رحلة ارتقاء سلم الثروة حتى عتبة المليار
فرسان بريطانيا في هذه الأيام ليسوا مضطرين إلى إثبات شجاعتهم على أرض المعركة بل يكفيهم تأسيس وإدارة شركات ناجحة والتلاعب بالمليارات ليحصلوا على اللقب الرفيع. ففي تقليد ترعاه ملكة بريطانيا مرتين سنويا تقلد أوسمة الفرسان لنحو 1000 رجل وامرأة من قدّموا خدمات جلية للمملكة المتحدة ومعظم هؤلاء يكونون من رجال الأعمال الناجحين. وهكذا يتم تشريفهم بأوسمة الفرسان وتتم تسميتهم بألقاب سامية في أولى درجات طبقة النبلاء.
وعندما سمع ( ستيليوس هاجي أونو) عن ترشيحه لنيل رتبة فارس ردّ بتواضع وقال :"لست متأكداً إن كنت استحق بالفعل مثل هذا التشريف، ففي العادة يجب أن يكون المرء قد حقق إنجازا مميّزا لنيل هذا الشرف " . ولكن في الحقيقة فإن أفضل من يمكن أن تنطبق عليه هذه المواصفات هو (ستيليوس) ، فهو مؤسس الخطوط الجوية الخاصة (إيزي جت) ويُعد واحداً من أثرى مائة بريطاني حيث تصل ثروته إلى نحو مليار يورو.
ورغم هذا فإن ستيليوس لا يركب السيارات الفارهة ، بل سيارة صغيرة برتقالية اللون ويجعل إعلاناته على طول جسم الطائرة باللون البرتقالي لشركة الطيران خاصته.
لقد بدأ ستيليوس والذي ولد في جزيرة قبرص نشاط شركته وخطوط الطيران الزهيدة قبل نحو 11 عاماً في اليونان بطائرتين مستأجرتين وقرض بقيمة خمسة ملايين جنيه استرليني من والده. وعندما طرح ستيليوس فكرته رفض ريتشارد برانسون رجل الأعمال الثري وصاحب ورئيس شركة فيرجين للنقل والطيران مشاركته وحكم على الفكرة بالفشل, لكن المنافسة في السوق أصقلت ستيليوس وأكسبته ما هو أفضل. ففي العام الماضي وحده نقلت خطوط إيزي جت نحو 30 مليون راكب إلى 67 مطارا. وتطوّرت حول علامة (إيزي ) مجموعة من الشركات تتشعب نشاطاتها من الحافلات إلى سفن رحلات الترفيه والفنادق ومطاعم البيتزا، ومقاهي الإنترنت بل وحتى ساعات اليد.
ولم يكن اتساع مجموعة إيزي سهلاً بأي شكل من الأشكال، حيث أوشكت مقاهي الإنترنت على الإفلاس. وكان على دار السينما الوحيدة أن تغلق، لأنه لم يكن بإمكانها أن تدفع الأجور مجدداً. وخاب أمل شركة إيزي للحافلات، والتي تستخدم حافلات ما بين لندن، ومطار لوتون في العاصمة البريطانية لندن لدى محاولتها بيع مستلزمات الحمامات الرجالية تحت اسم ( إيزي فور من). ولكن بدا من ذلك على الأقل أن ثروة الأفكار لدى رجل سلسلة الأعمال ليس لها حدود.
ويقدم ستيليوس نفسه على أنه يقتحم قواعد السوق ويستخدم أساليب غير تقليدية وغير متوافقة مع القواعد المقررة. فعندما بدأت خطوط الطيران البريطانية بريتيش إيروايز خطها الجوي (جو) إلى روما حجز ستيليوس وموظفوه مقاعد لهم على الرحلة الأولى وجلسوا مرتدين البزات البرتقالية في المقاعد الخلفية في الطائرة وأجروا لقاءات مع الركاب ووزعوا تذاكر رحلات سفر مجانية لخطوط ( إيزي جت). ورافق الإطلاق التجاري لسفن (إيزي كروز) فريق من قناة البث التلفزيونية، والتي قامت بعرض تسع حلقات تلفزيونية حول حياة تلك السفن الفعلية.
ومع كل هذا فإن ستيليوس صاحب الـ 39 عاما يرفض مظاهر البهرجة الزائدة التي تتنافى مع طبعه الخجول. وإذا ما طُلب منه إعطاء وصفة للنجاح أجاب قائلاً: "إنني ثري من أب ثري ومن جد ثري". ويطلق البريطانيون على ستيليوس اسم ريتشارد برانسون الصغير والذي حصل هو الآخر على لقب فارس . ولكن نادرا ما ينادي بهذا اللقب، فألقاب برانسون الأكثر شهرة وتداولا هي: (المغامر) أو عفريت كل أنواع التجارة) أو (المُصاب بجنون العظمة) وفي الحقيقة لا بد من القول إنه كلما ظهر ريتشارد برانسون أمام العامة، بدا وكأنه نجم غنائي كبير رغم تقدّمه في السن حيث يبلغ عمره حاليا نحو 55 عاماً.
ويحتل برانسون المرتبة رقم تسعة في قائمة أثرى الأثرياء التي نشرتها صحيفة صنداي تايمز البريطانية التي قدرت حجم ثروته بنحو 4.5 مليار جنيه إسترليني. وهو لا يُعد ملهما لستيليوس فقط ولكن لجيل بأكمله من رجال الأعمال. وتثير طريقته ونمطه في الحياة أحاسيس بالحسد والإعجاب معا فبرانسون يمتلك جزيرة في الكاريبي، وبيتين كقصور الأحلام في كل من أوكسفورد ولندن. ويتشعب نشاط مجموعة شركاته التي تتألف من نحو 200 شركة في عدة مجالات تشمل خطوط طيران، وشركة قطارات، ونواد صحة بدنية وشركة تزويد بطاقات الائتمان، ومطاعم. ولا يحتل برانسون العناوين الرئيسية كونه رجل أعمال فقط، ولكن كونه مغامرا، حيث طار بالمنطاد فوق المحيط الهادئ، وقطع القنال الإنجليزي عن طريق مركبة برمائية. وأثرت عبقريته في الترويج للذات في الرئيس الكوبي فيدل كاسترو الذي أطلق عليه لقب (الثوري الحقيقي) وذلك عندما حلّق برانسون بمنطاده فوق كوبا، وقبّل الأرض، ودعا كاسترو إلى حفلة هناك.
أنهى برانسون دراسته في سن 16 عاما واندفع نحو سوق الموسيقى من خلال تأسيس شركة ( فيرجين) حيث أتاح له العقد مع الموسيقى (مايك أولدفيلد ) الذي لم يكن يتمتع بالشهرة آنذاك في عام 1973 لشركة فيرجين حديثة النشأة تقدّما مفاجئا في السوق . ولم تمض عشر سنوات حتى كان برانسون قد أسس شركة طيران (فيرجين أتلانتيك) وتبعها تأسيس مئات الشركات وأقسام المبيعات. وفي عام 1992 باع شركة الموسيقى بنحو مليار دولار (800 مليون يورو). وينوي برانسون أنه لا حدود لتطلعاته حيث تقوم شركته الحديثة للفضاء ( فيرجين جاليستيك) بنقل السيّاح في رحلات إلى الفضاء الخارجي مقابل 200 ألف دولار.
ورغم كل هذا فإن برانسون لديه الكثير من الإخفاقات في شركات عليه أن يدعمها ، حيث بقي معدل تشغيل الطيران الزهيد (فيرجين إكسبريس) بعيدا عن التوقعات وكذلك (فيرجين كولا).و حتى النشاطات المالية لم تكن في صفه حيث فشل تسجيل مجموعة فيرجين في البورصة عام 1998. وفي معركة حصص السوق، اعتمد برانسون مثل ستيليوس على الإعلام ، فقد تمكّن دوماًَ من جذب الانتباه إليه واستغلال هذا في تحقيق أهداف تجارية، حتى ولو بأساليب مبتكرة وغير مباشرة. وهذا ما حدث في العام الماضي، عندما عبر هو وصديقه وشريك أعماله ستيف فوسيت الأطلنطي بالمنطاد ودار في رحلة حول الأرض دون توقّف.
وإذا كان هذا ما قام به برانسون فإن العبقرية في ترويج الذات تدفع بألان شوجار إلى السير على حد الكمال أيضاً, ولكن هذه المرة ليس عن طريق أفكار جنونية ولكن عن طريق إطلالته الرفيعة للرجل الوسيم، والذي يتحدّث بطريقة واضحة جلية غير مزخرفة. ويبدو لقب ( فارس ) متناسبا تماما مع شخصية هذا المليونير ذي الشعر الرمادي والذي لا يظهر أبدا في الصور إلا مرتديا البدلات يدوية الُحياكة ورابطة العنق ويُفضّل أن تُلتقط له الصور وهو داخل طائرته الخاصة. ويوجد على لوحة أرقام سيارته من ماركة( رولز رويس ) الفاخرة الحروف الأولى من اسمه AMS1 .
تربى شوجار في شرق لندن. وهو الطفل الرابع في أسرة فقيرة وهو ما اضطره إلى إنهاء دراسته في سن السادسة عشرة ليبدأ رحلته في بيع الهوائيات. ولم تمض خمس سنوات حتى أسس شركة ( أمستراد ) المتخصصة في بيع أجهزة الكمبيوتر زهيدة الثمن ومنذ دخول شركته إلى البورصة عام 1980 عاشت الكثير من الهبوط والصعود. وحاول شوجار بيع الشركة أكثر من مرة، ولكن دون جدوى. ولم تصبح أمستراد من مجموعات الشركات العالمية، والتي حلم بها رجل الأعمال الذي صنع نفسه بنفسه مرة واحدة. وتركّز سوقه في الوقت الراهن على أجهزة الاستقبال للتلفزيونات الرقمية، وكاميرات الفيديو، وتكنولوجيا الاتصالات. كما يُدير شوجار إلى جانب أمستراد شركة أمسير إيكزيكتيف أفييشن للطائرات. وتُقدّر ثروة شوجار بنحو 700 مليون جنيه استرليني (1.04 مليار يورو). ويتمسّك شوجار بحكمته الشائعة حيال إدارة الأعمال، بأن الظرفاء لا يمكنهم التقدّم في الحياة التجارية، قائلاً: "ليس بوسعي القيام بشيء حيال كوني خشناً بعض الشيء. وهذا لابد منه لكوني عشت طفولتي في أقصى الشرق"، وما ساعده في الحصول على لقب الفارس، ليس كون شوجار يقدم خدمات اجتماعية فقط، ولكنه ينفق بسخاء على حزب العمال الحاكم برغم أنه وصل إلى الثروة عن طريق حكومة المحافظين.
فيليب جرين هو أحد أصدقاء شوجار الفرسان وهناك الكثير من الأمور المشتركة بينهما، ولكن ليس لديه التحفّظ الارستقراطي ذاته. وجرين هو ثاني أكبر تاجر لبيع التجزئة في بريطانيا حيث يملك نحو 10 في المائة من حصص السوق، ويحتل المرتبة الثانية بعد سلسلة (مارك آند سبنسر) التي حاول الاستحواذ عليها قبل عامين بلا جدوى. ويعرف عنه أسلوبه الفظ وكلماته الخشنة ولا سيما مع الصحافيين وقال لأحدهم يوما :" لقد مزّقت مقالك السخيف ووضعته تحت قطتي، حيث يجدر به أن يكون".
جرين هو ابن لسمسار عقارات وترك المدرسة دون شهادة تخرج. وحاول لاحقاً أن يكون مستورداً للأحذية في لندن. ومن ثم باع سلع المصممين بأسعار زهيدة. وعندما بلغ 30 عاماً من العمر، اشترى سلسلة تجارة الجينز المتهالكة، وعمل على إعادة تطويرها، وعاود بيعها لأحد المنافسين عندما بدأت تحقق أرباحاً عالية. ووفقاً لهذا النموذج، حقق إمبراطورية تجارية خاصته.
وفعلياً يحقق جرين ملياراته داخل بريطانيا ولكنه لا يكاد يلتزم بدفع الضرائب مقابل هذا. فهو يتهرب من ذلك بالقول إن المال لا يعود له بل لزوجته تينا التي تعيش فعلياً في إمارة موناكو التي توصف بأنها الملاذ الآمن من الضرائب . ولا يُعد سلوك جرين في التهرب من الضرائب سلوكا فرديا بل إن ستيليوس يعيش هو الآخر في جواره في موناكو, بينما يُدير برانسون إمبراطورية شركاته عن بعد من أمام سواحل الكاريبي.
وما زال الطريق طويلا أمام هؤلاء الرجال من أصحاب الملايين المتهربين من الضرائب ليكونوا مواطنين مخلصين حتى ولو انحنوا أمام تقلدهم لقب فارس.