المعادن النفيسة على مفترق طرق
طفت على السطح منذ أسابيع أسعار المعادن النفيسة, غير أن هذه الحقيقة ليست سوى جزء من الواقع, أما الحقيقة الأخرى, وربما الأكثر أهمية, فهي أن هذه الأسعار تقف فنيا, في منحنى الرسم البياني، على شفير الهاوية. وربما كان معدن البالاديوم هو الاستثناء بين المعادن النفيسة التي يجري تبادلها في البورصات، حيث إنه يتحرك ببطء في اتجاه صاعد. وفي الوقت الراهن يشهد الذهب والفضة والبلاتين أيضا حالة من الانتعاش الخفيف، وإن كان الخبراء والمحللون يراقبون سلوك أسواق هذه المعادن بكثير من التوتر و الحذر.
وكحل لهذه الحالة ليس ثمة، من وجهة نظرهم، سوى تثبيت بعيد المدى سواء في ظل ارتفاع الأسعار أو في ظل تدنيها. ولمعرفة أي الكفتين هي الراجحة، يلجأ المحللون، من بين أشياء أخرى, للإحصاءات الرسمية لأسواق العقود الآجلة الأمريكية المتعلقة بالمعادن النفيسة, ليتأكدوا من أن المعادن النفيسة الأربعة التي يجري تبادلها في البورصات تحظى لدى المضاربين, منذ زمن بعيد, باهتمام كبير جدا. فوفقا للأوضاع التي كانت سائدة في 22 آب ( أغسطس ) حصل المضاربون على 52 في المائة من عروض البيع بالنسبة للبلاتين, و 40 في المائة بالنسبة للبالاديوم و 31 بالنسبة للذهب و26 بالنسبة للفضة. أما في السابق فقد بلغت أعلى النسب للمعادن المذكورة كما يلي على التوالي: 73، 60, 49 و 57 في المائة. ومن الواضح أنه كانت للبلاتين والبالاديوم أكبر الحصص بين جميع عقود البيع الآجلة بما في ذلك القهوة.
إن النظر للأسعار النافذة للمعادن النفيسة تقود للاستنتاج بأن أسواق هذه المعادن لا تزال الأسعار السائدة فيها مرتفعة، ولعل أكثرها ارتفاعا هو البلاتين، وأقلها هو الفضة. و من الضروري, في هذا السياق, الإشارة إلى أن ثمة احتمالا كبيرا لتبلور طلب كبير على المعادن النفيسة بفضل التزامات بالشراء من قبل المضاربين. ومن الجدير بالذكر أن طلبات الشراء في البورصات الآجلة يتم تنفيذها مقابل بيوعات، وليس من خلال توريد السلع ذات الوجود المادي الملموس.
إن تقييم الشروط الفنية ذات الصلة بالمعادن النفيسة هي على درجة كبيرة من الأهمية في المرحلة الراهنة، لأنه، من الناحية المبدئية، ليس ثمة عوامل خاصة تمارس تأثيرا على تكوين الأسعار. وهذا النقص يمكن أن يعتبر بشكل ما كواحد من العوامل التي تهدد، مع مرور الوقت, انطلاق القوى الشرائية الكامنة التي تستند إلى مضاربات على مستوى عال. فوفقا لتصورات المتعاملين لم يحدث أي تغير جوهري يذكر في الأوضاع السائدة منذ شهور فيما يتعلق بأسعار المعادن النفيسة في بورصات العقود الآجلة, كما أن المبادلات في الأسواق السلعية لا تتم لا بشكل محدود للغاية.
ومن ناحية مبدئية يعتبر معدن البلاتين، منذ وقت طويل، أكثر المعادن النفيسة استقرارا وثباتا. فمن الجدير بالذكر أن سلسلة من العجوزات السنوية في إنتاج هذا المعدن جعلت الاحتياطي المتوفر منه ينخفض إلى مستوى متدن جدا. ومن المعروف أن مجالات استخدام البلاتين تتركز بشكل خاص في إنتاج أجهزة الحد من انبعاث الغازات السامة وفي إنتاج الحلي. غير أنه أصبح من المؤكد أن ارتفاع أسعار البلاتين كان السبب، منذ عام 2005, في انخفاض طلب هذين القطاعين على البلاتين, حيث إن الصناع يضطرون نتيجة لذلك لاستخدام معدن البالاديوم الأرخص ثمنا, والمتوفر بغزارة. وتحتل روسيا المرتبة الأولى بين العدد القليل من الدول المنتجة للبالاديوم, بينما تعتبر جنوب إفريقيا أكبر منتج لمعدن البلاتين. ويعتقد بعض الخبراء أن من الممكن أن يحدث ثمة توازن بين الإنتاج والطلب على البلاتين عام 2007 لأول مرة منذ ما يقارب السنوات العشر. لكن البعض الآخر يعتبر أن ذلك ضرب من ضروب التفاؤل المبالغ به. أما بالنسبة للفضة فإن الرأي السائد في أوساط المختصين هو أن الأسعار المرتفعة للفضة كما للذهب أدت لبيوعات واسعة من هذين المعدنين ومن المواد والأدوات المصنوعة من الفضة بشكل خاص. وفي سياق مختلف يشار إلى أن الإنتاج من النحاس والرصاص والزنك قد تراجع أيضا بشكل واضح, ومن المعروف أن الفضة هي منتج ثانوي لهذه المعادن. ويشار أخيرا إلى أن من اللافت للنظر أيضا أن إنتاج الأشياء المصنوعة من الفضة الخالصة قد ازداد في هذه الأثناء.
وفيما يتعلق بسوق الذهب يقول المحللون إن سعره يجب أن ينخفض أكثر و بشكل واضح لكي ينتعش الطلب من جديد. وكثيرا ما يسمع المراقب للسوق أقوالا بأن الطلب على منتجات الصاغة يكثر في هذا الوقت من السنة الذي تقترب فيه أعياد الميلاد.
ولعل هذه الأقوال تثير الانطباع وكأن الناس يجب أن يشتروا لا لشيء إلا لكي يبيعوا ما اشتروه للصاغة من جديد بعد فترة وجيزة من الزمن وبأسعار أعلى بالطبع. وفي الواقع أن صناعة الحلي تغطي جزءا كبيرا من حاجتها من الذهب ضمن إطار عقود طويلة الأجل, ولا تلجأ للشراء من الأسواق الحرة إلا لتغطية حاجتها عندما يبلغ الطلب ذروته. أما أن تنشأ خلال الأسابيع القادمة مثل هذه الذروة, فهو أمر مشكوك فيه لأن الطلب على المصاغ الذهبي في حالة تراجع منذ 12 شهرا تقريبا لأن أسعار الذهب لا تزال نسبيا مرتفعة جدا.