حكام اقتصاد العالم يناقشون تدارك وقوع أزمات مالية
حكام اقتصاد العالم يناقشون تدارك وقوع أزمات مالية
تناقش الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد، التي بدأت أمس في سنغافورة وضع آلية جديدة بعنوان "المشاورات المتعددة الأطراف"، لتدارك وقوع أزمات مثل تلك التي ضربت آسيا في نهاية الثمانينيات.
يأتي ذلك في وقت يزداد فيه الخلل المالي في العالم بسبب العجز الأمريكي الكبير الذي يموله بنسبة كبيرة الاحتياطي بالعملات الأجنبية في المصارف المركزية في الدول الناشئة.
كما سيقر الحكام الـ 184 في البنك الدولي خلال الاجتماعات الاستراتيجية الجديدة لمكافحة الفساد التي أطلقها رئيس المؤسسة بول ولفوويتز، ولكن مع تحفظات حول فكرته بتجميد مساعدة البنك الدولي إلى الدول التي تعاني من الفساد بحسب معايير المؤسسة.
وكان سيين لونج رئيس وزراء سنغافورة قد افتتح أمس الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي المخصصة لإطلاق عملية إصلاح داخلية واسعة لمنح مزيد من الأصوات للدول الناشئة. وعشية افتتاح الاجتماعات، صوتت الدول الأعضاء الـ 148 بغالبية كبيرة (90.6 في المائة) لصالح زيادة بسيطة لحقوق التصويت لأربع دول تعتبر غير ممثلة بشكل كاف في صندوق النقد الدولي هي: الصين، كوريا الجنوبية، المكسيك، وتركيا. وستستكمل هذه الزيادة البسيطة والجزئية لأصوات الدول الناشئة الأربع بمرحلة ثانية من إعادة توزيع للأصوات، حين تتفق الدول الأعضاء على صيغة جديدة لاحتساب الحصص لكل من أعضاء هذه المؤسسة المالية التي أسست عام 1945. وهذه الحصص أساسية لأنها تتعلق بحقوق التصويت والمساهمات في موازنة المؤسسة. ويبدو أن المناقشات ستكون حامية لأن الدول الأوروبية الصغيرة تخشى أن تتخلى عن بعض من نفوذها لصالح الدول الناشئة. وعلى سبيل المثال، تتمتع بلجيكا بأصوات أكثر من الهند بحسب توزيع الأصوات الحالي.
من جانب الدول النامية، حذرت أمريكا اللاتينية من أنها لن تدفع ثمن إعادة توزيع الأصوات لصالح العمالقة الاقتصادية الآسيوية.
من جهتها، تسعى إفريقيا إلى الاحتفاظ بالأصوات القليلة التي تتمتع بها داخل هاتين المؤسستين الماليتين الكبيرتين. حتى أن إفريقيا جنوب الصحراء تطالب بالحصول على ثلاثة أضعاف أصواتها حاليا.
وقال المدير العام للصندوق رودريجو راتو إن التغييرات المتوقعة "مهمة جدا لمستقبل مؤسستنا وستسمح بتحسين فعاليتنا وتضفي شرعية على جميع الإصلاحات الأخرى التي سنطبقها".
وكان راتو قد أقر في مطلع أيلول (سبتمبر) الحالي بأن زيادة حصص البلدان الأربعة "لن تصحح سوى ثلث حالات التمثيل الضعيف الكثيرة"، مشيرا إلى "دول أخرى كثيرة ممثلة بشكل غير كاف في الصندوق". وقال إن "الجميع يعرفون أن حقوق التصويت والحصص لا تتطابق مع واقع الاقتصاد العالمي". ويأمل راتو في إجراء هذا التصحيح على مرحلتين، تقضي الأولى بتصحيح آني للحالات الأكثر وضوحا، ثم إصلاح أوسع للدول التي ترى أنها غير ممثلة بشكل كاف. وقد تبنى الصندوق برنامجا على سنتين لإجراء هذا التصحيح الثاني الذي يشمل "برنامجا لإعادة تحديد الحصص للمستقبل" من أجل تحديد وزن كل دولة داخل المؤسسة طبقا لأهميتها الفعلية في الاقتصاد العالمي، بشكل آلي.
من جهته، اعتبر وزير المالية البريطاني جوردون براون أن عملية الإصلاح هذه هي "الأهم في صندوق النقد الدولي منذ 60 سنة". أما نظيره الفرنسي تييري بروتون فأشار إلى أن "الدول النامية والناشئة هي
المستفيدة المباشرة من عملية الإصلاح هذه، وهذا يبدو لنا عقلانيا للغاية"، وإن كانت "حصص أوروبا وفرنسا ستنخفض". وتعتبر باريس أن هذا الإصلاح سيسمح بالحفاظ على "مصداقية المؤسسة لدى جميع الدول الأعضاء فيها".
كما أعرب وزير المالية الألماني بيير شتاينبروك عن مخاوفه من أن تفقد الدول الأوروبية أهميتها في صندوق النقد الدولي. وطالب شتاينبروك أمس خلال جلسة لصندوق النقد والبنك الدوليين في سنغافورة بضرورة أن تحصل دول الاتحاد الأوروبي الأعضاء في الصندوق على المزيد من حقوق التصويت خلال عملية زيادة حقوق التصويت المنتظر تنفيذها في إطار الإصلاحات المخطط لها. وشدد الوزير الألماني في كلمته على ضرورة " الحفاظ على مبدأ التعامل على قدم المساواة وتقسيم الأعباء بشكل عادل بين جميع أعضاء صندوق النقد الدولي".
يشار إلى أن حقوق ألمانيا في التصويت تراجعت بشكل طفيف إلى 5.98 في المائة عقب رفع نصيب المكسيك والصين وكوريا الجنوبية وتركيا في حقوق التصويت. وكانت الحكومة الألمانية قد أيدت زيادة حقوق التصويت لهذه الدول بسبب تعاظم قوتهم الاقتصادية. وشدد شتاينبروك في الوقت نفسه على ضرورة أن يلعب الانفتاح في السوق المحلية دورا مهما إلى جانب إجمالي الناتج المحلي السنوي للدول عند حساب حقوق أو حصص التصويت للدول الأعضاء في صندوق النقد مستقبلا.
من جانبه، أكد رودريجو راتو رئيس صندوق النقد الدولي أمس أن النمو العالمي ربما اقترب من نقطة الذروة عقب تسجيله أقوى أداء في ثلاثة عقود مما يحتم إحياء المحادثات العالمية الرامية لفتح الأسواق لاستغلال مزايا التوسع التجاري. وحذر راتو في كلمته أمام 184 دولة عضوا في الصندوق في اجتماع في سنغافورة من أن أكبر التهديدات للنمو العالمي هو زيادة أخرى لأسعار النفط، الخلل في الموازين الاقتصادية العالمية، وتنامي اتجاهات الحماية التجارية. وقال راتو "ربما اقتربت دورة النمو العالمي من ذروتها". ولكنه أضاف أن النمو يتجه نحو مزيد من التوازن وأن الانتعاش في أوروبا واليابان، والأداء القوي في الصين والهند حد من تأثير التباطؤ في الولايات المتحدة. وتابع أن العالم تعايش مع أسعار النفط المرتفعة دون أي تأثيرات خطيرة ولكن قد تظهر مشاكل إذا استمر الضغط على الإمدادات. وقال محذرا من ارتفاع آخر لأسعار النفط "لم نتجاوز مرحلة الخطر بعد". ودعا راتو لتجديد الالتزام بالتعددية التجارية لمواجهة الخلل في الموازين الاقتصادية وحث الدول على استئناف جولة الدوحة من المحادثات التجارية. وتابع "بالنسبة للتجارة إما أن يتقدم العالم إلى الأمام نحو نمو أكبر وفرص أوسع أو يتقهقر صوب (توجهات) قومية ضيقة. لا ينبغي أن نخدع أنفسنا بأن هناك حلا وسطا مريحا."
وفي صعيد آخر، كشف مسؤول أوروبي أمس أن صندوق النقد الدولي سيوفد فريقا من الخبراء الاقتصاديين إلى لبنان في الأيام القليلة المقبلة لتفقد آثار الحرب في الوقت الذي تحشد فيه دول عربية وغربية الأموال والتأييد لبلد يعتبر ذا أهمية استراتيجية. وقال المسؤول "إنها بعثة لتقصي الحقائق."
ومن السابق لأوانه القول بما إذا كان هذا الوفد يمهد لبرنامج اقتصادي
يديره الصندوق بعد الحرب التي خاضها مقاتلو حزب الله وإسرائيل على مدار 34 يوما. وقال المسؤول - الذي طلب عدم الكشف عن هويته - إن لبنان سقط في براثن الكساد بسبب الحرب وحصار جوي وبحري استمر شهرين لكن نظامه الاقتصادي استقر. وأضاف "لم يحدث هروب كبير لرأس المال من البلاد".
يذكر أن لبنان حصل على تعهدات بمساعدات تزيد قيمتها على 900 مليون دولار لأنشطة إعادة البناء في الأجل القصير خلال مؤتمر عقد في ستوكهولم الشهر الماضي. وقال المسؤول إن السعودية أودعت أيضا مليار دولار في مصرف لبنان المركزي كما أودعت الكويت 500 مليون دولار.
وتابع "اللافت للنظر هو كيف أن دولا عربية أيضا ترى لبنان استراتيجيا
في المنطقة. وهذا يتجاوز حدود لبنان بكثير".