التباطؤ والترنح يعطلان استيقاظ فرنسا من غفوة إعادة الهيكلة
التباطؤ والترنح يعطلان استيقاظ فرنسا من غفوة إعادة الهيكلة
أصبحت الدفاتر المدرسية وأقلام الحبر باهظة الثمن، بينما ظلت ملابس الأطفال والشباب رخيصة بالمقابل. وعندما تنتشر مثل هذه الأخبار في الصحف، يدرك الفرنسيون أن "العودة" أوشكت لأيام المدرسة والعمل عقب فترة الإجازة الصيفية والتي انغمست فيها فرنسا المحبّة للعطل وأوقات الفراغ.
الهدوء والسكون في آب (أغسطس) الماضي، والانطلاق في أيلول (سبتمبر) الحالي، من الممكن أن تخيب الآمال في الحياة السياسية هذا العام، حيث بدأت التحضيرات للانتخابات الرئاسية منذ فترة مبكرة، ومن المفترض أن يكون المدخل الأول للانتخابات في نيسان (أبريل) من عام 2007 المقبل. والشعار يدعو لتوخي الحذر.
ولكن هذا مؤسف، نظراً لحاجة الدولة لخطط إعادة الهيكلة الملحة بعد أن خففت حكومة رئيس الوزراء، دومينيك دوفلبان، من حماسة إعادة الهيكلة في النزاع الخاسر حول تجديد سوق العمل. ومن الممكن أن يتصدّى رئيس الدولة، جاك شيراك، لاستقالته.
ومن الأمثلة القائمة في حقول الاقتصاد السياسي الإعياء من النزاع حول اندماج مجموعتي الطاقة، "زويس" و "جاز دي فرانس". وفي الخارج يُنظر إلى التعاون المشترك بالأخص كمناورة للحماية من الشركة الإيطالية المنافسة "إينيل" والجاهزة للقيام بعملية شراء. ولكن تدور المناظرات داخل فرنسا بقوة حول التخصيص الكامل لمجموعة جاز دي فرانس، الشيء الذي إذا ما اتخذته الحكومة حقاً، تكون قد تنكرت لوعودها تجاه المجتمعات المهنية، وذلك بالحفاظ على حصص الحكومة كأغلبية في المجموعة. وحظي نوّاب الحزب الحكومي لاتحاد الحركة الشعبية عقب التأييد الأولي للمشروع، بوعود باردة، لكن بدون أفعال مميزة، وبالتالي أشاعوا الشكوك. وعلى الحكومة أن تتغلب في أيلول (سبتمبر) المقبل على التصويت الهزيل، لاعتماد الاندماج مستقبلاً، ولكن بالطبع بدون المرور بمناظرات عنيفة.
وعلى نحو آخر، تحاول الحكومة الاسترخاء على أكاليل الغار، تلك الممنوحة لها بنسب ضئيلة فقط. وقد تزايد النمو الاقتصادي، وانخفض معدل البطالة العمالية. ويعود فضل النمو إلى حدٍ ما للاستعداد المتزايد للاستهلاك غير القابل للتوقّف للمواطنين الفرنسيين، وكذلك نمو الاقتصاد العالمي؛ بينما يعتمد انخفاض البطالة العمالية إلى حدٍ كبير على الإجراءات الحكومية لتحقيق فرص العمل، واستخدام الأيدي العاملة بالرغم نسبة التردد المشاعة لدى أصحاب العمل.
وبالتالي، تبرز السلسلة الطويلة من الفرص الضائعة، التي تعمل على تواصل فترة الحكم الثانية لشيراك من 2002 إلى 2007. وبتشكيل من أغلبية برلمانية، يُفترض بالرئيس سريعاً عقب إعادة انتخابه أن يشجّع الفرنسيين على كل خطة لإعادة الهيكلة التي تُعد متأخرة نظراً للمديونية الحكومية، والصناديق الاجتماعية الخاوية، وشكل التطوّر السكاني، وسوق العمل المتزمّت، وأزمة التعليم الظاهرة. وبالفعل لم يكن شيراك إصلاحياً مقنعاً قط. وعلى أية حال فقد أودى بالتوجه الحكومي لأسباب تكتيكية إلى خضم الاقتصاد الليبرالي. وبالإضافة إلى هذا، اعتقد عقب النصر الساحق عام 2002، والذي تراجع خوفاً من "لو با"، بأن يكون رئيسا لكافة الفرنسيين. وما شاع حول هذا الأمر بالأخص، بأنه لن يسبب الألم لأحد. وبقي النجاح الاقتصادي السياسي هزيلاً، وتفوقت في الحقيقة خطط إعادة هيكلة الأجور التقاعدية، التي وضعها رئيس الوزراء جين بيري رافرين عام 2003 بكل ذكاء بالتعاون مع المجتمع المهني المعتدل CFDT. وبالرغم من ذلك يتطلّب الأمر تعديل أجور التقاعد مجددا. وبالإضافة إلى هذا، فقد تم دفع عمليات التخصيص قدما، وحتى لأسباب تتعلّق بسياسة الخزانة المالية. وناشد وزير المالية والاقتصاد، تيري بريتون، منذ بداية عام 2005 الحكومة بشكل متواصل للعمل على سدّ الديون الحكومية، والتخلص من البيروقراطية، والقيام بخطط إعادة الهيكلة في القطاع العام. ولكن بدون مجموعة العمل السياسية، وقاعدة السلطة، لا يمكنه المضي قدما في هذا الأمر باستمرار. وبرغم هذا فهو ناجح من بين الوزراء كونه الأصلح. ولأن فرنسا، تتقدّم بعجز الخزانة المالية ضمن مواصفات عقد ماستريخت على ألمانيا بكثير، فهذا ليس بفضل التكتيكات الحسابية للسياسة المالية، والرفع الضريبي الكامن فقط، ولكن بفضل نظام النفقات المنضبط.
ولهذا فإن الأمر ليس بأكمله يرزح تحت الظلال، وخاصةً بالمقارنة ببرنامج السياسة اليسارية، والتي تتمسك بمبادئ رجعية ذكية. إن النماذج اليوم ترتكز على العولمة والمنافسة الحكومية الحادة. وعلى ما يبدو أن فرنسا فقدت جزءا من أهميتها في المنافسة الدولية. لأن الانتخابات الرئاسية تضع الدولة الآن أمام مفترق طرق. ومن المحتمل أن يتم ترشيح وزير الداخلية، نيكولاس ساركوزي، نظراً لشعبيته، بينما يبقى القرار معلقاً بالنسبة للاشتراكيين. وتفوقت سيجولون رويال كافة استطلاعات الرأي، ولكن عليها أولاً هزيمة الشخصيات البارزة والقديمة من حزبها. وهي تأسر الفرنسيين حتى اليوم بشخصيتها الشابة و ليس من خلال مواقفها السياسية، حيث تتجنّب تحديد أي شيء مسبقا. ومن الممكن أن يجد ساركوزي فيها منافساً حادا، حيث بدا خلال الأشهر القليلة الماضية ألطف بعض الشيء عن طريق دعوته بقطع حلقة الوصل مع الماضي، وكذلك في انتقاداته لشيراك. وهو يدعو منذ فترة بعيدة لاتخاذ بداية جديدة بدون الخوف من المحرمات، والتي تحول دون نجاح الدولة حتى في السياسة الاقتصادية. من الممكن أن يكون ضبط النفس هذا مشروطاً بتكتيكات الفوز بالانتخابات. وإذا ما عمل على مواصلة الترنّح والتباطؤ المتسم بهما شيراك في حالة تم ترشيحه، حينها يكون الرئيس الجديد للفرنسيين قد قام بأقل ما يمكنه، نظراً إلى المهام غير المنجزة بعد. والخلاصة أن على فرنسا أن تستيقظ سريعاً قدر الإمكان من سبات إعادة الهيكلة.