستين خاصتين، غير أن الصفقة تمت في ظل مخالفات قانونية خطيرة، وعلى رأسها الأسعار. فقد تم بيع هذه النسبة من أسهم بمبلغ نصف مليون دولار، بينما كانت قيمتها الحقيقية تتجاوز 40 مليون دولار.
وفي ظل التوتر الذي سيطر آنذاك على سوق الاستثمارات الروسية أعلن النائب الأول لوزير الملكيات في روسيا ألكسندر برافيرمان أن الحكومة الروسية غير عازمة على إعادة النظر في عملية الخصخصة عموما، ولكنها سوف تتحرى بعض العمليات التي تمت. غير أنه كان من الواضح أن ما يجرى يشير إلى أن هناك دوائر معينة في الحكومة الروسية تدفع إلى إعادة النظر في ما جرى بشأن بيع ممتلكات الاتحاد السوفياتي، وهو الأمر الذي انعكس، كما رجح الخبراء الاقتصاديون، على جميع رجال الأعمال الروس الذين ظهروا بعد أشهر قليلة من بدء هذه العملية في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي. وهو أيضا ما أكده رئيس اتحاد الصناعيين ورجال الأعمال الروس أركادي فولسكي آنذاك في لقائه بالرئيس الروسي بوتين، إذ أكد أن ما يحدث يمكنه أن يدمر الاقتصاد الروسي، ويقلص عمليات الاستثمار الأجنبي.
أما رئيس الحكومة الروسي السابق ميخائيل كاسيانوف فقد أكد أن عملية الخصخصة لا رجعة فيها، وهى أحد أهم العناصر المكونة للسياسة الاقتصادية في روسيا. غير أنه تحدث بشكل فضفاض جدا عن حقيقية إعادة النظر في نتائج ما تم إجراؤه في هذا المجال طوال أكثر من عشر سنوات.
واعتبر الكثيرون أن ما جرى في روسيا آنذاك كان مجرد إنذار من الكرملين إلى طواغيت المال الذين بدأوا يتدخلوا في سياسة الدولة على غرار ما كان الرعيل الأول يفعل في عهد يلتسين. إلى جانب شكوك الكرملين في أن بعض رجال المال يمولون أحزاب المعارضة، ويقيمون تحالفات مع طواغيت المال الهاربين خارج روسيا، وبالذات مع بوريس بيريزوفسكي الذي يطالب بإسقاط حكم بوتين، وإعادة يلتسين إلى السلطة. أما الاتجاه الثاني، فكان يرى سببا آخر إلى جانب ما ذكر أعلاه، وهو محاولة رجال الأعمال الموالين للغرب توجيه النفط الروسي "الخام" نحو الغرب، ومحاولة إحلال النفط الروسي محل نفط الشرق الأوسط في أسواق الولايات المتحدة والدول الغربية.

روسيا والبدء من الصفر
لقد جاء اغتيال كوزلوف بعد جولة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التي زار خلالها جنوب إفريقيا والمغرب، وجر الحديث فيها عن صفقات اقتصادية كادت موسكو بدوائرها المالية والاقتصادية والبنكية تفقد صوابها من شدة النجاح. وكان الأمر الأكثر أهمية هو أن بنك التجارة الخارجية الروسي (فنيش تورج بنك) قام بعقد اتفاقيات مع بنوك في جنوب إفريقيا والمغرب، وهي الخطوة الأولى من نوعها بين روسيا ودولة أفريقية (جنوب إفريقيا) ودولة عربية (المغرب). بل ووصلت الأمور إلى أن بعض الدول العربية والغربية بدأت بإزاحة مخاوفها جانبا في المجالين البنكي والاستثماري وتوجهت نحو روسيا. غير أن مقتل النائب الأول لمحافظ البنك المركزي الروسي جاء بمثابة إشارة تحذير للمستثمرين الأجانب، وصفعة لجهود الكرملين في تحسين صورة الاقتصاد الروسي والمجال البنكي. ولا يستبعد الكثير من الخبراء الروس إمكانية توقف عجلة الاستثمارات من جهة، وعودة المخاوف إلى دوائر المال والأعمال الأجنبية من جهة أخرى في ضوء لوحة معتمة محتمل تشبه في الكثير من جوانبها روسيا التسعينيات من القرن الماضي. بل حتى إذا تمكنت السلطات الروسية من كشف أبعاد جريمة الاغتيال فلن يؤثر ذلك كثيرا في اللوحة العامة المحتملة، خاصة وأن إعفاء النائب العام السابق فلاديمير أوستينوف من منصبه جاء على خلفية مكافحة الفساد والجريمة المنظمة والإرهاب. لقد قام الكرملين باستبدال أوستينوف بيوري تشايكا، حيث تولى الأولى منصب وزير العدل، وجاء تشايكا (وزير العدل) ليحتل منصب المدعي العام في روسيا على خلفية تصريحات ساخنة حول تطوير وسائل مكافحة الفساد والدخول بالاقتصاد الروسي إلى طور جديد من الشفافية!

الأكثر قراءة