وقفة أمام تجربة المرأة الكويتية في الانتخابات البرلمانية

<a href="mailto:[email protected]">Hatoon-alfassi@columnist.com</a>

خاضت الكويت الشهر الماضي انتخابات برلمانية تاريخية دخلت فيها المرأة للمرة الأولى منذ تأسيس مجلس الأمة عام 1961، ومنذ 44 عاماً وهي تناضل للحصول على حقوقها السياسية والاعتراف بأهليتها ومواطنتها حتى حصلت عليها في 16 أيار (مايو) 2005. وقد شهد يوم الخميس 29/6/2006 هذا الحدث بتوجه 340248 ناخباً منهم 194910 ناخبات، مرتفعاً من 120 ألفاً في عام 2003 مع دخول النساء وعدد كبير من الشباب الذين بلغوا سن الثامنة عشرة، إلى صناديق الاقتراع لدى 341 لجنة انتخابية لاختيار 50 عضواً للبرلمان الحادي عشر في تاريخ الكويت. ومن بين 249 مرشحاً منهم 28 امرأة (انسحبت واحدة بعد استجابتها للتهديدات التي تلقتها). وعلى الرغم من أن الرجل تقدم على المرأة أربعة عقود من التجربة والخبرة في مجال العمل السياسي والانتخابي، وعلى الرغم من اضطرارها لبدء التجربة وخوضها قبل شهرين فقط من الانتخابات وقبل انتهاء الدورة البرلمانية الأخيرة بعام بعد أن حُل البرلمان فجأة مع أزمة الدوائر الانتخابية والفساد، وقبل أن تكمل استعدادها، وعلى الرغم من فداحة التحديات التي كانت تقف أمامها إلا أنها لم تتردد في الدخول إلى معترك التجربة وتقدمت ثمان وعشرون امرأة للترشح في الدوائر الخمسة والعشرين الكويتية.
لقد كان من المستبعد فوز أي امرأة في هذه المرحلة، ولكن لم يكن هذا هو المهم، ما كان مهما هو تسجيل الحق وممارسته. المهم أن المرأة الكويتية بدأت تشعر ولأول مرة أن لها صوتاً ذا قيمة، وأن كيانها أيضاً ذا قيمة وبدأت تطبقه على أرض الواقع. لقد دخلت تجربة مريرة ليس فقط بمناطحة فطاحل السياسة، ولكن بمناطحة تحديات أكثر عمقاً وتعقيداً مما يتعرض له الرجل. كان هناك مجتمع بأكمله بتقاليد وعادات تعارض وجود المرأة في الفضاء العام، وخلط أوراق دينية بعرفية، وبتفوق ذكوري لم يعتد أن ينافسه الجنس الآخر، كان معتاداً على تفرده بالساحة يصول ويجول ولا تعنيه المرأة أو قضاياها من قريب أو بعيد.
منذ 16 أيار (مايو) 2005 أصبحت المرأة نداً للرجل يخشى على منصبه منها ومن منافستها، أو ربما لم يأخذها بعد مأخذ الجد، ولكن بدأ يحسب حساباً لصوتها الذي يهمه في حساباته المستقبلية، ومنذ ذاك لم يعد يرى فيها هذا العنصر الساذج المحصور في أنثويته وإمتاعه وقت الحاجة والإشارة، أصبحت إنساناً مستقلاً، لها إرادتها وكينونتها المدنية، أصبحت مهددة له في الفضاء العام منذ دخلت الدكتورة معصومة المبارك إلى مجلس الأمة كأول وزيرة كويتية (وزيرة التخطيط) في مجلس الوزراء في 12 حزيران (يونيو) 2005.

على الرغم من كل تحديات المجتمع والدين والوقت والتجربة والتاريخ والفضاءين العام والخاص، استطاعت النساء الثمان والعشرون أو فيما بعد السبع والعشرون، أن يحققن عدداً كبيراً من الأصوات نسبياً، فسجلت الدكتورة رولا دشتي أعلى نسبة من الأصوات بـ 1500 صوت في الدائرة العاشرة (العديلية)، وتلتها السيدة نبيلة العنجري بـ 1060 صوتا في الدائرة نفسها. وحققت الدكتورة فاطمة العبدلي في الدائرة الرابعة (الدعية) نسبة عالية أيضاًً. وكانت حملتهن الانتخابية، مع تفاوتها بين مرشحة وأخرى، إلا أنها متميزة في المواضيع الجديدة المطروحة والأساليب التي استخدمتها النساء في استقطاب الرأي العام. فقد تبنت إحدى المرشحات قضية أبناء المرأة الكويتية المتزوجة من البدون، وقامت الدكتورة فاطمة العبدلي باستخدام لغة الإشارة لأول مرة في حملتها الانتخابية، وزارت معظم المرشحات ديوانيات الرجال مما كان من التابوهات على النساء وعرضن برامجهن الانتخابية، وقامت اثنتان بالتحالف في دائرة قبلية شرسة (فاطمة وسلوى المطيري في الدائرة 20)، وغالبيتهن ركزن على قضايا إصلاحية شتى. وإن كان للنساء ممن كانت لهن تجربة في منظمات النفع العام أكثر تنظيماً وقوة وابتكاراً كالدكتورة فاطمة العبدلي والدكتورة رولا دشتي وسيدة الأعمال شيخة الغانم.
ولعل النساء الكويتيات سوف يستغرقن السنوات الأربع المقبلة في الإعداد لأنفسهن بشكل أكثر قوة وحرفية لخوض الانتخابات المقبلة، ولا شك أنهن تعلمن الكثير من هذه التجربة التي مهما طال الحديث عنها قبل حدوثها كانت في إطار الدرس النظري الذي لا يمكن أن يجعل المرشحات يدركن بالفعل أهمية تراكم العمل السياسي والتجربة والتحالفات والعمل الجماعي ومخاطبة الشعب وغير ذلك من المهارات الضرورية للوصول إلى قبة البرلمان. ولا شك أنهن بدأن بالفعل تقييم التجربة بسلبياتها وإيجابياتها ووضع خطة عمل للمستقبل، تتقدم فيه المصلحة العامة على المصالح الشخصية.
ومن موقع المراقبة التي يهمها ما يجري على الساحة الكويتية أرى أن كل تجربة متقدمة تجري في الخليج تحتاج منا إلى وقفة تأمل واستفادة وإبداء رأي لما يخدم العمل الجمعي. إنني أرى أن خطة الإعداد ينبغي أن تشتمل على تنسيق عمل بين المرشحات مهما كان عددهن واختلاف تياراتهن الفكرية، فمن تضييع الجهود أن تترشح ست نساء في دائرة واحدة صغيرة تمثل نفس الاتجاه، وهذا ما جرى في الدائرة العاشرة على سبيل المثال. وربما بإمكان المرشحات إجراء بعض التحالفات بين بعضهن البعض في الدائرة الواحدة بحيث تتنازل إحداهن للأخرى أو تدعمها بشكل قوي كما جرى في إحدى الدوائر، في حال كانت هناك منافسة رجالية كبيرة يُخشى من تشتيت الأصوات مقابلها.
هناك ضرورة كذلك للتدريب على كيفية الظهور في الإعلام بشكل مؤثر وقوي، هذا يتطلب تحضيرا للأفكار، تركيز في الحوار بحيث لا تتشتت المرشحة مع مداخلات الضيوف الآخرين وتعود إلى النقطة الأساسية التي ينبغي أن تتبناها وتجعل منها محور مداخلاتها، كمثال الفساد الذي لا يمكن للرجل إنكار أنه إنتاج ذكوري، بحيث يمكن للمرأة أن تركز على كون ترشحها وتمثيلها في مجلس الأمة سوف يكون لإعطاء الإصلاح فرصته بعيداً عن الممثلين المعهودين الذين لم ينجحوا في تخليص المجتمع أو البرلمان منه. وقد استخدم عدد من النساء هذه القضية ولكن ربما تحتاج إلى تطوير أكبر. ومن باب التحضير للمواجهة الإعلامية كذلك تحتاج المرشحات إلى دراسة كيفية تقديم أنفسهن سواء على مستوى طريقة اللبس المختار أو الزينة المستخدمة أو على مستوى ما يسمى لغة الجسد التي ينبغي أن تبتعد عن إرسال رسائل لا تخدم المرشحة، قد تفسر بالتعالي أو الغرور أو البعد عن الناس.
تحتاج المرشحة كذلك إلى إعداد نفسها معلوماتياً بظروف منطقتها واحتياجاتها الاجتماعية والاقتصادية، تحتاج إلى إعداد نفسها قانونياً بحيث تعرف كيفية وآلية عمل الانتخابات من جهة والبرلمان وقوانينه من جهة أخرى. تحتاج إلى إعداد نفسها تاريخياً لمعرفة تاريخ عمل مجلس الأمة والمعلومات الأساسية عن مسيرته وعن أعضائه وأهم القوانين التي نجح في إصدارها أو تعديلها وفي القضايا المختلفة والخلافية أيضاً التي دارت تحت قبته. ومن الناحية القانونية تحتاج كذلك لتلمس حاجات المرأة والمستضعفين ممن تريد أن تكون ممثلة لهم في المجلس، والقوانين التي يحتاج إليها المجتمع ليقرها مجلس الأمة مما يدخل ضمن برنامجها الانتخابي كذلك (وقد نجح عدد من المرشحات في استخدام هذه الورقة). وهناك فرصة ذهبية في أن تستفيد النساء من تجربة الرجال سواء على المستوى التقني أو التنظيمي أو المادي أو الدعائي. ولعل النساء بحاجة لأن يجهزن تحالفاتهن مع القوى الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع النسائي ليستقطبنهن ويضمنّ دعمهن المادي والمعنوي من خلال أعمالهن التجارية المختلفة أو الجمعيات الخيرية والنسائية، ومن الأفضل لو مدت النساء حملاتهن إلى الرجال ليتضمن برنامجها الانتخابي ما يهم ويصب في مصلحة المجتمع بأكمله وليس جنساً بحد ذاته (وهو ما قام به عدد من المرشحات المتقدمات).
من المهم كذلك في تشاور النساء المرشحات بين بعضهن البعض وضمن حملة تعاونهن التي ينبغي أن تنحو منحى مختلفاً عن العملية التنافسية القاتلة التي يستخدمها الرجال، بتقسيم البرامج بينهن مع الاتفاق على بعض القضايا المشتركة، ولكن مع تمييز كل واحدة منهن برنامجها بما يصب في صميم اختصاصها، كالاقتصاد أو البيئة أو الصحة أو التعليم .. إلخ. هناك ضرورة كذلك لأن توجه حملة لتوعية النساء المصوتات بدورهن وحقهن الانتخابي وقيمة أصواتهن التي ينبغي أن تمثل مصالحهن ولا تخدم مصالح من عارضوا أن يكون لهن أصوات وقيمة معنوية وسياسية تاريخياً، وتوعية بكيفية ممارسة حقوقهن السياسية وضمانها من مرشحاتهن بعد الفوز. وقد أحسن عدد من المرشحات تلمس الحاجات التي غالباً ما تغيب عن ناظري الرجل المرشح، مثل حاجات الشابات والشباب بصفة عامة، والفئات الخاصة، الفئات المظلومة اقتصادياً أو سياسياً كفئة البدون، وغير ذلك من القضايا، ولعل من المهم التركيز على هذا النوع من المواضيع التي تميز النظرة النسائية عن الرجالية. ومن الضروري في هذه المرحلة التحضيرية للدورة المقبلة التركيز على التشريعات الدستورية الداعمة للمرأة في مواجهة التمييز ضدهن فلا يكفي إعطاؤهن حقوقهن دستوريا وإنما هن بحاجة لتمييز إيجابي مؤقت بتخصيص عدد من المقاعد للنساء (الكوتا) إلى أن تزول عقدة المجتمع تجاه النساء بتجربتهن كما حدث في الدول التي طبقته مثل مصر.

وتهاني أخيراً للمرأة الكويتية بهذا الإنجاز.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي