ساعة المواجهة
ساعة المواجهة
<a href="mailto:[email protected]">asidahmed@hotmail.com</a>
شهد الأسبوع الماضي تراجع أسعار الوقود بالنسبة للمستهلكين في محطات تعبئة الوقود إلى معدلات لم يعهدوها منذ زمن، حتى إن البعض علق أنه لا يكاد يذكر الفترة التي كانت تعبئة خزان السيارة تكلف مبلغا أقل مثل الذي دفعه أخيرا. والإشارة إلى الأسواق في أمريكا الشمالية، فأوروبا محكومة إلى حد كبير بوضع الضرائب التي لا تسمح بتمرير انخفاض سعر الخام مباشرة وبسرعة إلى المستهلك.
خلال الفترة السابقة التي شهدت سعر برميل النفط يتصاعد ويتخطى الحواجز النفسية من 50 إلى 60 ثم 70 دولارا للبرميل، لعبت ثلاثة عوامل دورا رئيسيا في هذا: أولها الطلب القوي المستمر في التصاعد خاصة من الاقتصادات الآسيوية وعلى رأسها الصينية والهندية، ثانيا الظروف الموسمية مثل موسم الأعاصير في خليج المكسيك أو المتغيرات المناخية، وثالثا الوضع الأمني والجيوسياسي الذي يلقي بثقله على الأسعار كذلك.
العامل الثاني المتمثل في الظروف الموسمية كان له القدح المعلى في التراجع الذي شهده سعر البرميل أخيرا وهبط به إلى ما دون 70 دولارا ولأول مرة منذ أربعة أشهر. ويتركز هذا العامل في قرب انتهاء موسم الصيف، وبالتالي التراجع في الطلب على البنزين ووقود السيارات بصورة عامة، وتعتبر عطلة نهاية الأسبوع هذا وهي عطلة ممتدة بسبب عيد العمال يوم غد الإثنين في أمريكا الشمالية، وهو آخر عطلات هذا الموسم، وهي التي يمكن أن تدفع بنحو 50 مليون أمريكي مثلا بسياراتهم إلى السير لمسافات تطول أو تقصر. على أن كمية المخزون من البنزين يبدو كافيا لعبور الفترة حتى نهاية الموسم.
وثانيا أن موسم الأعاصير الذي لعب دورا العام الماضي في دفع الأسعار إلى أعلى بسبب هجمة إعصار كاترينا، الذي لا تزال الصناعة النفطية الأمريكية في خليج المكسيك تعاني منه، لم يشهد هذا العام فورة مدمرة والموسم تجاوز منتصفه، إذ يفترض أن ينتهي في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. وحتى إعصار أرنستو، الذي أثار المخاوف، تجاوز المناطق التي تحتضن مرافق الصناعة النفطية، وبالتالي لم يشكل خطرا.
يبقى عاملا وضع الطلب والعنصر الأمني والجيوسياسي المتعلق ببعض الدول المنتجة. وبالنسبة للأخير فإن القائمة أصبحت محفوظة ومعروفة من تتالي عمليات الاختطاف للعاملين الأجانب في نيجيريا أو حدوث عمليات اشتباكات في منطقة دلتا النيجر، واستمرار غياب قرابة نصف مليون برميل يوميا عن الشبكة الإنتاجية، وتتالي عمليات استهداف المرافق النفطية في العراق، وأن الإنتاج النفطي الفنزويلي يقل عن الحصة المخصصة لها من "أوبك". كل هذه حقائق يبدو أن السوق استوعبتها وتعايش معها من باب الأمر الواقع.
الأمر الذي لا يزال في علم الغيب هو ما يمكن أن تقدم عليه إيران فيما إذا انتهى الأمر بينها وبين الدول الغربية إلى مواجهة بخصوص ملفها النووي وهل يشمل الرد الساحة النفطية. ولإيران بطاقات عديدة يمكنها اللجوء إليها في هذا الجانب، ابتداء من محاولة التأثير على وضع الصادرات العراقية وتقليلها ما أمكن لإضعاف الوضع الأمريكي هناك، كون واشنطن هي الجهة المسؤولية قانونيا وأخلاقيا عما يجري، إلى جانب استخدام صادراتها النفطية سلاحا بتقليل حجمها إن لم نقل وقفها كلية، وانتهاء بسيناريو المواجهة الأشمل المتمثل في وقف مرور الناقلات عبر مضيق هرمز. والمناورات العسكرية الأخيرة التي تم تجريب بعض الصواريخ بعيدة المدى رسالة في هذا المعنى.
في كل هذا فليس لـ "أوبك" التي سيجتمع وزراؤها الأسبوع المقبل في فيينا ما يمكنها عمله، وذلك لأسباب تتعلق بالبعد السياسي للصراع، والمنظمة نأت بنفسها عن الجوانب السياسية، ناهيك عن أن لبعض أعضائها آراء ومواقف تجاه السياسة الإيرانية، لكن سيكون مطروحا سواء بصورة انفرادية أو عامة ما يمكن أن تقوم به المنظمة وأعضاؤها كمجموعة أو فرادى في التعويض عن أي نقص في الإمدادات ينتج عن المواجهة الإيرانية مع الدول الغربية، وهو ما يعود بالنقاش إلى قضايا الطاقة الإنتاجية الفائضة ونوعيتها وبالتالي قدرتها على التعويض.
على كل يبقى الحديث في هذا الجانب نظريا، ليس فقط انتظارا لما يمكن أن يحدث على أرض الواقع، وإنما لوجود عامل آخر يتمثل في أن إيران مثلها مثل أي دولة منتجة أخرى للنفط أصبحت أسيرة العائدات المالية التي تحصل عليها من تصدير نفطها الخام. ويبقى السؤال: إلى أي مدى تستطيع توفير الإرادة السياسية والبدائل التي تجعلها تمضي قدما في سياسة قطع إمداداتها عن الأسواق؟
يبقى أخيرا وضع الطلب العام على النفط وعلى نفط المنظمة تحديدا. والملاحظة الأولى في هذا الصدد أنه خلال فترة الأشهر السبعة الماضية، فإن المنظمة نجحت مرتين فقط في تجاوز السقف الذي وضعته لنفسها وهو 28 مليون برميل، وذلك في شهري شباط (فبراير) وآذار (مارس) الماضيين، بينما كانت تنتج أقل من حصتها في السوق بقية الشهور. وهذا هو الوضع الذي يحتاج الوزراء إلى التركيز عليه في اجتماع الأسبوع المقبل.