خبراء: تعافي اقتصاد لبنان مرهون بالاستثمارات الخليجية
يعتقد الخبراء الاقتصاديون أن ردود أفعال المستثمرين من دول الخليج على الأزمة اللبنانية ستقرر ما إذا كان اقتصاد هذه الدولة الصغيرة التي لا تتجاوز مساحتها عشرة آلاف كيلو متر مربع سيتمكن من استعادة عافيته بعد هذه الضربة الجديدة التي وجهت إليه. والمعلوم أن السعودية وضعت تحت تصرف لبنان مليار دولار منذ الأسبوع الأول للحرب بهدف دعم الليرة اللبنانية.
ويذكر أيضا في هذا السياق أن مستثمرين من دول مجلس التعاون الخليجي كان لهم دور في إحداث نهضة عمرانية خلال السنوات الثلاث الماضية, في العاصمة بيروت بشكل خاص.
وفيما يلي مزيدا من التفاصيل:
كانت منطقة السوليدير البيروتية المترفة لا تزال مهجورة حتى بعد ساعات من إعلان وقف إطلاق النار. فبدلا من الأطفال اللاهين والسياح المتنزهين القادمين من السعودية والكويت وغيرهما من دول الخليج كان هذا الحي الذي أعاد بناءه رفيق الحريري رئيس الوزراء السابق بعد نهاية الحرب الأهلية (من 1975 حتى 1990)، الذي كان في العادة يزخر بالناس في مثل هذا الوقت من السنة، كان في وقت متأخر من بعد ظهر الثلاثاء التاريخي ما زال فاغرا فيه شاكيا من الفراغ والتيه. فالمطاعم والمقاهي الفاخرة مثل مقهى " دو ليتوال " كانت موصدة الأبواب. وكانت ثمة يافطة طويلة تتدلى من برج الساعة قبالة البرلمان اللبناني مكتوبا عليها: "حرب الطائرات المغيرة على الأطفال"، بينما كانت تحيط بالعمود المرتفع لوحات عليها صور أطفال جرحوا أو قتلوا أثناء هذه الحرب التي استمرت زهاء خمسة أسابيع.
وتمثل منطقة السوليدير، أكثر من أي منطقة أخرى في العاصمة اللبنانية، رمزا للنهضة الجديدة حيث كانت تسمى لبنان في الستينيات ومطلع السبعينيات "سويسرا الشرق الأوسط " بفضل نظامها المصرفي والعصري الناجح . أما أن تضطر المطاعم المتأثرة على طول الشوارع المتفرعة من ميدان الساعة والخالية من أية حركة سير على إغلاق أبوابها فأمر ينسجم مع الظروف السائدة, إذ من المعروف أن لبنان كلما واجه أزمة سياسية جفت الحياة الاقتصادية وسط المدينة, كما حدث في ربيع هذا العام عندما ساد سوء التفاهم بين سياسيي البلاد الرئيسيين خلال فترة ما سمي بالحوار الوطني حول مستقبل أسلحة حزب الله .
إن أسر اثنين من الجنود الإسرائيليين من قبل مقاتلي حزب الله في 12 تموز ( يوليو ) الماضي، وما أعقبه طوال 33 يوما من الهجمات الجوية الإسرائيلية، قد أعاد عقارب الساعة عدة مرات إلى الوراء لعشرات السنين من وجهة نظر بعض المراقبين, ولسنتين أو ثلاث سنوات, على أقل تقدير, وهو ما يتفق عليه الخبراء الاقتصاديون . فمثلا يقول فاضل شالا، رئيس المجلس اللبناني للإنماء والتعمير: "لقد دمرت هذه الحرب كل ما بنته الحكومة السابقة طوال السنوات الماضية ", ثم يضيف قائلا: "إن جهود إعادة التعمير ستستغرق سنتين, هذا إذا توفرت جميع الشروط السياسية والمالية والفنية الضرورية.
غير أنه من المشكوك فيه أن يتحقق ذلك في ضوء الدمار الهائل الذي أحدثته الهجمات الإسرائيلية البرية والجوية والبحرية . لقد تم تدمير العديد من محطات توليد الطاقة الكهربائية, كما أصيب مطار بيروت الدولي ومرافق المياه ومحطات التنقية . يضاف إلى ذلك أن تقديرات المجلس اللبناني للإنماء والتعمير تشير إلى أن ما مجموعه 630 كيلومترا من الشوارع والطرقات لم تعد صالحة للسير عليها بسبب القصف المدفعي والغارات الجوية الكثيفة، إضافة إلى تدمير 77 جسرا, و 72 عبارة, و25 محطة وقود. هذا إضافة إلى 7100 شقة وأكثر من 900 مشروع اقتصادي خاص، منها على سبيل المثال, مصانع للألبان والورق, وساحات الأسواق و المشاريع الزراعية المختلفة . ويقدر المجلس اللبناني للإنماء والتعمير الخسائر التي أصابت البنية التحتية بأكثر من 2.5 مليار دولار, وتكلفة البيوت المدمرة بنحو 1.4 مليار دولار .
صحيح أن بداية وقف إطلاق النار قد دفعت الأسعار في بورصة بيروت إلى الارتفاع من جديد, بعد أن كان مؤشر " بلوم " قد انخفض بنحو 20 في المائة إثر اندلاع المواجهات المسلحة بين الجيش الإسرائيلي ومقاتلي حزب الله, ثم عاد فحقق مكاسب بلغت نسبتها 5.9 في المائة عند إغلاق السوق ليصل إلى 1262 نقطة . وبالمثل استفادت أسهم شركة سوليدير العقارية, التي أسسها رفيق الحريري رئيس الوزراء السابق, والتي سميت منطقة وسط بيروت باسمها, من انتهاء العمليات القتالية, ومع ذلك فلا تزال أسعار أسهمها تقل بنسبة 16 في المائة عن سعر تداولها في آخر يوم من أيام السلام .
غير أن الوسطاء والمستثمرين يشكون في ألا يستمر هذا الانتعاش في أسواق المال لمدة طويلة، إذ ما لم تنجح قيادة البلاد التي يبلغ عدد سكانها أربعة ملايين نسمة في تحسين الظروف الأمنية واستعادة الاستقرار السياسي بسرعة، و عندها سيكون تراجع البورصة أمرا لا مناص منه على الأمد البعيد . وكذلك فإن الاقتصادي مروان اسكندر، الذي كان لسنوات طويلة موضع ثقة الحريري, الذي كان يلقب قبل وفاته بلقب " سيد لبنان" نتيجة إنجازاته في مجال إعادة إعمار البلاد, يشك أيضا في إمكانية حدوث انتعاش سريع .
فهو يقول : " إن عملية إزالة الركام الذي خلفته الحرب ستستغرق عدة أشهر . وهذا يعني أن إجمالي الناتج المحلي سيستمر في تسجيل تراجع حتى إشعار آخر". ويقدر الاقتصادي مروان اسكندر خسائر لبنان من الحرب بنحو ستة مليارات دولار, " وهذا مبلغ ضخم بالنسبة إلى بلاد تئن تحت عبء ديون خارجية أصلا تبلغ نحو 40 مليار دولار"، حيث إن هذا المبلغ يشكل أكثر من 170 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للبنان .
هذا ويعتقد الخبراء الاقتصاديون من أمثال مروان اسكندر أن ردود أفعال المستثمرين الكثر من دول الخليج على الأزمة اللبنانية ستقرر ما إذا كان اقتصاد هذه الدولة الصغيرة التي لا تتجاوز مساحتها عشرة آلاف كيلو متر مربع سيتمكن من استعادة عافيته بعد هذه الضربة الجديدة التي وجهت إليه. هذا ومن الجدير بالذكر أن السعودية وضعت تحت تصرف لبنان مليار دولار منذ الأسبوع الأول للحرب بهدف دعم الليرة اللبنانية.
ويذكر أيضا في هذا السياق أن مستثمرين من دول مجلس التعاون الخليجي كان لهم دور في أحداث نهضة عمرانية خلال السنوات الثلاث الماضية, في العاصمة بيروت بشكل خاص. إن الكثير من رؤوس الأموال التي كان مستثمرون من السعودية والكويت ودبي ما زالوا يستثمرونها في الولايات المتحدة الأمريكية أو في أوروبا الغربية, قبل أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 الإرهابية, قد تم إيداعها في هذه الأثناء لدى ما كان يعرف بالمركز المالي للشرق الأوسط بسبب مشاعر العداء السائدة في الغرب ضد العرب. وقد بلغ سعر المتر المربع للشقق السكنية الواقعة الى الشمال من حي السوليدير الاستثماري ما بين خمسة وستة آلاف دولار ويقدر أن ثلثي هذه الشقق يتملكها مواطنون من دول مجلس التعاون الخليجي .
غير أن العديد من الشقق المرتفعة الثمن والمطلة على الميناء مباشرة كانت طوال الأسابيع القليلة الماضية خالية من السكان . أما الأمل الذي كان يراود الناس في الربيع في أن يكون عام 2006 بالنسبة لقطاع السياحة المزدهر عاما ناجحا كما كان في السنة التي سبقت الحرب الأهلية عام 1974, فقد ذوى مع هذه الحرب اللبنانية الجديدة . لقد كان وزير السياحة جوزيف سركيس يتوقع في أيار (مايو) الماضي أن يبلغ عدد زوار لبنان حتى نهاية كانون أول ( ديسمبر ) 1.6 مليون زائر . وكان من المفروض، على هذا الأساس، أن يضخ هذا الدفق السياحي نحو ملياري دولار في خزائن الفنادق والمطاعم والمرافق السياحية الأخرى. ولكن بعد ثلاثة أشهر فقط من هذه التوقعات انتهى موسم السياحة، ولا يظهر هذا الأمر بمثل هذا الوضوح كما يظهر في الشوارع الخالية من المارة في منطقة السوليدير.