فرص العمل في الهند ليست للأجانب
لقد كان يوماً سيئاً بالنسبة للسيدة راجانا. كانت تجلس خلف طاولة مكتبها في ردهة استقبال القنصلية الهندية في سنغافورة عندما طلب إليها رجل أعمال ألماني معلومات عن الهجرة إلى الهند .قالت راجانا : " هل تعني، أنك تريد الإقامة هناك؟ مستحيل" الإجابة ببساطة:"عليك أن تعمل هناك خمسة أعوام على الأقل، قبل أن تتمكن من الحصول على ترخيص إقامة دائم" وعندما سأل عن كتيّب بهذا الشأن مثلاً أو موقع على الإنترنت قالت :" لا يوجد لدينا أي كتيبات، يمكنك أن تجد مواقع إنترنت على الشبكة، استخدم محرك بحث جوجل." تلقى الرجل الإجابة وشكرها و خرج.
وفي الحقيقة فإن الهند و على مدار عقود لم تجتذب سوى مقدمي مساعدات التنمية أو بعض العلماء، وفي فترة التسعينيات فتحت الدولة أبوابها على العالم. والآن توظّف الشركات الهندية عمالقة البرمجيات، مثل إنفوسيز و فيبرو و تي سي إل وعشرات الآلاف من خريجي الجامعات سنوياً. ومن المتوقع أن تجتذب صناعة البرمجيات الهندية حتى عام 2012 نحو 262 ألف شخص حسب تقديرات الرابطة الصناعية. أليس من المفروض أن يكون هذا أمراً مثيراً للأوروبيين؟ حتى الآن لا.
فمن المتعذر تحديد الهجرة السكانية إلى الهند، حيث يوجد بعض الأشخاص فقط الذين يقومون فعلاً بالهجرة. وهؤلاء أغلبهم من أولئك الذين لا تسنح لهم سوى فرص قليلة ومحدودة في أوروبا. ويقول ديرك ماتر مدير عام غرفة التجارة الألمانية الهندية في دوسيلدورف: "يوجد لدينا نحو عشرة أو اثني عشر طلبا في الشهر فقط، حيث أقام أحد الألمان مكتباً هندسياً له في نيودلهي وفتح آخر مدرسة غوص على جزيرة أندامنين".
ومن الوهم القول بأن مجموعات و شركات البرمجيات الهندية ستكون محل هجوم للعمل بها من قبل الأجانب. فماتر يقول "هؤلاء، الذين يريدون العمل في شركات تكنولوجيا المعلومات الهندية، في الحقيقة نحن لا ننصحهم بذلك. فبالكاد يمكن لألماني العمل والعيش في الهند مقابل 500 يورو في الشهر. فهم يحتاجون إلى تأمين صحي إضافي خاص على الأقل".
لكن بيرنارد شتاينروكيه المدير العام المسؤول في غرفة التجارة والصناعة الألمانية الهندية في بومباي يقول بعكس ذلك :" بالفعل هناك أعداد متزايدة من الألمان الذين يرغبون في الحصول على تدريب في الهند، فمن الواضح أن مواصفات العيش في الهند أمرٌ جيد، ولكن لا يزال عدد علاقات العمل الحقيقية و تأشيرات العمل قليلة"، و تعتزم مجموعة ساب تحقيق نحو 750 فرصة عمل جديدة في الهند حتى نهاية العام، وهي الحالة الوحيدة المسجّلة، حيث تسعى هذه المجموعة الألمانية أن تُوظّف طبقاً للشروط الهندية.
وتسمح شركات مثل ( إيفاليوسيرف) في جورجون، بتقديم فرص عمل للشباب الأجانب إلى سوق العمل مقابل مبالغ زهيدة من المال، حيث تستفيد الشركات، حسبما جاء عن تحليلات، ودراسات السوق، من القدرات اللغوية، والخبرات، والتي يجلبها خريجو الجامعات معهم. وحتى شركة، إنفوسيز وهي مجموعة الشركات الهندية الرائدة في مجال تكنولوجيا المعلومات تقدّم برامج للطلاب الأجانب. ولكن القاعدة تشير إلى عشر ساعات من العمل الجاد فقط خلال 21 يوماً من الإجازة.
وليس الفقر، والشروط الصحية فقط هي العوامل المؤثرة والمنفرة في هذا الشأن، بل إن تأثير الضرائب لا يمكن تجاهله حيث تبلغ قيمة الضريبة العليا نحو 30 في المائة، وهناك علامة استفهام فما يتبقى من المرتب لا يكاد دفع التأمين التقاعدي أو الإقامة الصحية في مستشفيات تلتزم بمعايير الأداء الصحي الغربية و حجز تذاكر طيران العودة للبلاد أو تناول طعام العشاء بين الحين و الآخر في مطاعم فاخرة.
في مقابل هذا فإن الأجور في قطاع تكنولوجيا المعلومات ترتفع بنحو 10 في المائة سنوياً. وحتى بالنسبة لأولئك الذين يبقون عقب فترة التدريب في الهند، فإن فرص التطوير جيدة، ويمكن توفر المهن سريعاً. لكن شتاينبروكيه يقول إن الشركات الألمانية تميل إلى توظيف القليل من المبعوثين في الخارج، وتفضل الأعداد المتاحة بصورة هائلة والمؤهلة من الهنود خاصةً لأسباب التكلفة" وحتى المبعوثون أنفسهم، مؤمّنون على نحوٍ جيّد عن طريق سلسلة من الخدمات الاجتماعية الألمانية، وبدل إيجار، وبدل هجرة، وبرغم هذا فإنهم يجدون الأمر صعباً لإرسالهم إلى الهند.
ولهذا تهيمن لدى مجموعة دايملر كرايزلر، في شتوتجارت، اليوم المخاوف بين الموظفين المؤهلين، من أن يتم نقلهم إلى منطقة بانجلور الآخذة في النمو بقوة.
ولا توجد معدلات دقيقة حول أعداد المهاجرين، حيث أن الألمان، الذين يُقيمون في الهند، ليسوا ملزمين بإبلاغ السفارة أو القنصلية. وتُعتبر العقبات أمام الهجرة بالغة الصعوبة، حيث يوجد أربعة أنواع من الفيزا؛ للطلاب، والمشاركين في المؤتمرات، والموظفين، والتجّار، إلى جانب فيزا السياحة، وبعض التأشيرات الخاصة. وتسري مدة الفيزا لمدة عام واحد، ولكن من المسموح الخروج والدخول أكثر من مرة. وهناك غموض عام، فأغلب التجّار يدخلون إلى الهند بفيزا سياحية وهي أرخص بكثير في أسواقها. ويقول المختصون، إنه على هذا النحو يتم تضليل إحصائيات السياحة الهندية على نحوٍ كبير. والعاملون، وهم في العادة مبعوثون من شركاتهم، يحتاجون إلى كتاب إثبات حول هذا الأمر. وتُعتبر العقبات أعلى مقابل التجنيس، أي الحصول على الجنسية الهندية، حيث يمكن لغير الهنود التقدم لها عن طريق الزواج، إذا ما كانوا يعيشون في الهند منذ ما يزيد على سبعة أعوام. ولكن دون الزواج، على المتقدّم أن يكون قد عاش ما يزيد على 12 عاماً في الهند.
ولا يواجه الأمريكيون مثلا نفس مخاوف الألمان بشأن التواصل مع الهنود. وهذا يعود إلى التقارب المتزايد حالياً ما بين الدولتين: حيث أعلنت مجموعة IBM في شهر حزيران (يونيو) بأنها ستعمل على مضاعفة استثماراتها في الهند في غضون الأعوام الثلاثة المقبلة إلى ستة مليارات دولار. وأعلنت مجموعتا مايكروسوفت، وإنتل، منذ بضعة أشهر، أنهما ستعملان على استثمار نحو 2.7 مليار دولار على دفعتين في شبه القارة الهندية. والآن تشغّل مجموعة IBM في الهند نحو 43 ألف موظف وأوراكل نحو عشرة آلاف إضافة إلي 800 ألف فرصة عمل متاحة للمبرمجين، والمحاسبين، والمحللين، واستشاريي الهاتف. وقد عملت الشركات الأمريكية على نقلهم العام الماضي إلى الهند. ولهذا عندما يتصل الموظفون يومياً مع زملائهم في الهند، وعندما يسافرون بأنفسهم إلى بومباي، وبانجلور، عندها تتلاشى المخاوف من التواصل مع الهنود.
ويدرس نحو 1157 أمريكيا في الوقت الحالي في الجامعات الهندية، ونحو 80.466 هنديا في جامعات الولايات المتحدة الأمريكية. وتتزايد أعدادهم نحو 10 في المائة سنوياً. و قد اجتذبت شركة إنفوسيز التي تمثل واجهة قطاع صناعة البرمجيات الهندي، أعداد نحو 126 خريج جامعة من 82 جامعة أمريكية إلى الهند.
ويستقطب ما يسمى إقليم البرمجيات في بانجلور ما يقدر بنحو 35 ألف هندي عائد من الولايات المتحدة الأمريكية وبعد رحلة كفاح على مدار أعوام طوال، يحصل هؤلاء الآن على المزيد من الحقوق بعد أن أدركت نيودلهي أخيراً حجم رأس المال الذي يمكن أن يقدّمه الهنود الأجانب الذين حولوا خلال عام 2005 وحده نحو 20 مليار دولار إلى الوطن. وخصصت الحكومة برنامج OCI (وتعني أي مواطني الهند ما وراء البحار) إلى المهاجرين الهنود في أنحاء العالم من أصحاب المؤهلات العالية، والذين يبلغ عددهم نحو 20 مليون فرد، هذا البرنامج والذي يسمح بخروج غير محدد، وكذلك التقديم لشراء العقارات والأراضي. ولكنه لا يسمح بالمشاركة في الانتخابات، والمهن السياسية في الوطن الأم.
وحتى الآن وبرغم المجتمع المفتوح نسبيا يبدو أن هناك صعوبة أمام الأجانب للتأقلم مع القواعد الاجتماعية الصارمة في الهند ، تلك البلاد الشاسعة مترامية الأطراف التي تتنوع فيها الثقافات و تتعدد اللغات و تتداخل الأصول وتختلط الجنسيات . ولكن كل هذا المزيج يتعايش معا ولا ينصهر معا وفق التعبير الذي استخدمه أشتوش فارشني الخبير السياسي في جامعة ميتشجان الأمريكية.