ألمانيا: الحكومة تتحكم في التحايل على الالتزام الضريبي
كلما كانت السياسة سيئة ساءت الأخلاق: المواطنون المخلصون هم المواطنون الراضون القانعون فقط.
من الممكن أن يتصرّف المرء على نحوٍ إجرامي، ومنافٍ للأخلاق، طالما شعر أن هذا التصرّف قادر على جلب المنفعة له. ولهذا غالباً ما يُنظر من جديد وباستمرار في نظرية حامل جائزة نوبل الأمريكي، التي أصبحت قديمة بعض الشيء ولا تتطابق مع الواقع الحالي، لكنها لا تزال نظرية تشير إلى التحريض على الإجرام من وجهة نظر اقتصادية. وعملياً، فإن أي تصرّف إنساني، أو أي تعارض مع التشريعات والقوانين يوضّحه لنا بيكر عن طريق "حساب استخدام التكاليف" الصارمة.
وبناءً عليه، فإنه من المجدي بالنسبة لأحد منتهكي قانون الضرائب أن يفكّر مليا قبل خرق إحدى اللوائح أو القوائم مقابل التكاليف، لأن عليه الأخذ في الحسبان احتمال القبض عليه والحكم عليه بالعقوبة القضائية الصارمة في حال إدانته، فإذا ما تحقق هذا فعلاً، عندها يمكن القول إن احتمالية حدوث الجريمة تصبح أقل، هذا إذا قدّر منتهك القانون أنه سيتم القبض عليه. وعلى نحوٍ آخر: الشخص الذي تُخيفه احتمالية القبض عليه جرّاء القيام بجريمة لن يصبح مجرماً.
والآن، هل من المناسب توضيح العوامل الإجرامية من هذا النوع الأحادي السبب عن طريق حسابات اقتصادية بحتة؟ يمكن طرح هذا السؤال بالنظر إلى كافة أشكال الإجرام واستخدام العنف، الذي نادراً ما يتوافر فيه التفكير العقلاني. ولكن يمكن طرح السؤال أيضاً بالنظر إلى منتهكي القانون، الذين على الأغلب يكونون أقرب من عالم الاقتصاد. ومن الأمثلة الجيدة على ذلك، التحايل الضريبي.
لقد عرض أحد الخبراء الاقتصاديين من النرويج، ويُدعى أجنار ساندامو، بالتعاون مع زميله البريطاني مايكل ألينجهام قبل ثلاثين عاماً أو أكثر، نظرية حول سلب الحق بالقوة، والتي تستند إلى نظرية بيكر أيضاً. وما قاله بإيجاز وبساطة مفاده: أن الفرد العاقل يقوم بالتحايل من أجل تحقيق دخل أكبر، كلما شعر بالخوف، من أن يتم اكتشافه والقبض عليه، كانت العقوبة المتوقّعة أعلى، والتي سيتم فرضها في حال إدانته. وتأملاً فيما سبق، يقول النرويجي ، إنه برغم كل شيء، فإن ضبط الجانب الأخلاقي على نحوٍ جيد ومقارن غير واضح على نحوٍ كافٍ عن طريق هذه النظرية، ففي الحقيقة نظراً للضوابط الرخوة نسبياً، والعقوبات الأقل، من المفترض أن تكثر عمليات الانتحال لا أن تقل.
ولكن كيف يمكن تفسير هذه النقاشات ؟ ولتعليل ذلك يوسّع ساندامو نموذجه القديم، ويُقارن الحوافز الخارجية بالمصداقية الداخلية للالتزام بالدفع الضريبي (أي الخوف من عواقب فرض العقوبة). والمقصود هنا، اليقين بأن يفترض المرء أنه بعيد عن أخطار العقوبة. وهذا من جديد يمكن تغييره عن طريق الأنماط والقواعد النابعة من ضمير الفرد، أو المبادئ الدينية.
ولا تبتعد الشريحة الاقتصادية الألمانية ـ السويسرية المؤلفة من لارس فيلد، وبرونو فري، بعيداً عن تبني هذا النموذج إلى حدٍ كافٍ. فهما يريدان إيضاح مصداقية الالتزام الضريبي وبأنه نتيجة لوجود "عقد ضريبة سايكلوجي"، والذي يلتزم به كل مكلّف بالضريبة تجاه الحكومة. وينشأ عن مثل هذا العقد حقوق والتزامات على ولكلا الجانبين: حيث يتوقّع المواطنون مقابل دفعهم الضريبة تزويدهم بالمنافع العامة. وإذا لم تتناسب علاقة "السعر بالخدمة" من وجهة نظر المكلّف بالضريبة، عندها تزداد دوافع الانتحال. وهنا ليس المقصود بالخدمة المعادلة المتكافئة الواردة مباشرةً لدى المواطنين فقط، ولكن كذلك باتباع سياسة حكومية رشيدة وعادلة. وجزء من العقد هو علاقة المكلّف بالضريبة مع سلطات جباية الضريبة. وهنا أيضاً من الممكن تفسيره على هذا الشكل: كلما لقي المواطنون تعاملاً أكثر احتراماً من قبل المسؤولين الحكوميين، تحسّنت أخلاقهم للالتزام بالضريبة ودفعها طوعا.
من المحتمل أن يكون المرء ليس بحاجة إلى ملجأ ذي مصطلح فني ينطوي على "عقد الضريبة السايكلوجي"، وفيما إذا كانت هذه النظرية التابعة لفيلد وفري، تناقض نظرية بيكر فعلاً، هنا حتماً تظهر الشكوك. وهما يوجهان نفسيهما جوهرياً على نحوٍ مختلف: حيث إن سلب الحق الضريبي عن طريق الاحتيال يتوقّف جذرياً على الجانب الآخر، أي الحكومة. فكلما كان عرض المنافع العامة أفضل قياساً بقدر الحجم الفرض الضريبي، وكانت السياسة وسلطات الضريبة الحذرة أفضل، ازداد إخلاص المواطنين من خلال تعاملهم مع الحكومة، وبالتالي سيُقدمون على دفع الضريبة الملزمين بها.
ويرى الخبيران الاقتصاديان أن هذه النظرية تأكدت صحتها فعلياً عن دراسات جرت في سويسرا, حيث تختلف هناك شروط الدفع الضريبي والإدارة، وكذلك مجريات اتخاذ القرار السياسي، بصورة كبيرة. ولقد أوضح فيلد وفيري من ناحية، بناءً على الدراسات الإحصائية، وجود فروق كبيرة فيما يتعلق برعاية شؤون المواطنين عن طريق السلطات، أو بالانتحال من الدفع الضريبي. وبناءً على دراستهما، فقد تمثل الجانب الأخلاقي بالالتزام الضريبي بشكل أكبر، كلما تم تعزيز الديمقراطية المباشرة بقوة في كل جزئية على حدة، والتي تنص على مشاركة المواطنين في المشاركة واعتماد السياسة الحكومية أيضاً.
ويشتكي وزير المالية في الاتحاد منذ فترة طويلة من الوقت من نقص في الحجم الضريبي المفروض، حيث يبدو الأمر بالنسبة له غير قابل للتفسير. ومع كثرة النصائح والاستشارات، في تطبيق ديمقراطية مباشرة، وسريعة قدر الإمكان، فهو يشعر نفسه مجرداً من أية مساعدة. ولكن من الواضح أن المواطنين لديهم الاستعداد والرغبة أكثر في دفع الضريبة، كلما شعروا بالرضا عن السياسة الحكومية المفروضة عليهم. ومن المفترض أن يكون هذا مقبولاً لديه ولو ذهنياً. ولا يمكن القول إن محاربة الاحتيال مسألة مكلفة جداً، والتي عرضتها نظرية بيكر، بأنها الحل الوحيد في كل الحالات.