"الْقهوةْ شهْوََة والْعِمدَةْ على الْقرْصانْ"
<p><a href="mailto:[email protected]">abubeid@binzagr.com.sa</a></p>
يقول الدكتور محمد جابر الأنصاري في حواره مع جريدة "الحياة" إصدار الإثنين 12/6/2006 (المخيف أننا عرباً ومسلمين ينتابنا شعور قاتل بأننا مختلفون عن بقية خلق الله. لماذا ؟ لا أدري! ويقوِّي هذا الشعور الهدَّام لدينا، عدد كبير من الوعاظ والكتبة وأمثالهم ممن تأسست ثقافتهم في الظلام وراء الأبواب المغلقة، فتوهموا أنهم وحدهم في هذا العالم الفسيح). ويستطرد القول: (لا يمكن مواجهة ذلك إلا بتعميق ثقافة المقارنة، والدراسات التي تسير في الأرض شرقها وغربها، وتكتشف سنن الله في خلقه كما تحض على ذلك آيات كثيرة من القرآن الكريم، وهي سنن إلهية كونية لن نجد لها تبديلاً ولا تحويلاً من اليابان إلى اليمن ومن الصين إلى المغرب ومن الهند إلى مصر... ولن تجدوا لسنة الله تبديلاً ! فتنبهوا واستفيقوا أيها الواعظون بالخصوصيات.. الموهومة). يقول الله تبارك وتعالى: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة، ولكن ليبلوكم في ما آتاكم، فاستبقوا الخيرات، إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون).
البحث عن الحقيقة العلمية في عالم التطورات والمتغيرات الحديثة، سباق تتنازل فيه الشعوب وفقاً للمعارف والطرق والأساليب الغربية للعمل والتسلية البريئة، وتتقاسم الأمم المتقدمة مراتب التقدم والإنجاز وفقاً للعطاء والإبداع في منارات العلم والتفاعل المجتمعي، لتقوية الاقتصاديات وتحسين الاجتماعيات في الطريق نحو حياة أفضل، وتقوم أهم ركائزها على العمل المنتج، والدخل المجزي والادخار للمستقبل والإنفاق على ضروريات الحياة من المكاسب المحققة والادخار، وضمن الإمكانات المتوافرة. القدرة لتحسين الدخول مع تزايد المتطلبات تحدٍ يومي، تحقيقه مرتبط ومتأثر لأسس على جدارة علمية وخبرة مهنية بعد أن يعرف الإنسان حقيقة نفسه، ضمن المتغيرات التي تدخل حياته ويتعايش معها وفقاً لقناعاته العقائدية وتقاليده الموروثة. الانصهار الكامل لتغيير مجريات الأعمال والمسؤوليات والحياة وفقاً للانفتاح الذي يدخل فيه الإنسان خيار متوافر مع الطموحات والتطلعات أو البقاء بعيداً عن المؤثرات الخارجية في تحسين الإنتاج وزيادة النتائج ورقي العمل لأهميتها لتقدُّم الشعوب وتحسين أحوال المواطن. الحياة كفاح لكل من يريد التقدم والرقي، والتخلف سببه الكسل والجهل. العلم سيد الموقف لمن طلب العُلا. يقول الحق سبحانه (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين، من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون).
الخيارات ليست حصرية ولا تسير على اتجاهات محددة. الوصول لنيل أحسنها وأوفرها يتطلب قدراً كبيراً من الشجاعة الفكرية والقوة الشخصية والعقيدة الثابتة الوضوح لتوفير القناعة في أن زيادة المعرفة الحديثة وامتهان التقانة والعلوم الحديثة والأساليب الإدارية المتطورة الطريق السوي لرفع مستويات العمل وزيادة الإنتاجية بإنسانية عالية لا تتأثر بالأجناس والمِلل والأعراف والتقاليد والعقائد. المهم أن يتوافر للإنسان المواطن القدرة والمقدرة للعلم واكتسابه، والاطلاع المدني والديني، وأن يختار طريقه بنفسه ويتحمل مسؤولياته لينال مكاسبه. التقارب لمعرفة الطرق والوسائل التي مكنت أمما كثيرة من تحقيق التقدم العلمي مهمة لنا معرفتها وإتقانها وتطويرها، ونحن نطمح إلى أن نتزاحم مع المستويات العلمية والمعرفية لأمم سبقتنا، وأن نقوِّي من قدراتنا في الحفاظ على مكتسباتنا من الاتفاقيات الدولية التي تربط اقتصادنا ومجتمعاتهم. العلم والمعرفة لا تورَّث ولا تُسعْود، بل تكتسب في معاهد رفيعة المستويات المهتمة بالنوعية لا العددية. الفكر الذي يدور حول (الآخر) قد يجعلنا في معزل عن العلم الحديث والمعرفة المتطورة والتقانة المتقدمة والقدرة المطلوبة لتحقيق التراكم العلمي الذي يوفر لبلادنا استمرار تقدمها، كما أنَّ حصر فكرنا في احتمال قيام عداء مع دول العالم الغربي واعتباره (الآخر) في التعامل، قصور في الرؤية وتخلف في المعرفة وضرر بمصالح البلاد. النظرة العلوية (المتقمصة) شخصيتنا عن جهالة دخيلة علينا مع بداية ظهور الدخل الريعي للزيت، لا تبررها مستوياتنا العلمية ولا إنجازاتنا الفكرية، ولا المستويات الخلقية التي انحدرنا إليها. كثير من الملابسات التي نواجهها تصبح، وبسببها عائقا لمعرفة ما نحتاج إليه لتقدمنا، ولا وضعنا في التقسيم الرباعي وفقاً للمعرفة (للعالِمْ الذي يعرف أنه عالم ويعتبرونه حكيما، ومن يجهل بعلم ويعتبرونه نائما، وعالم يعرف جهالته دون تبديل، فيرون أنه يستحق العقاب، وآخر يخشونه ويبتعدون عنه لأنه يجهل جهالته).
الدكتور محمد جابر الأنصاري يزيد القول إيضاحاً بذكره وإضافته: (عندما نتحدث عن الآخر يجب ألا نقصره على الغرب وحده، فالشرق الأقصى اعتبره الشرق الآخر: الصين، اليابان، والهند.. تمثل هي الأخرى "الآخر" الذي يجب الاعتراف بوجوده، والتعرف إليه ومحاولة الاستفادة من تجاربه. لم يعد عنوان معركة الحضارة: التغريب، بل أصبح اسمها: التحديث والتطور والتقدم. فإما أن تصبح الأمم أعضاء في نادي التقدم بمواصفات واستحقاقات محددة في فكرها وسلوكها وإنجازها وإنتاجها، وإما أن تبقى خارج العصر، ولا عزاء للعاجزين ولا وساطة أو شفاعة للمتخلفين).
مجالات البحث العلمي لا يمكن قصرها على الجامعات والمعاهد العليا النظرية والتطبيقية والمهنية، ولا أن يترك لها العنان بدون معرفة العطاء المطلوب منها ومقارنته بالمخرجات وتوفير الاحتياج العلمي على أسس تجارية وربحية حتى تتشارك قطاعات المجتمع المختلفة القيام بدورها في العمل البحثي العلمي والاهتمام به. ريادة الاهتمام بنشاطه تدخل ضمن (فلسفة التعليم الذي يهتم بجدولة العقل وفهرسة الذاكرة ومعرفة كيفية استخراج المعلومة والتعبير عن الرأي بحرية كاملة بأسلوب الإنترنت). والمستجدات المعرفية الحديثة المتوقعة والتطور العلمي التقني المرتقب. جيل الشباب والشابات المثقف بوعي تقدمي عصري لهذه الفلسفة التعليمية يتقبل قيام مستقبل أعماله على نتائج الأبحاث والدراسات لكفاءات متدربة وقدرات فائقة تعوضه الإنفاق على المخترعات ومستخرجات أعمالهم وتفتح أمامه آفاق الفرص الرابحة. تقليل إبراز اهتمام الجامعات بالبحث العلمي التطبيقي المترابط مع احتياجات المجتمع والعصر الحديث، يجعل الحاجة لها تتساوى في نظر الكثيرين مع المراحل التعليمية الثانوية لمستوياتها (لأن قيمتها الحقيقية والمقارنة في الداخل والخارج تتأثر بمدى تفوقها في مشاركة المجتمع والقطاعات الإنتاجية في تطوير النشاطات الإنتاجية، وتطويع العلم في خدمة الاحتياجات الوطنية المنتجة. الوصول إلى هذه الأهداف لا يتوافر دون اختيار أصحاب الخبرات العلمية البحثية الحقيقية والإنفاق السخي. توفير الأرصدة المالية لا يضمن نجاح الحركة البحثية العلمية في المعاهد العالية والجامعات. الحاجة قوية لنظرة جادة لمعرفة ما إذا كانت القدرات المتوافرة لهذه التحديات على قدر التزاحم العالمي، ومواجهة الثغرات القائمة والتدارس في الحلول المطلوبة والمقبولة بدون تطويل ومركزية ومجاملة. تنظيم الدراسات الميدانية مهمة لأمم تهتم بالبحث العلمي، ونتائجه تعطي دخلاً مضافاً للاقتصاد الوطني. دولتا إسرائيل وإيرلندا تتمتعان بسمعة جيدة في هذا النشاط، وصدَّرت نتائجه ومنتجاته لأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. البحث العلمي الجيِّد المنتج يحتاج إلى بنية فكرية علوية راقية ومتقدمة وبعيدة عن فلسفة "خذني جيتك".
القطاعات الأهلية والخاصة وغير الرسمية دورها في البحث العلمي مهم ضمن القدرات المالية المتوافرة لبداية المشوار وبعد توافر القناعات بسلامة أسلوب الأبحاث العلمية على أسس تطبيقية مفيدة ومربحة، وما تسمح به حرية القرار في توفير الأبحاث العلمية بالتعاون وفقاً للمصالح المرتقبة وتحت مظلات الجهات التابعة مثل الغرف التجارية والشركات الوطنية والأجنبية والمؤسسات الخارجية على أسس علمية تجارية مقارنة بما تسير عليه الأمم المتقدمة علمياً.
التوقعات للتقدم في المجال العلمي البحثي محدودة للاقتصاد النامي، لتخلُّف الخبرات والمبالغة في "الملكات"، ومحدودية حرية الحركة والرؤى والرأي، ورفض قبول المؤازرة العالمية من المعاهد العلمية العليا والجامعات الزميلة لارتباطها وشهرتها بهذا (الكار)، وقيامها على أساس صحيح وتوجهاتها سليمة وأسلوبها العلمي متطور وحديث؛ وتعكس سياسة تعليمية صحيحة واعية لتقدم دول متحضرة. الجامعات ترتبط بحياة المجتمع وتؤثر على المواطن وتتفاعل معه لبلورة توجهاتها والخروج من قوقعتها ومواقعها لتحقيق مكاسب علمية للوطن ودخول نقدية لتقوية مسيرتها. يقول مفكر عربي (إن سوق العمل يتأثر أيضاً بسياسة التعليم، فالبطالة ابن شرعي لسوء التخطيط التعليمي، لأن قبول أعداد كبيرة في الجامعات دون ارتباط بحاجة المجتمع ومتطلبات سوق العمل، لا بد أن يؤدي إلى الحالة التي نعيشها الآن، ويهمني أن أقول هنا إن فتح الأبواب أمام الجميع لتعليم جامعي منخفض النوعية هو إيجاد لعملية مزدوجة التناقض في التعليم والعمل معاً). بجانب توفير الشهادات والمراتب العلمية الرفيعة، مهم أن نتذكر الاحتياجات الكبيرة للخبرات المدربة لما تعانيه البلاد من نقص المهارات وتراجع الخبرات وكثرة الكتبة والبيروقراطية وتطويل المعاملات وتعطيل الأعمال. دعم ازدهار الاقتصاد الوطني السعودي وتوفير أمنه لا يحققه زيادة العمالة الأجنبية إلى المستويات الحاضرة. معالجتها باستبدال الكفاءات والخبرات الأجنبية دون معرفة الاحتياجات وتخبط تطوير الطاقات البشرية الخبيرة المدربة والمطلوبة. مهما ارتفع دخل هبة الزيت الريعي، ارتجالية السياسة التعليمية وتطوير الطاقات البشرية، قد يحوِّل الاقتصاد إلى مستويات تتماثل لما عليه كثير من الدول الإفريقية. الاهتمام بالعلم والمعرفة والخبرات والمهارات، فيه النجاح والتوجه الصحيح لمواجهة المشكلة الاقتصادية السعودية. يقول المثل (الجارية لا تستطيع أن توفر الطبخات والأكلات المطلوبة إذا لم تتوافر لها الاحتياجات الجيِّدة والكميات الوفيرة المطلوبة).
خير الكلام ما قلَّ ودل، وبحث اليوم حكمته مثل (حكاية المقص كلمتين وبس)، لبناء الأوطان وازدهار الاقتصاد وتشغيل الشباب والشابات وتخفيف البطالة والعطالة. التعليم الجيِّد المتوازي النوعية والبحث العلمي ضروري، وتفاعلهما سوياً مع الاحتياجات المجتمعية والقيام بمسؤوليتهما من قبل كفاءات مدربة ومؤهلة حتمي لتعطي النتائج التي تتماشى مع الاحتياجات والمتطلبات، والقدر العلمي لمواجهة المزاحمة التنافسية لشعوب المعمورة في الخبرات والمؤهلات. العطاء لا يوفره الانتشار التعليمي النوعي النظري، وزيادة المعاهد العليا بقدر الاهتمام بالجودة العلمية والحاجة لسوق العمل لضمان وفرة العطاء بما يتعدى الرغبات والتقارب بين المخرجات والاحتياجات. فرحة التوسع النوعي في الجامعات النظرية، وتقديم العلوم العلمية بطرق نظرية على أيادي تأهيلها محدود يفرح (العويلة) لبعض الوقت، لكن في المدى البعيد يعتبر الطريق الطويل للخروج من المأزق العميق، لاعوجاج الطرق والوسائل التعليمية القائمة في مراحلها المختلفة. أهل أول القدماء يقولون ما معناه (بارك الله فيمن بكَّاني ولا ضحَّك الناس عليَّ، وسامح الله من جاملني وشمَّت العالم فيَّ). والله أعلم.