الصين اقتصاد مشتعل وتدخلات حساسة تسبب في خرقه
يتوقّع زو هونجبين مستقبلاً مزدهراً للصين: "إن دولتنا ستواصل تطورها، وبالتالي فإن فرص العمل لدينا مؤمنّة، وسنكسب المزيد من الأموال في كل عام"، هذا ما ورد عن الصيني البالغ 26 عاماً من العمر. وهو يعمل في شركة تعاونية مشتركه بين الأمريكان والصينيين. هذه الشركة التي تقوم بإنتاج المواد الصناعية أمام بوابة الإقليم الاقتصادي "شانجهاي". وطالما أن الأثاث، وقطع السيارات، والألياف العازلة، مطلوبة في الجمهورية الشعبية، فستبقى الأيدي العاملة التابعة لزو مطلوبة أيضاً. و إذا واصلت الصين هذه المسيرة، فإنها ستنمو أكثر. وهي بالفعل تنمو هذا العام بشكل أسرع من أي وقت مضى ، حيث بلغ حجم النمو في الربع الأول ، نحو 10.9 في المائة من إجمالي الناتج المحلي متجاوزا بذلك القيمة المقارنة للعام الماضي.كما ارتفع معدل النمو خلال الربع الثاني ليصل 11.3 في المائة. وحققت الصناعة الخاصة في الصين خلال النصف الأول من العام نحو 5.9 مليون فرصة عمل جديدة، أعلى بكثير من 2.6 مليون فرصة عمل جديدة، والتي توقعتها الديناصورات الحكومية من مجتمعات الشركات.
وبرغم أن الحكومة الصينية ملزمة، بأن توجد سنوياً الملايين من فرص العمل الجديدة فهي ترى أن سرعة النمو الاقتصادي عالية جداً. "نحن بحاجة إلى النمو عالي الجودة، ولكن تتميّز بعض قطاعات اقتصادنا بالتقدّم الملتهب على نحوٍ مفرط"، حسبما ورد عن زينج جينجبينج، متحدّث عن المكاتب القومية للإحصائيات. وعلى الجانب الآخر، فإن هذا الأمر الجدير بالملاحظة لا يمكن أن يفشل لرابع أكبر اقتصاد في العالم اليوم . ولكن من الممكن أن يُشكّل خطراً كبيراً على الاقتصاد العالمي إجمالاً، وخاصةً إذا ما اضطرّت الصين إلى العمل على خرق معدلات النمو بشكل حازم. "نحو 5 أو 6 في المائة من النمو في الصين، هذا بالتأكيد يعني أن الفقاعة انفجرت"، وحسبما ورد عن نوربيرت فالتر، خبير اقتصادي للبنك الألماني، فإنه يرى أن نسبة 11 في المائة كبيرة جداً، وكذلك 6 في المائة قليلة جداً، وعلى أية حال، فإنه لا توجد معدلات موثوقة في الصين.
"وتتضمّن الإجراءات تقليص حجم السيولة، والتدخلات الإدارية التقنية، بهدف العمل على تراجع الاستثمارات في السوق العقارية، وتعزيز الضوابط على المشاريع الاستثمارية، وكذلك على إعادة التقييم للمشاريع الكبيرة، وتقليص ضوابط تدفقات رأس المال"، حسبما ورد عن لويس كوجيس، خبير اقتصادي في البنك الدولي في بكين. ولكن يبقى ما يخلّفه ارتفاع سعر الفائدة من أقوى الآثار، حيث رفع البنك المركزي نهاية الأسبوع الماضي سعر الفائدة لقروض العام الواحد نحو 27 نقطة في المائة لتصل إلى 6.12 في المائة. وعلى خلاف نهاية شهر نيسان (أبريل) رفع البنك المركزي هذه المرة حوافز الادخار أيضاً: حيث ارتفع سعر الفائدة على الإيداعات المالية ذات العام الواحد نحو 27 نقطة في المائة إلى 2.52 في المائة.
ويتوقّع المحللون فعلياً، بأن رفع سعر الفائدة، وهو المهم بالنسبة للنظام، سيعمل على تعريض البنوك الحكومية الصينية للخطر، ويتهدد الصين في أن تسوء معدلات الميزانية، وزيادة في عدد القروض المتعذرّ استردادها. ولكن حتى هذا السيف يبدو أنه سيفقد من حدته: "مع قفزة الفائدة هذه، والبرهة المتزامنة معها لدى رفع سعر الفائدة في أمريكا، يبقى الآن مساحة أقل للعمل على رفع أسعار الفائدة في الصين أكثر. وإذا ما نما النشاط الاقتصادي بصورة قوية أكثر، فسيتطلب ذلك المزيد من التدخلات السياسية"، حسبما ورد عن مؤسسة ستاندارد آند بوورز.
وهذه التدخلات، التي حملتها الحكومة الصينية على عاتقها في الماضي، تتوجه في الغالب إلى بعض القطاعات المُختارة. وتتركز هذه المصلحة في العمل على الحد من المضاربات في سوق العقارات المدنية المتضخمة. ولهذا رفعت الحكومة الصينية في الوقت الراهن حجم رأس المال المطلوب لشراء شقة ثانية. وفي الوقت نفسه، علّقت ضريبة على رأس المال بنسبة 20 في المائة من حجم الأرباح لدى بيع العقار الثاني، وكذلك ضريبة مبيعات بنسبة 5.5 في المائة في حالة تم بيع الأملاك في غضون خمس سنوات عقب الاستحواذ عليها. وبالتالي، من المفترض أن يُنظر إلى الحرفيين على أنهم مضاربون. ولا يمكن جر الأجانب خارج هذا النطاق: حيث لا يمكن لهم أن يتقدّموا لشراء الممتلكات السكنية والعقارية، إلا إذا كانوا يعيشون في الصين لفترة تزيد على عام، ويستخدمونها بأنفسهم. وعلى مطوّري العقارات الأجانب في الوقت الراهن أن يحققوا 50 في المائة بدلاً من 30 في المائة حتى هذه اللحظة من الرأس المال الخاص للمشاريع الكبرى في أحد النطاقات، أي بما يزيد على عشرة ملايين دولار. وفي النهاية، تنوي الحكومة أن تدرس بالضبط، فيما إذا كانت هذه المشاريع الكبرى مجدية حقاً لحكومة بكين: حيث سيتم وضع معايير البيئة، واستخدام الأرض، وتوقعات الإيرادات، تحت العدسة المكبّرة.
وبهدف التأكيد على جديّة جهودها، طبّقت الحكومة مثالاً: والضحية الأولى كانت ثلاثة موظفين حكوميين في منغوليا الداخلية، والذين أرادوا بناء محطة لتوليد الطاقة مقابل 350 مليون دولار دون أخذ الموافقة الرسمية. وبرغم هذا، فإن الأمر غير محسوم بعد، إلى أي مدى ستمتد هذه البداية الحكيمة خارج العاصمة على باقي المقاطعات الصينية، حيث يستفيد باستمرار بعض التابعين للأحزاب في الأرياف من نسف المشاريع غير المجدية عن وجه الأرض.
وبكل أمل يعمل البنك المركزي على رفع متطلبات الاحتياطي للبنوك. وبالتالي لا يُتاح للبنوك مساحة كبيرة لمنح القروض، دون أن تحقق الفوائد المرتفعة قروضاً جديدة غير قابلة للسداد. ويحدد البنك العالمي الفرصة التي تملكها بكين اليوم: "أولاً، الإجراءات في تحفيز الاستهلاك المحلي، وفي تقليص معدلات الادخار المتزايدة، وفي تحسين كفاءة الاستثمارات. ثانياً، الإجراءات، والتي تجعل قطاع الخدمات الإنتاجية أكثر جاذبيةً من قطاع الإنتاج. وثالثاً، خطط إعادة الهيكلة المؤسساتية، والتي تشجّع أصحاب القرارات المحليين للعمل على تحقيق معادلة جديدة للاقتصاد". والأسلوب الأمثل من وجهة نظر الكثير من الساسة، وبعض الخبراء الاقتصاديين في الغرب، هو أن يؤدي رفع سعر الين، ليتدفق بأسرع شكل ممكن إلى التحويل الحر. ومن المفترض أن تعمل الصين على دفع إعادة الهيكلة النقدية، وكذلك الاستيراد، والاستثمارات في الخارج، لتتمكن من تسكين الأمل عن طريق رفع سعر الين، هذا ما نصح به، كيو إيكسياهو، مدير المكتب الإحصائي.
ويُعزى تردد حكومة بكين إلى سببين: من ناحية، يُتوقع منها أن تختار أساليبها الخاصة، ومن ناحية أخرى، فهي لا تثق بقوة القطاع الخاص. ومن الممكن ألا تكون العودة ممكنة لتحرير سعر الين. وبالتالي، يكون قد تخلى تكنوقراطيو الاقتصاد في بكين عن أحد أهم وسائل الريادة. ويهدد في الوقت ذاته ارتفاع سعر الين بإحداث ضرر على حجم التصدير، وبالتالي القضاء على فرص العمل اللازمة للسلام الاجتماعي في الصين.
وقدّر المحللون من مؤسسة ستاندارد آند بوورز، الأسبوع الماضي، أن النمو في حجم الناتج المحلي الإجمالي الصيني سيرتفع ببطء وسيسجّل هذا العام نحو 10.5 في المائة. ويتوقّع البنك العالمي، أن يرتفع حجم الناتج المحلي الإجمالي الصيني خلال عام 2006 نحو 10.4 ونحو 9.3 في المائة خلال العام المقبل. وإذا ما حافظ الاقتصاد على مسيرته على هذا النحو، فستؤثّر الصين على العالم مرة أخرى، ولكن هذه المرة عن طريق الهبوط المتأني للاقتصاد.