شركة سيارات عملاقة على مشارف بداية جديدة .. "فورد" دون فورد

شركة سيارات عملاقة على مشارف بداية جديدة .. "فورد" دون فورد

شركة سيارات عملاقة على مشارف بداية جديدة .. "فورد" دون فورد

وأخيراً بدت ملامح الارتياح تأخذ طريقها على ملامح وجه بل فورد بعد أن غابت عن وجهه خلال فترة توليه الرئاسة التنفيذية لمجموعة فورد الأمريكية العملاقة لتصنيع السيارات. الارتياح ظهر على وجه فورد خلال المؤتمر الصحافي الذي أعلن فيه تنحيه عن تولي مهام المدير التنفيذي للمجموعة مع احتفاظه بمنصبه رئيسا لمجلس الإدارة، بل إن بل فورد لم يبد امتعاضا حتى لأن ألان مولالي خليفته في المنصب التنفيذي كان يقود سيارة فارهة من إنتاج شركة السيارات اليابانية المنافسة تويوتا.
وصاحب تعيين مولالي ضجة إعلامية واضحة، فقد سبق و أن طرح بل فورد نفسه عدة أسماء لتكون خلفا له في منصبه في قيادة شركة فورد ومن بين هذه الأسماء كان اسم كارلوس غصن من اتحاد شركتي رينو ونيسان ولكن فجأة ظهر ألان مولالي من وراء الستار قادما من شركة بوينج ليرتدي سترة النجوم ويتولي مهام المدير التنفيذي لشركة فورد العملاقة ولم يكن هذا سوى جزء صغير من القصّة المتقلّبة لفورد، فاليوم تكاد لا تذكر الأيام المشرقة من تاريخ فورد العريق بعد أن ولى إلي غير رجعة الزمن الذي كانت فيه الشركة تحتكر ما يتجاوز نصف عدد السيارات الموجودة في العالم. كانت هذه فترة منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، فترة ترويج موديل السيارة الأسطورية ( تي جينز) حيث تأسست شهرة الشركة حول العالم حين كان يتولي هنري فورد رئاستها.
ومنذ ذلك الحين، عاشت "فورد" وعايشت الكثير من الأزمات والمحن، وأغلب هذه الأزمات تمثل في عمليات الإحلال في مناصب الإدارة العليا ومنها على سبيل المثال ما جرى قبل خمس سنوات حينما احتلّ بل فورد نفسه القمة الرئاسية في المجموعة ليحل محل جاك ناصر ليصبح أول فرد من أسرة فورد يتولي الإدارة التنفيذية في الشركة بعد أكثر من 20 عاماً. وها هي الشركة تبتدع تقليدا جديدا بتعيين أحد الغرباء عن قطاع السيارات ليتولى قيادتها.
لقد جاء انسحاب بل فورد متأخراً، فقد غاب النجاح الذي حققه في البداية عن الذاكرة منذ فترة، حيث أبدى فورد تجاه مشروع الإصلاح الكثير من الإصرار والثبات، أكثر مما توقّعه البعض، وبدت الأمور تشير إلى تحسّن عقب خسائر بالمليارات مع بداية القرن الجديد.
إلا أن الأوضاع تأزّمت من جديد خلال الأعوام الماضية، وتزايدت حالات الفشل للإدارة العامة: حيث خسرت "فورد" في أمريكا بصورة مستمرة، ففي غضون عشرة أعوام انخفضت منتجات الشركة من 25 في المائة لتسجل انحدارا تاريخيا لا سابق له بلغ 17 في المائة. ولم تعد تصل "فورد" بسياراتها إلى المستهلك الأمريكي أكثر. ولم يكن يوجد خلال فترة إدارة بل فورد سوى طراز جديد واحد ناجح، وهو التشكيل الجديد للسيارة الرياضية (موستانج). وإلى جانب هذا الطراز، فقد طرحت "فورد" عاماً تلو الآخر، مستجدات على الأسواق تفتقد الإلهام، تلك التي لم يكن بإمكان الشركة التخلّص منها سوى عن طريق الخصومات الرهيبة عليها.
وبدت القدرة على تغطية هذا العجز حتى فترة من الوقت عن طريق السوق التقليدية لدى "فورد"، والتي تتألف من السيارات الكبيرة المحققة للأرباح، مثل سيارات الدفع الرباعي الرياضية وسيارات النقل. ولكن حتى في هذه السوق ساءت الأوضاع سريعاً فقد تفشّى ضعف "فورد" إلى باقي القطاعات ويمكن القول إن هذه السوق أصابها الفتور حيث بات المواطن الأمريكي يُفضّل شراء السيارات الصغيرة التي لا تستهلك الكثير من البنزين. وبالطبع هذا هو النظام النموذجي لدى الشركات اليابانية المصنّعة للسيارات، مثل تويوتا. والنتيجة: انهيار "فورد" إلى هاوية الخسائر في سوق السيارات.
ولم يكن بل فورد رئيس مجلس الإدارة مقنعاً قط فهو يوحي دوماً بالانطباع بأنه لا يفي إلا بما يُرضي التزاماته تجاه العائلة فقط. وبالرغم من هذا فهو محبوب في الشركة، ولكنه يمكن أن يكون كل شيء إلا الشخصية الريادية المفعمة بالنشاط. وفي النهاية فإن ميزانه التجاري موحش: تآكل في حصص السوق، وخسائر باهظة، وغياب المواصلة في الإدارة.
ويمكن للمرء أن يتهم بل فورد اليوم، بأنه لم يكن يملك القدرة بنفسه أصلاً، لإنقاذ "فورد" من الأزمة. ولكن على المرء أن يذعن له، بأنه كان مستعداً لخطوات قاسية دون الإصابة بالغرور القاتل. وهذا ما يُؤكّد عليه انسحابه. وإلى جانب هذا فقد أعلنت "فورد" عن المزيد من الحيثيات، التي من المفترض أن تتجاوز مشروع إعادة الهيكلة الذي تم الإعلان عنه في كانون الثاني (يناير). وتأخذ فورد بيع مجموعات الإنتاج بأكملها بعين الاعتبار: سيتم عرض العلامة التجارية النبيلة (أستون مارتين) للبيع، ومن الممكن أن تتبعها أجزاء أخرى من مجموعة السيارات الفارهة مثل (جاجوار) أو (لاند روفر) ومن المحتمل أيضاً السيارة الأمريكية (لينكولن). وأشارت فورد إلى استعدادها للتحالف والاندماج مع مجموعات سيارات أخرى أيضاً.
وبالتالي تشير "فورد" إلى المزيد من الرغبة بالتغييرات الشاملة أكثر من مجموعة جنرال موتورز- GM. هذه المنافسة التي استعادت بعض أنفاسها، وابتعدت عن درجة الإغلاق، نظراً لخوض "فورد" أزمتها، ولكنها بالطبع لم تبتعد عن نصل السكين. وحتى مجموعة جنرال موتورز تشهد الكثير من الخسائر في سوقها المحليّة، وكان عليها خلال فترة قصيرة أن تعلن مثل "فورد"، بأنها ستعمل على تقليص حجم الإنتاج لديها بصورة كبيرة. ولكن ضمنت "جنرال موتورز" حتى الآن عدم القيام بالخصومات على الحجم الاستثماري للمنتج نفسه. ومضت الشركة في مباحثات متضاربة حول الائتلاف مع رينو – نيسان، مع اعتراض المتداول الأكبر لديها (كيرك كيركوريان).
وتشير التوقعات، إلى أن ألان مولالي لم يكن الخيار الأول بالنسبة لفورد. وفيما إذا سيكون هذا الرجل الغريب عن القطاع من سيتمكن من انتشال الشركة من الأزمة، لا بد أن يتبادر الكثير من الشكوك في هذا الأمر، حيث يتم اتخاذ القرار أخيرا حول شراء السيارات الجذّابة عن طريق النجاح أو الفشل، وعلى مولالي كونه دخيلا أن يخطر بباله السؤال، فيما إذا كان هو الرجل المناسب أم لا. ولكن الخبر الجيد في تبدّل القوى الإدارية لدى "فورد"، بأن الشركة تُدرك جدية الوضع الدقيق الذي تجتازه.

الأكثر قراءة