عمل المرأة .. تحديات محدقة وحلول قد تكون مرّة أحيانا

عمل المرأة .. تحديات محدقة وحلول قد تكون مرّة أحيانا

عمل المرأة .. تحديات محدقة وحلول قد تكون مرّة أحيانا

أصبح موضوع عمل المرأة بكل أبعاده قضية يتفاعل معها ويتابعها جميع فئات المجتمع كل حسب اهتماماته ومنطلقاته ونظرته، ولعل ذلك ما حدا بجريدة "الاقتصادية" إلى تخصيص ملحق أسبوعي يعنى بموضوع المرأة العاملة، وهذه خطوة جديرة بالتنويه بها ويشكر القائمون عليها، باعتبارها من أهم المبادرات الإيجابية من وسائل الإعلام للتفاعل مع هذه القضية.
إن هذا الملحق سيتيح بلا شك لكل المهتمين والمختصين طرح ما لديهم من رؤى حول هذا الموضوع، ما يسهم في إعادة إيجاد أرضية تجعل المجتمع يدرك واقع هذه القضية وملابساتها وأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في الحاضر والمستقبل، ويوفر وسيلة لتراكم الخبرات وطرح المقترحات البناءة النابعة من المعايشة الميدانية لما يحدث، وبهذا يمكن التعامل معها بنظرة واقعية وعلى مختلف المستويات الرسمية والشعبية، ويمكن من تحديد الخطوات المناسبة لمواجهة هذا التحدي، ويسهل تنفيذ ما يتخذ بشأنه، خاصة أن هذه الخطوة تأتي متزامنةًً مع اعتزام وزارة العمل وضع خطة لتوفير بيئة مناسبة لعمل المرأة في المملكة.
إن توفير فرص عمل للمرأة يمثل تحديا حقيقيا، زاد من صعوبة هذا التحدي التباطؤ في مواجهته لسنوات طويلة ما ترك المجال رحباً لنمو مفاهيم تبرر إبعاد المرأة عن ميدان العمل مهما بلغت حاجتها له، بل أدى إلى تقليص فرص العمل القائمة، وبالتالي زيادة البطالة بين النساء السعوديات والتي تقدرها وزارة العمل بنحو 28 في المائة، وهذه نسبة يبدو أنها متحفظة قد تختلف كثيراً عندما تجري وزارة العمل ما تعتزم القيام به من عمل إحصاء للبطالة بين النساء أسوة لما تم من إحصاء للبطالة بين الرجال والتي تصل إلى نسبة 08 في المائة، وهي أيضاً تواجه صعوبات، ويمكن تصور ذلك من واقع إعداد الخريجين الجدد والذين يتوقع أن يصل عددهم سنوياً حسب خطة التنمية الثامنة إلى 200 ألف شاب.
إن نسبة البطالة بين النساء تعتبر عالية بكل المقاييس، ويتوقع لها وفق المعطيات الحالية أن تزداد، وهذه حالة فيها شيء من الغرابة لكونها تحدث في بلد يوجد فيه نحو سبعة ملايين عامل أجنبي, ويشهد معدلات نمو مرتفعة نسبياً في معظم سنوات العقود الثلاثة الماضية. لكن هذا الاستغراب سيزول إذا تم التعرف على الوضع عن قرب، فهناك عوامل عددية أوجدت هذا الوضع، منها قصرُ مجالات عديدة من الأعمال ولعقود من الزمن على الرجل، ما خلق وضعا أصبح معه هذا القصر جزءا من ثقافة المجتمع وتعديله يحتاج إلى وقت طويل، وزاد من حدة ذلك كون الدخل في الوظائف الإدارية مرتفعا, بينما هو في الأعمال المهنية والفنية منخفض، ولو كان الأمر عكس ذلك لساعد على أن يتجه الرجال إلى المهن ويتركوا الأخرى للنساء، وهذا ما يحدث في الدول التي سعت بخطط جادة إلى معالجة هذه المشكلة مثل ماليزيا، التي يشغلُ النساء نحو 70 في المائة من الأعمال المكتبية ولا يشاركهن من الرجال إلا من ليس لديه قدرة على الأعمال المهنية أو لظروف خاصة تتعلق بالوظيفة التي يشغلها. كما زاد من حدة ذلك رخص تكلفة العامل الأجنبي ما جعله منافساً قوياً عند إحلاله بمواطن سعودي، سواء كان رجلاً أم امرأة، في الوقت الذي يعتبر دخله مرتفعاً قياساً بدخله في بلده الأصلي، والسبب الرئيس الذي لا يلقى له بال في هذه المفارقة هو أنه لا يدفع ضريبة دخل على ما يحصل عليه في المملكة والتي تتجاوز أحياناً نسبة 40 في المائة على دخله في بلده الأصلي، ولهذا أصبح تحدي رفع تكلفة العامل الأجنبي محور استراتيجية معالجة البطالة في المملكة، كما أكد ذلك وردده بصوت عال وواضح معالي الدكتور غازي في محاضرة له عن هذا الموضوع.
ظاهرة البطالة في الوسط النسائي تحتاج، مع عدم وجود إحصاء رسمي لها، إلى شواهد من الواقع تساعد من هو غير مطلع أو متابع لهذا الموضوع على تكوين صورة قريبة من الواقع. ولعل تجربة مصنع الكوثر للمجوهرات في المنطقة الشرقية أحد هذه الشواهد المثيرة للاهتمام، فقد تقدم 9800 امرأة لفرص عمل لدى هذا المصنع عددها 100 فرصة، أي أن كل وظيفة تقدم لها نحو 98 امرأة، هذا مع أن الدخل نسبياً لمعظم هذه الوظائف غير مُغّر، حيث أنه يتراوح بين 1500 وأربعة آلاف ريال، وهذا يقود إلى استنتاج أن البطالة بين النساء أعلى بكثير من النسبة المقدرة، إذا كان توفير فرص عمل للمرأة في أي دولة نامية يمثل تحدياً حقيقياً لما يواجهه من صعوبات تنموية عديدة، فإنه بالنسبة للمملكة يمثل تحديا أعمق لوجود العامل الثقافي.
لقد أدى ارتفاع مستوى الدخل في بداية السبعينيات الميلادية إلى تراجع حاجة الأسرة إلى دخل المرأة، ما جعلها تترك أعمالا كثيرة كانت تمارسها. أما في الوقت الحاضر فإن تفاوت مستوى المعيشة وتنامي السلوك الاستهلاكي لدى الأسرة السعودية أدى إلى تزايد حاجة الأسرة إلى دخل المرأة، وبالتالي أصبح هذا الدخل عنصراً مهماً في موارد الأسرة يسعى ربها للحصول عليه من خلال الاقتران بفتاة لديها دخل، وهذا يقود إلى أن تحقيق الفتاة لما تحلم به من تكوين أسرة سعيدة مستقرة لها دور فاعل فيها مرهون إلى حد بعيد بحصولها على دخل، ومن هنا يصبح نيل الوظيفة من أهم عوامل تحقيق الذات لدى المرأة، ولذا سيزداد عدد الباحثات عن عمل.
إن مواجهة هذا التحدي بكل أبعاده يتجاوز قدرات جهة بعينها، ويتطلب جهداً جاداً على كل المستويات، ولك أن تتصور حجم هذا التحدي حين لا تجد حاملات المؤهلات العليا كالحاسب الآلي فرصة عمل مناسبة.
إن موضوع عمل المرأة نمت حوله مفاهيم عديدة قائمة في مجملها على تقاليد تحولت إلى عرف ينظر إلى المرأة بالشك والريبة ويجنح إلى عزلها وإيجاد كل الحجج التي تحول دون خروجها للعمل وغيره، وبالتالي فإن هذا الأمر يحتاج إلى مكاشفة حقيقية وتقص لكل أبعاده، ومتابعة دقيقة لكل ما يتعلق به، وهذا بالطبع شأن من هو غيور على مجتمعه وتماسكه دينيا ومعيشيا واجتماعيا.
ومن هذا المنطلق فإن كل مهتم بهذا الأمر مدعو إلى قراءة مقال الدكتور عبد الواحد الحميد في جريدة "الرياض" يوم الأربعاء 12 ربيع الآخر 1427هـ، تحت عنوان "أين تذهب هؤلاء النساء"، حيث ذكر أن نسبة الطالبات في الجامعات ومؤسسات التعليم الفني تصل إلى 70 في المائة من العدد الكلي للمسجلين فيها، وأن إجمالي الخريجات في مرحلة البكالوريوس خلال السنوات الأربع من خطة التنمية الخمسية السابعة بلغن نحو 199 ألف طالبة. وتساءل عن "مصير هذه الألوف من الخريجات وأضعافهن من حملة المراحل الأولى (الابتدائي والمتوسط) ممن حالت ظروفهن دون إكمال الدراسة، في بلد يستقدم ملايين البشر من العمالة الوافدة من شتى بقاع الأرض، الذين يستنزفون موارد هذه البلاد ويبقون أبناءه بعيدين عن ممارسة جميع الأعمال التي يزخر بها وتحتاج إليها التنمية في بلادهم أسوة بالدول والمجتمعات الأخرى، وعدم الاستفادة من هذه الموارد البشرية هو هدر لها فضلاً عن الأضرار الاجتماعية التي بدأنا نراها بجلاء.
إن من يعتقد غير ذلك فأقل ما يقال بشأنه إنه يتصور أن ساكني هذه البلاد مختلفون عن الأمم الأخرى، وأنهم أتوا من كوكب آخر، وينسى أو يتناسى أن نساءها حفيدات من كن يجاهدن في غزوات الرسول ـ صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن المشاركة في الحرب هو أشق عمل نفسياً وجسمياً يمكن أن يقوم به أي إنسان.
مقال الدكتور الحميد مليء بالتساؤلات المباشرة والصريحة التي تستند إلى معايشة قريبة لهذا الأمر وتنم عن صدق الشعور بالمسؤولية، وقد طالب كل من يتصدي لهذا الموضوع أن يجيب عنها، ومنذ نشره المقال والكل ينتظر هذه الإيجابيات أو على الأقل التعليق عليها والتفاعل معها.
إن من تعمق في بحث هذا الأمر بعقلية منفتحة وضمير حي ومشاعر صادقة سيرى واقع وحقيقة هذه المشكلة ومستقبل تطورها وانعكاساتها المدوية في جميع النواحي الثقافية والاجتماعية والاقتصادية على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع، ويمكنه بعد ذلك الحديث عن حلول لهذه القضية تأخذ في الاعتبار كل أبعادها، بل سيتقبل حلولاً قد تكون مرّة في بعض الأوقات ولكن لا بد منها، أما عدا ذلك فإنه يعيش في برج عاجي لا يرى حقيقة الواقع، بل إنه قد يسهم في تشويه صورته، لأنه بكل بساطة لا يمكن تصور مجتمع يراد له أن يقف في مصاف الأمم علمياً وتقنياً واقتصادياً وعسكرياً يقوم على جهد 20 في المائة من عدد السكان، وذلك على افتراض قصر العمل على الرجال البالغين والقادرين، أما العامل الأجنبي فوجوده مؤقت طال الزمان أو قصر، لعوامل اقتصادية واجتماعية معروفة، ناهيك عن المخاطر المحدقة والمتزايدة المرتبطة بذلك والتي للأسف لا يجرى الحديث عنها، وإن حدث فهو على استحياء ولا يمتد لمعالجتها، والخشية أننا نقترب من وقت لا يمكننا من ممارسة فعل النعامة عند مواجهة الخطر.

باحث في الاقتصاد السياسي

الأكثر قراءة