اللوبي الإسرائيلي وسياسة الولايات المتحدة الخارجية (3)

<a href="mailto:[email protected]">Ffaheem2006@yahoo.com</a>

يواصل ميرشماير ووالت الباحثان من جامعتي شيكاغو وهارفارد كشف النقاب عن حقيقة العلاقة "الفريدة" بين واشنطن وإسرائيل. ويتحدثان عن قيمة إسرائيل الاستراتيجية للولايات المتحدة, ذلك أن الساسة الإسرائيليين والأمريكيين الموالين لهم لا يتوقفون عن الحديث حول هذا الموضوع.
ويقول الباحثان "حتى وإن كانت إسرائيل قيمة استراتيجية أثناء الحرب الباردة, فإن حرب الخليج الأولى 1990 (حرب تحرير الكويت) كشفت أن إسرائيل أصبحت عبئا استراتيجيا, فلم تستطع الولايات المتحدة استخدام القواعد الإسرائيلية خلال الحرب دون أن تدمر التحالف الكبير الذي نجحت في تجنيده ضد العراق. واضطرت إلى تشتيت مواردها عندما خصصت صواريخ باترويت لحماية إسرائيل وإبعادها عن القيام بأي عمل قد يقضي على التحالف ضد صدام".
وفي 2003 كرر التاريخ نفسه, فرغم حرص إسرائيل الشديد على أن تهاجم الولايات المتحدة صدام, لم يستطع الرئيس بوش أن يطلب منها المشاركة وإلا كان أشعل المعارضة العربية. وهكذا جلست إسرائيل (القيمة الاستراتيجية المزعومة) على جانب الطريق مرة أخرى.
وبداية من عام 1990 وبصفة خاصة بعد الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) كان دعم إسرائيل مبررا بالادعاء بأن كلتا الدولتين مهددتان من الجماعات الإرهابية التي انطلقت من العالم العربي والإسلامي وكذلك من بعض الدول "المارقة" و"الشريرة" التي تدعم هذه الجماعات وتسعى إلى تملك أسلحة الدمار الشامل.
وهذا المنطق يعني أن تعطي واشنطن إسرائيل مطلق الحرية للتعامل مع الفلسطينيين ولا تضغط عليها لتقديم أي تنازلات حتى يتم قتل أو اعتقال كل الإرهابيين الفلسطينيين. وهي تعني أيضا أن الولايات المتحدة يجب أن تعادي وتطارد وتهاجم دولا مثل جمهورية إيران الإسلامية وعراق صدام حسين وسورية بشار الأسد. وهنا ينظر إلى إسرائيل على أنها حليف حيوي ومحوري في الحرب ضد الإرهاب لأن أعداءها هم أعداء الولايات المتحدة. وتبدو هذه الحجة مقنعة في ظاهرها, غير أن الواقع أثبت أن إسرائيل نقطة ضعف وعامل هدم في الحرب على الإرهاب وفي الجهود الأشمل للتعامل مع الدول الشريرة.
وبادئ ذي بدء يجب أن نتذكر أن "الإرهاب" ممارسة وتكتيك تلجأ إليه مجموعات هائلة من السياسيين. وهو ليس خصما وحيدا محددا. فالمنظمات "الإرهابية" التي تهدد إسرائيل (حماس وحزب الله على سبيل المثال) لا تهدد الولايات المتحدة, إلا عندما تتدخل فعليا ضدهم كما حدث في 1982 في لبنان. إضافة إلى ذلك فإن الإرهاب الفلسطيني ليس عنفا عشوائيا موجها ضد إسرائيل أو الغرب, وإنما هو رد فعل لحملة إسرائيلية مستمرة ومطولة لاحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة.
والأهم من ذلك أن القول إن الولايات المتحدة وإسرائيل يجمعهما التهديد المشترك من جانب الإرهاب يعرض الحقائق مقلوبة, ذلك أن الولايات المتحدة تعاني من مشكلة إرهاب بسبب ارتباطها وتحالفها الوثيق مع إسرائيل وليس العكس. فالتأييد والدعم الأمريكي لإسرائيل ليس المصدر الأول للإرهاب المناهض لواشنطن ولكنه الأهم ويجعل النصر في الحرب ضد الإرهاب أمرا بعيد المنال. ولا خلاف على أن عددا من زعماء القاعدة بما فيهم أسامة بن لادن يتحركون بدافع وجود إسرائيل في القدس وبسبب حالة البؤس التي يعيشها الفلسطينيون. وحسبما ورد في تقرير اللجنة التي شكلتها واشنطن للبحث في هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر), فإن بن لادن حرص صراحة على عقاب الولايات المتحدة بسبب سياساتها في الشرق الأوسط وبصفة خاصة بسبب دعمها لإسرائيل, وحاول توقيت الهجمات لإبراز هذه المسألة.
وعلى المستوى نفسه من الأهمية, فإن الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل يسهل مهمة المتطرفين من أمثال بن لادن لكسب التأييد والدعم الشعبي ومن ثم اجتذاب مجندين جدد. وتؤكد استبيانات الرأي أن الشعوب العربية تكن عداء شديدا للولايات المتحدة بسبب تأييدها المطلق لإسرائيل. ووجدت المجموعة الاستشارية لوزارة الخارجية الأمريكية حول الدبلوماسية الشعبية المواجهة للعالم العربي والإسلامي أن المواطنين في هذه الدول يشعرون بالأسى البالغ لما آل إليه حال الفلسطينيين من بؤس وللدور الذي يرون أن الولايات المتحدة تلعبه في إحداث ذلك.
أما فيما يتعلق بالدول المارقة أو الشريرة في الشرق الأوسط, فهي لا تمثل أي تهديد للمصالح الأمريكية الحيوية إلا فيما يتعلق بالالتزام الأمريكي إزاء إسرائيل. ورغم أن هناك خلافات بين واشنطن وبين هذه الدول إلا أنها ما كان لها لتقلق من إيران أو البعث العراقي أو البعث السوري ما لم تكن علاقاتها بإسرائيل شديدة ووثيقة. وحتى إذا ما حصلت هذه الدول على أسلحة نووية, وهو أمر لا ترغبه هذه الدول كثيرا, فإن ذلك لن يكون كارثة استراتيجية بالنسبة إلى الولايات المتحدة. فلا الولايات المتحدة ولا إسرائيل يمكن أن تتعرضا للابتزاز من جانب دولة شريرة تمتلك الأسلحة النووية, لأن القائم بالابتزاز لا يمكن أن ينفذ تهديده دون تعرضه لرد رهيب. كما أن خطورة وصول الأسلحة النووية إلى الجماعات الإرهابية بعيدة للغاية, لأن الدول المارقة التي يفترض أنها ستعطي هذه الأسلحة للجماعات الإرهابية لن تكون متأكدة من أن عملية التسليم ستتم دون مراقبة أو ضبط أو كشف, وفي هذه ستتعرض للوم يتبعه عقاب. فضلا عن ذلك فإن علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل يُصعب عملية التعامل مع هذه الدول. فترسانة إسرائيل النووية عامل مهم يدفع بعض جيرانها إلى السعي إلى الحصول على أسلحة نووية, والتهديد بتغيير هذه الأنظمة يزيد هذه الرغبة. وإسرائيل ليست قيمة أو رصيدا عندما تفكر الولايات المتحدة في استخدام القوة ضد هذه الأنظمة, لأنها ببساطة لا يمكن أن تشارك في القتال.
وباختصار فإن التعامل مع إسرائيل على أنها أهم حليف لأمريكا في الحملة ضد الإرهاب وتجمع النظم الديكتاتورية في المنطقة يبالغ في قدرة إسرائيل على المساعدة على هذه القضايا ويتجاهل الأساليب التي تمارسها إسرائيل مما يجعل جهود الولايات المتحدة متعثرة, كما أن الدعم المطلق لإسرائيل يضعف موقف الولايات المتحدة خارج الشرق الأوسط. فالنخب الأجنبية يرون مبالغة وتطرفا أمريكيا في دعم إسرائيل, ويرون أن غض النظر عن فظائع إسرائيل وقمعها العنيف المتواصل لسكان الضفة الغربية أمر مخل من الناحية الأخلاقية وثغرة كبرى في الحرب على الإرهاب.
وفي نيسان (أبريل) 2004 على سبيل المثال, أرسل 52 دبلوماسيا بريطانيا خطابا إلى رئيس الوزراء البريطاني توني بلير قالوا فيه "إن الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني قد سمم العلاقات بين الغرب والعالمين العربي والإسلامي", وحذروا من أن سياسات بوش وأرييل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي كانت دائما منحازة وأحادية وغير شرعية".
وثمة سبب أخير يدفعنا إلى التساؤل حول القيمة الاستراتيجية لإسرائيل هو أنها, أي إسرائيل, لا تتصرف كحليف محترم. فالمسؤولون الإسرائيليون يتجاهلون بصفة شبه دائمة مطالب ومناشدات ونداءات الولايات المتحدة, وينكثون الوعود التي يقدمونها إلى كبار المسؤولين الأمريكيين بما في ذلك "التعهدات التي قدموها في الماضي للتوقف عن بناء المستوطنات وإيقاف موجة الاغتيالات الموجهة ضد الزعماء الفلسطينيين. إضافة إلى ذلك فقد قدمت إسرائيل معلومات تقنية عسكرية إلى خصوم حقيقيين للولايات المتحدة مثل الصين, وهو ما سماه المفتش العام لوزارة الخارجية الأمريكية "النقل المنظم والمتنامي دون تصريح أو تفويض". وتفيد تقارير إدارة المحاسبات العامة في الولايات المتحدة أن إسرائيل "تدير أشرس عمليات التجسس ضد الولايات المتحدة من قبل أي من حلفائها", فإضافة إلى قضية الجاسوس جوناثان بولارد الذي أعطى إسرائيل كميات كبيرة من المعلومات السرية في مطلع الثمانينيات, التي أوصلتها إسرائيل إلى الاتحاد السوفياتي حتى تحصل على مزيد من تأشيرات خروج اليهود السوفيات في المقابل فقد اشتعلت ضجة كبرى في 2004 عندما كشف النقاب عن أن موظفا كبيرا في "البنتاجون" وهو لاري فرانكلين قام بتمرير معلومات سرية للغاية إلى دبلوماسي إسرائيلي بمساعدة اثنين من جماعة الإيباك (اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة). وإسرائيل ليست الدولة الوحيدة التي تتجسس على الولايات المتحدة, ولكن قيام "الربيبة" بالتجسس على ولي نعمتها وحاميها وراعيها يلقي بمزيد من الشك حول القيمة الاستراتيجية لحليف من هذا النوع. كما نود أن نلفت الانتباه إلى ما يجري الآن بين المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين الموالين لهم لإطلاق سراح بولارد مقابل إطلاق إسرائيل سراح البرغوثي في صفقة تعكس علاقة غريبة لا تمت بصلة للمصالح الأمريكية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي