من الرياض إلى موسكو
من الرياض إلى موسكو
للوهلة الأولى يبدو أن موضوع البيئة وعلاقته بالنفط عاد إلى دائرة الاهتمام. ففي موسكو تصاعد الجدل بشأن الأخيرة وقف التراخيص الممنوحة للكونسورتيوم الذي تقوده مجموعة "رويال داتش شل" الخاص بمشروع سخالين 2، وذلك لمخالفة المشروع لبعض الإجراءات البيئية وتهديده صناعة الأسماك تحديدا. وفي الرياض تمت استضافة المؤتمر الدولي لآليات الطاقة النظيفة، وهو أحد مجالات تنفيذ اتفاق "كيوتو" من أجل تقليل الانبعاث الحراري.
ورغم أن حبرا كثيرا يراق في الدول الغربية حول الهموم البيئية وضرورة قيام الحكومات والشركات بالالتفات إلى هذه الناحية، إلا أنه يلاحظ أن رد الفعل على قرار موسكو كان في أغلبه احتجاجيا من قبل الشركات الأجنبية وحكوماتها الداعمة لها، سواء فيما يتعلق بجوانبه الإجرائية مثل عدم إخطار الشركات الداخلة في المشروع وبوقت كاف حتى تتمكن من ترتيب أمورها، أو في الجانب الأهم وهو سيادة القناعة أن روسيا اتخذت القرار ستارا لأجندة أخرى في حدها الأدنى تحسين الشروط التي ستدخل بها شركتها الوطنية "غازبروم" شريكا في المشروع، وفي حدها الأعلى إعادة تأكيد هيمنة وسيادة الدولة على الصناعة النفطية وإعطائها اليد العليا فيها بما في ذلك إعادة التفاوض على شروط حصول العديد من الشركات الأجنبية على بعض التراخيص في السابق تعطيها ميزة أو حصة كبرى على حساب الشركات الروسية.
وهذا نموذج على استغلال موضوع البيئة يؤكد ما ذهب إليه بعض المتحدثين في مؤتمر الرياض، وعلى رأسهم محمد باركندو القائم بأعمال الأمين العام لـ "أوبك"، الذي أشار إلى أن استثمارات الدول الغنية في تلك الفقيرة لمعاونتها على الحد من الانبعاثات الغازية إنما كانت في الغالب دون الطموح وتتخذ أسلوبا انتقائيا بما يخدم تلك الدول الغنية نفسها. كما أن موضوع البيئة وقضايا الاحتباس الحراري تحتاج إلى أن تأخذ في الاعتبار مصالح الدول النامية المنتجة للنفط، وألا تؤثر تلك القرارات في سعيها لتحسين وضعها الاقتصادي والتنموي، كما أوضح المهندس علي النعيمي وزير النفط السعودي، حيث إن العائدات النفطية تمثل فرصتها الكبيرة إن لم نقل الوحيدة للحصول على ما يقيم أودها ويوفر لها الفرصة لتحقيق شيء من النمو الاقتصادي.
على أن ما جرى في موسكو لا يقتصر فقط على عملية التشكيك في حقيقة البعد البيئي في القرار الروسي، وإنما هناك أسئلة أخرى على رأسها مدى إمكانية اعتماد الدول المستهلكة خاصة الآسيوية منها على الوعود التي ظل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يغدقها في المناسبات الدولية حول بروز بلاده مصدرا مأمونا للإمدادات. فالخطوة الأخيرة تأتي بعد ثمانية أشهر على النزاع الذي جرى مع أوكرانيا بسبب أسعار الغاز، ما أدى إلى خطوة روسية أخرى مفاجئة بوقف إمدادات الغاز الذي يمر جزء منه إلى أوروبا في عزّ زمهرير الشتاء، وهو ما أثار في حينها أيضا التساؤلات حول مدى إمكانية الوثوق بروسيا مصدرا مأمونا للإمدادات وعدم استغلالها لهذه الوضعية خدمة لأهداف وطنية على حساب المستهلكين.
التساؤلات التي أثارتها الشركات الأجنبية العاملة في مشروع سخالين 2 ومن ورائها حكوماتها حقيقية، وفي الوقت ذاته فإن التساؤلات التي تطرحها الدول النامية حول مدى التزام الدول الغربية ومعها شركاتها بالقرارات الدولية الخاصة بالبيئة وحمايتها حقيقية أيضا ولها صدقية يبرزها الواقع المعاش.
هذه الفجوة بين ما هو مطلوب وما هو جار فعلا هي التي تحتاج إلى تجاوز يردم الهوة. في الواقع العملي فإن المصالح تتقدم على الشعارات والمبادئ، لكن حتى هذه فإنها تبدو أحيانا وكأنها محكومة بصورة نمطية. والدليل على ذلك الحديث الذي يكاد يشكل ثوابت لدى الدول الغربية أن منطقة الشرق الأوسط، التي تملك الاحتياطيات الرئيسية المؤكدة للنفط في العالم، هي منطقة نزاع، وبالتالي فمن حسن السياسة تقليل الاعتماد عليها والتحول إلى بدائل أخرى في الطاقة. وحتى بالنسبة للنفط البحث عن خيارات أخرى برز على رأسها الخيار الإفريقي، كما أن روسيا عزفت على الوتر نفسه لتقدم نفسها أحد البدائل المأمونة.
تجارب السنوات القليلة الماضية أوضحت أنه مع وجود النفط فعلا بكميات يمكن أن تكون مؤثرة في القارة الإفريقية، إلا أن عدم الاستقرار السياسي والأمني هو السمة الغالبة لتلك المنطقة، ويكفي نموذج نيجيريا أكبر منتج للنفط في القارة، حيث تغيب نحو 900 ألف برميل يوميا منذ مطلع العام عن إنتاجها الكلي بسبب الاضطرابات الأمنية، وللدرجة التي تخطط فيها الولايات المتحدة إلى إقامة قيادة عسكرية خاصة بتلك المنطقة لحراسة خطوط إمدادات النفط.
دول المنطقة، وعلى رأسها السعودية، أثبتت المرة تلو الأخرى أنها شريك يعتمد عليه ليس فقط في توفير الإمدادات عند حدوث نقص، وإنما في القيام بالعبء الأكبر المتمثل في رفع الطاقة الإنتاجية والحفاظ بكل ما في ذلك من تبعات، الأمر الذي يعيد طرح السؤال عن حقيقة التغابي عن هذه الحقيقة أم أن اللوم يجب أن ينصب على القصور في توضيحها وإبرازها بما تستحق.
<p><a href="mailto:[email protected]">asidahmed@hotmail.com</a></p>