المشاركات في التمويل الإسلامي (1من2)

المشاركات في التمويل الإسلامي (1من2)

تعتبر المشاركة إحدى وسائل التمويل الإسلامي الحديثة التي تطبقها المصارف الإسلامية في تمويل المشاريع الكبرى وبالأخص مشاريع البنية التحتية أو ما يعرف اصطلاحا بـ Project Finance، وهي مستمدة من الشركات في الشريعة الإسلامية التي تتمتع بقواعد وأصول واضحة ومنضبطة تصلح لتنظيم أية شركة يستحدثها الفكر الإنساني ويبتدعها الفكر الاقتصادي والتجاري، فمهما استحدثت الأمور ومهما تعددت الأنظمة والوسائل فالشريعة الإسلامية بقواعدها الراسخة كفيلة بتنظيم أية فكرة وأية وسيلة يستحدثها الفكر البشري لأن قواعد الشريعة مستمدة من شرع الله ومن ثم فهي صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان.
فمن الناحية الاقتصادية تعتبر المشاركة بين اثنين في عمل أو مال أو تجارة هي أساس الشركة، فقد يكون المال لدى إنسان وليس لديه الخبرة في العمل فيستفيد بالمشاركة من خبرة الآخرين كما يستفيد الآخرون من مال الرجل، وقد ظهر في زمننا الحاضر مدى نجاح دور المشاركة بين أرباب رؤوس الأموال "المستثمرين" والمديرين المحترفين في إنشاء الشركات المساهمة العملاقة حول العالم التي يحتاج إنشاؤها إلى الرساميل الضخمة التي لا يقوم بها فرد واحد، فكانت الحاجة ماسة إلى وجود الشركات كوسيلة من وسائل التعاون، وضرورة تنمي بها الأموال وترتقي بها البلاد الإسلامية في اقتصادها واستثمار خيراتها. ولهذا السبب يرى عدد كبير من رجال الاقتصاد الإسلامي أن المشاركة وسيلة تمويلية مهمة للمسلمين اليوم فهي يمكن أن تكون أداء ووسيلة لتحقيق التكافل الاقتصادي بين المسلمين، وذلك بتسهيل نقل المدخرات من دول الفائض إلى دول العجز وأن تكون توطئة لأسلمة البنوك وجزءا من برنامج لتوطيد دعائم العمل المصرفي اللاربوي في أي بلد من بلاد المسلمين.
ومن الناحية القانونية فإن لفظ المشاركة عندما يسمعه الشخص فإنه يثير في ذهنه أن هناك ارتباطا موجودا بين الشركاء بهدف إيجاد التعاون بينهم لتحقيق منفعة تعود على جميع الشركاء، هذا الارتباط يعتبر سببا ينتج عنه أثر يتمثل في وضع جديد له كيان مستقبل ومميز عن كيان أشخاص الشركاء وبما يجعل الشركة شخصا آخر له مقوماته الخاصة به، وعلى ذلك فإن لفظ "المشاركة" يطلق على كل من السبب والأثر، فهو يطلق على العقد باعتباره سببا منشئا للشركة، كما يطلق على الوضع الجديد الناشئ بين الشركاء والمتمثل في الشخص الاعتباري الذي نشأ العقد وتكون بمقتضاه. هذا هو لفظ المشاركة في الفقه الوضعي، أما في الفقه الإسلامي فإن لفظ المشاركة يطلق على اختلاط حقوق الشريكين، ويطلق على توزيع الشيء بين اثنين أو أكثر على جهة الشيوع فهي اختلاط المالين بالآخر بحيث لا يمتازان عن بعضهما وقيل هي الخلطة، من الخلط والاختلاط، ومنها خلط المالين وخلط الشريكين، والخلطاء هم الشركاء، لقوله تعالى "وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم" سورة ص الآية رقم 24، وقول النبي عليه الصلاة والسلام "الناس شُركاء في ثلاث، الماء والكلأ، والنار".
ذكر الفقهاء للشركة تعريفات متعددة من أوضحها "الاجتماع في استحقاق أو تصرف" وهذا التعريف جاء عاما يشمل جميع أنواع الشركات، فيشمل شركة المال بأنواعها سواء أكان الاستحقاق بالإرث أو الشراء أو الوصية أو الهبة أو الغنيمة والاجتماع في التصرف يشمل شركات العقود جميعها سواء أكانت شركات أموال أو أعمال أو وجوه أو أموال وأعمال معا كشركة المضاربة.
ويستدل من مجموع هذه النصوص الشرعية أن عقد الشركة عقد جائز لازم من الجانبين حتى ينفرد كل منهما بفسخه دون رضا الآخر ما لم يتضرر الشريك الآخر، ويعتبر عقد الشركة من عقود المعاوضة، بمعنى أن كل شريك يقوم حصته في رأس المال ويأخذ نصيبا من أرباح الشركة مقابل هذه الحصة، وقد تكون مبادلة مال بمال إذا كان رأس المال من النقدين (الذهب والفضة) وقد تكون مبادلة عمل بعمل كما في شركة الصنائع والوجوه.
أما الشركة في القانون فهي شخص اعتباري ينشأ من عقد بمقتضاه يلتزم شخصان أو أكثر بأن يسهم كل منهم في مشروع مالي بتقديم حصة من مال أو عمل لاقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو خسارة هي عقد ينشأ بين اثنين في توافق إرادة الشركاء وينشأ عنه – استثناء شركة لمحاصة فقط – شخص معنوي يتمتع في الحدود التي يقرها القانون بجميع الحقوق باستثناء ما يكون منها ملاصقا لصفة الإنسان الطبيعي، وتعرف الشركة في النصوص القانونية بأنها "عقد يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر بأن يساهم كل منهم في مشروع يستهدف الربح بتقديم حصة من مال أو عمل لاقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو خسارة".
تشتمل الشركة على نوعين هما: شركة الملك، وشركة العقد، ويزيد بعض الفقهاء نوعا ثالثا هو شركة الإباحة. وتعتبر شركة العقد هي أهم أنواع الشركات لأن مسائل الاستثمار في الاقتصاد الإسلامي قائمة على أساسها، وتتحقق شركة العقد بالتعاقد الذي يتم بين اثنين أو أكثر للاشتراك في التجارة بمالهم، أو أعمالهم، أو جاههم، أو بمال أحدهما وعمل الآخر فيه، وبأن يكون ذلك التعاقد موجبا لتصرفهم في المال ومشاركتهم في الربح وتحمل الخسارة.

الأكثر قراءة