تحديات وسلوك شرائح المستهلكين يعوقان الاستراتيجية التسويقية
تعتبر الأسواق الناشئة مناطق جذابة للغاية للنشاطات العملية للشركات متعددة الجنسيات. غير أن أكبر الشركات على المستوى العالمي ذات المستويات المتقدمة من البحث والتطوير، والخبرات الأطول في العالم النامي، وجدت أن نتائج أفضل جهودها للوصول إلى مستهلكي الدول الأقل دخلاً، تهيم دون تحديد وجهة معينة.
وتعتبر العلامات التجارية الكبرى التي حققت نجاحاً كبيراً في الدول المتقدمة، باهظة الثمن. غير أن الأسعار الأدنى تعني أرباحاً أدنى، ومخاطر أشد في القضاء على أرباح العلامات التجارية ذات الأسعار الأكثر ارتفاعاً.
ويدرس كل من أستاذ التسويق المساعد، بيير شاندون، وعضو هيئة التدريس في انسياد، بيدروباشيكو جيوماريز، في هذه الحالة الدراسية أحدث خبرات أكبر شركتين عالميتين في مجال صناعة المنظفات، وهما يونيلـفر، وبروكتور أند جامبل، خلال محاولتهما تسويق مساحيق الغسيل إلى عشرات الملايين من المستهلكين الأكثر فقراً في البرازيل.
ويركز المؤلفان بصورة خاصة على مشروع يونيلـفر الطموح Everyman الذي نفذته في أواسط التسعينيات. وبدأ ذلك بدراسات ميدانية مكثفة لمعرفة جدوى دخول الشركة في الجانب الأدنى من السوق المحلية (الجانب الخاص بالمستهلكين الفقراء).
وكانت لدى الشركات المنافسة استراتيجيات مختلفة في السوق البرازيلية في ذلك الوقت. وحققت يونيلـفر نجاحاً حين حصلت على 81 في المائة من سوق مساحيق الغسيل، وأصبحت رائدة في مجال بضائع المستهلكين في السوق البرازيلية. أما شركة بروكتور أند جامبل، فكانت تحتل المرتبة الثانية بمسافة بعيدة عن الشركة الرائدة، حيث دخلت إلى السوق في مرحلة متأخرة للغاية . غير أن لها قسماً للبحث والتطوير يثير حسد الآخرين، كما أن خبرتها التسويقية العالمية واسعة للغاية. وكان من الواضح أنها تمثل تهديداً لوضع يونيلـفر على المدى الطويل.
ويعيد المؤلفان أمور تقدم الشركة الرائدة إلى خبرات رئيس قسم رعاية المنازل التابع لها في البرازيل، لارسيو كاردوسو، عضو الهيئة التدريسية في برنامج انسياد الإداري المتقدم. وأصبح هذا الرجل على قناعة متزايدة بأن السبيل الوحيد أمام هذه الشركة الرائدة لتحقيق تقدم جيد في البرازيل، هو الوصول إلى النهايات الدنيا من السوق، حيث يوجد المستهلكون الأشد فقراً. وكان قلقاً للغاية وهو يرى الشركة تفقد أسواقها لصالح العلامات التجارية المحلية الأدنى سعراً، في وضع مشابه للوضع الذي ساد الهند وباكستان اللتين انتقل منهما للتو. وواجه الرجل معارضة شديدة من عدد من زملائه الذين كانوا يرون في العلامات التجارية رفيعة المستوى التي تطرحها الشركة، سبباً رئيسياً في وضعها المحلي الذي تحسد عليه.
ويرصد المؤلفان كذلك تحديات التسويق الرئيسية التي سوف يطرحها دخول هذه الأسواق خلال فترة قريبة من الزمن. واستطاعت الشركة أن تدرك من خلال أشهر من معايشة تلك الطبقات الفقيرة أن توجهات وسلوك هذه الشريحة تختلف تماماً عن الشرائح التي اعتادت الشركة على التعامل معها.
وكانت الأمهات في هذه الطبقات الفقيرة تغسل الملابس يدوياً، وليس بالغسالات الآلية. وكن يستخدمن العصي، وألواح الصابون الجاف، ورشة خفيفة من المسحوق لإضفاء الرائحة الطيبة والبياض. وكانت عملية الغسيل بالنسبة إليهن مناسبة اجتماعية مميزة، حيث كن يتجمعهن ويتبادلن الأحاديث والإشاعات بالقرب من النهر مفتخرات بالجهد الذي يبذلنه في عملية الغسيل اليدوي. وعلى الرغم من أن الكثيرات منهن كن يمتلكن أجهزة تلفزيون، إلا أنهن لم يكن متعلمات. ومعنى ذلك أن من الصعب تغيير عاداتهن التقليدية الخاصة بالغسيل من خلال الإعلانات التجارية التي يستغرق الواحد منها 30 ثانية. وأدرك المسؤولون في الشركات المعنية أن صياغة الإعلانات الملائمة تعتبر من الأمور الدقيقة في الوقت الذي كانت فيه الأسر الفقيرة تشتري المنتجات الأرخص، سيئة النوعية. ومن المشاكل كذلك أن المستهلكين ذوي الدخل المتدني لم يكونوا يشترون إلا من محلات "MOM and POP" التي يصعب الوصول إليها من قبل الشركات التقليدية لمبيعات الجملة.
وهكذا بينت هذه التجربة التنافسية الشديدة في عام 2004 كيف يمكن للشركات أن تطوع أفضل استراتيجيات التسويق التي أعدتها لأسواق الدول الغنية، لتعمل بنجاح في بيئات مختلفة. وبينت الدراسة أن التسويق الموجه للمستهلكين من ذوي الدخل المتدني ليس شكلاً من أشكال الإحسان، وأنه يمكن أن يحقق أرباحاً جيدة، بشرط أن يتبع المرء القواعد التي يحددها هذان المؤلفان بكل دقة وتفصيل.