"الغـــدا الْطيِّــب يعشِّـي"
<a href="mailto:[email protected]">abubeid@binzagr.com.sa</a>
رسائل القُراء أخذت تتزايد لمواقف الرأي والفكر، متابعة لبحث يوم السبت الماضي عما عهدته لسنوات مضت، لكنها محدودة العدد والعدة، وفكرها قاصر، على التأييد والرفض والاستحسان والاستهجان. لم تتطرق أي من الرسائل، قط للدخول في مساجلات فكرية ولا إضافات علمية ولا مداخلات جدلية للعرض والنقاش الموضوعي. اللافت أخيرا طلب انتقال ونقل (الترف العلمي) لهم بدون مجهود وعناء وتعب للبحث عن المعلومة الاقتصادية الاجتماعية وبسرعة وسهولة مثل أخذ المريض علاجه من (كبسولة دواء)، عوضاً عن سطور مكتوبة وقراءات من الأسئلة والأجوبة إيضاحاً للمشكلة ومعرفة الحل المقترح. أسلوب "فسَّر المشكل بأشكل" مرفوض بعد أن خرج الاقتصاد الوطني من مرحلة ("التنفيذ من الباطن" عن طريق طرف ثالث أجنبي)، ليصبح الاتجاه الصحيح والتوجه الأمثل تجسيد فلسفة أولاد الحارة "أن ما حك جلدك مثل ظفرك فتولى أنت جميع أمرك".
بناء الطاقات البشرية من الداخل يتطلب معرفة الإنسان المواطن حقيقة نفسه عملاً ومقدرة، ويفهم احتياجات سوق العمل ومتطلباتها، ويطرق سبيل الوصول لتحصيلها، بناء على افتراض توافرها، أمام مليارات مرصودة في ميزانيات للتعليم والتربية والتعليم العالي والمهني.. إلخ بالحرافة الحديثة والمهارة المطلوبة. تواصل المعرفة الحديثة والقدرة والاقتدار مطلوبة للاستفادة من اجتهادات وتوفيق أساليب إعداد الكفاءات واستثمارات الفوائض المالية وتأسيس كيانات إنتاجية ونافعة. المفاهيم المتواردة والخواطر المعلنة أسهل بكثير من محاولة توفيرها وقيامها. إذا قبلنا أن "المويه تكذِّب الغطاس"، فإن كفاح نصف قرن مضى نراه شاخصا أمامنا في تأسيسات قائمة لنصف قرن. التباكي على النتائج واستهجان الفرضيات التي يزايد عليها المراقبون المتطوعون بكثير الكلام لا يوفر حتى قدرة التوسع في التطوير ناهيك عن البناء. التحدي الكبير لنجاح تحقيق نقلة نوعية، وزيادة الإنتاجية لقدرات الوطن اقتصادياً واجتماعياً، يتطلب أن نعرف بأنفسنا مدى قدرتنا على إدارة ظهورنا لنواقص اقتصادية ومشاكل اجتماعية مهمة، ونبهر بعضنا البعض "بنشاطات معرفية مستوردة تعطي مردودا نفعيا محددا يشغل المجموعة حول الصغيرة وينسيها الكبيرة عن الاجتهاد المطلوب والنفع الضائع". المرهم الطبي بلسم الجرح، ولا يقبله العقل السليم علاجاً للجسم.
الإنفاق المتزايد، تماشياً مع ارتفاع وزيادة هبة دخل الزيت الريعي، على النمو لمشاريع أحجامها وحيويتها وأهميتها واضحة، وليست موضوع نقاش. إضافاتها بدون معرفة لجدواها وتناسقها مع مجموعة دوائر التنمية والاتفاق غير مجد وليس مستحسنا. الاتفاق على فرضيات أهمية أولويات الاحتياجات التنموية الاقتصادية منطقي. مواجهة النواقص الاجتماعية وواقع نواقص الأفراد واحتياجات الفقراء والعاطلين والراغبين في العمل يمثل (إنفاقا فكريا) يتماثل مع الاتجاهات والتوجهات التي نمت وترعرعت خلال نصف قرن مضى، بفلسفة علمية اقتصادية مفترضة، واجتهادات مدارس غربية عتيدة واستشارات دولية رصينة، قليلة الأقلمة للمشكلة الاقتصادية المحلية، وفرضيات عشوائية، للاحتياجات المحلية بدون فرز الأولويات.
الحصيلة المفترضة تعطي نموا واضحا لزيادة السيولة النقدية التي تتفاخر بها المدرسة التقليدية وتراها زيادة الثراء، بينما هي في واقع الأمر لهو في تكاثر وزيادة مقتنيات الأرصدة النقدية. فائدة دخلها في قيمتها الرقمية المتناقصة القيمة مع الزمن لارتفاع أسعار المقتنيات، وليست للاستخدامات الاقتصادية ومنفعتها الاجتماعية. أضرارها الاجتماعية واضحة من شيكات غير مدفوعة وإيجارات غير مسددة، ومشاكل في الأسواق من الخضار للمال وقضايا في المحاكم مكدسة لسنوات طويلة وأحكام غير مطبقة، وخلط بين تعاملات بنكية وفق الشريعة الإسلامية وادعاءات عن قيام بنوك إسلامية.. إلخ. مواجهة المشاكل الاقتصادية الاجتماعية يتطلب تقوية البنية الفكرية تمشيا مع الواقع ومتطلبات العصر.
الاستثمار التنموي الصحيح يجب أن تسبقه معرفة حقيقية لأولويات المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية لإزالة العوائق القائمة في تحقيق الإنتاجية والراحة والعمل والتوافق الاجتماعي والتكافل والاستثمار لصيانة الاقتصاد وتقوية النسيج الاجتماعي. إن عوائق وسلبيات نصف قرن من التنمية والنمو، تحتاج إلى أموال كثيرة وجهود مخلصة، لتعديل مساراتها وإزالة اعوجاجها، ولتوفر أمن الطرق الاستثمارية التنموية للشغل والتشغيل وتقوية الاقتصاد وإتاحة الفرصة لمبادرة المشاركة من الداخل في الفكر والعمل. الاهتمام بالمعرفة والتعليم العملي المقارن بالاحتياجات أكثر أهمية من مركزية التقارير والفرضيات لتوفير خدمات لا تتخلف عن الاحتياجات وقريبة عن النوعية والنتائج المتقاربة مع سوق العمل.
الاهتمام بالبحث العلمي العملي التطبيقي يعتبر مجالاً طيباً للاستثمار لنقصه والحاجة إليه، ولخروج حملة الشهادات العالية من خلف (ماصاتهم) ومعاملهم إلى واقع الحياة الاجتماعية ومعرفة أحوال الناس واحتياجاتهم. كثرة الإنفاق على الأجهزة الإدارية والمظاهر التي لا تسمن ولا تغني من جوع، لا يحقق النمو ولا التنمية. الإنفاق على تأسيس مراكز العلم والمعرفة بعقول راضية بعلمها، تساندها تنفيذيا خبرات وطنية ومستوردة تعطي ثروة يحتاج إليها الوطن وتفيد المواطن، للعمل والإنتاج وفقاً لما عليه الدول التي نأخذ من علومها ونطبقه وفقاً لهوانا ورغباتنا.
الإنفاق على مختلف مجالات الحياة وبنياتها التحتية لا يمكن إهماله، وضروري، امتداداً من قيام المدن الحديثة وربطها بسلسلة المواصلات والطرق وتوفير الخدمات من مجار ومياه وكهرباء حتى تتقارب مستوياتها لتوفر الاستقرار الأسري والبعد عن هدر التواصل عن طريق الجوال والنقال والطيار. توجه الاهتمام بالعلم والمعرفة والتقانة مطلب مهم لأهميته، وخدمة لدعم الاهتمام بالتنمية الاقتصادية الاجتماعية وتحسين الأحوال المعيشية وزيادة الإنتاجية وتقوية القدرة التزاحمية الفكرية والمعرفية والعقائدية والمادية للمواطنين والوطن مقارنة باقتصادات الدول الأخرى. الاهتمام بالعلم والمعرفة والتقانة في الوقت الحاضر ومن منظور حديث المجتمعات ومطالعاتنا للصحف، نتائجه ومخرجاته تتخلف عن احتياجات السوق وفرص العمل ومواجهة الازدهار المنتظر. هبة الدخل الريعي من الزيت المتزايد كثيراً هي في رأي المسؤولين، ستستمر فقط لسنوات قليلة مقبلة بعون من الله. والبنية التحتية التي لاقت الاهتمام الكبير لنصف قرن مضى تحتاج حقيقة إلى صيانة وتطوير مجاراة للزيادة السكانية وتحسن الأحوال المعيشية وتصاعد الطموحات والرغبات. الفوائد تكبر والاستخدامات تزيد ومردودها يتضاعف بقدر رفع مستوى إنتاجية ومعيشة المواطن السعودي عن طريق توفير نظام تعليمي معرفي تقني تكنولوجي يتقارب مع قدرات الغير الذي نسير في ركابه ويعطي نتائج ومخرجات عالية الكفاءة، ويتناسب مع الاحتياجات المحلية والعالمية، وتوفر لاقتصادنا احتياجاته وما يفيض يمكن تصديره كقيمة مضافة حقيقية للدخل دون الحاجة لاستمرار تعليقه على مصدر هبة المولى عزَّ وجل من الزيت الخام.
إننا نعرف بقدر ما نقرأ ونسمع عن البطالة والعطالة والفقر، و(مطنشين) على فظائع المشاكل الاجتماعية المتزايدة عيناتها في الصحافة المحلية إضافة إلى الطلبات والرغبات والاحتياجات المادية للشابات والشباب، دون انعكاس لأضرارها والحاجة لتوفير بنية علاجية نفسية لوقف (شريط المآسي) القائمة. البحث العلمي لهذه الأمور حيوي والطريق لتوفير المعرفة والتوجيه السديد. الأفكار التقليدية والأحكام العشوائية البعيدة عن الواقع تزيد من المشاكل الاجتماعية وتوفر فرصاً واعدة للجيب و"الثواب عند الله" لمن يريد أن يستثمر في معرفتها والإثراء عن طريقها وخدمة المجتمع.
النظرة التجارية والاقتصادية لكثير من الأمور الدارجة اجتماعياً، لا يوضحها منطق "قديمك نديمك"، ولا يعالجها النسيان. النسيج الاجتماعي يحتاج إلى نظرة علمية واهتمام متواصل، ليوفر السياج الاجتماعي الأفضل لمواجهة أمراض العصر الاجتماعية، واتخاذها منطلقات للاستثمار والربح الحلال. التعرف على (القنابل الموقوتة) في مجتمعاتنا من نصف قرن مضى تعطينا فرصاً طيبة للتطور والتقدم. حياتنا داخلة بإيجابيات وسلبيات، معروفة لنا جهراً وعلى مستوى الجهر. نادراً ما نأخذ من أرصدتها عبرة وفائدة ونحن نشق طريقنا في القرن الواحد والعشرين بمشاريع لربع قرن مقبل في الكهرباء والمياه والطرق والسكك الحديدية والموانئ .. إلخ، توفير نمو اقتصادي عادة لا يحقق تنمية ولا يبني (بيوت التكافل) و(حقول الإنتاجية)، وربما يزيد من تباين الأحوال الاقتصادية التطبيقية، ويعقِّد مشكلة المواطن الاجتماعية.
تحقيق النمو مطلب نبيل. الأنبل الاستفادة من الزيادة الكبيرة هبة دخل الزيت الريعي في معالجة الاقتصاد الوطني اجتماعياً في توجيه فوائض الدخل استثماراً في نوعية عالية للعمل والمعرفة والتقانة والتكنولوجيا والعلوم التطبيقية على أسس علمية مستقبلية، وخبرات تنفيذية محلية ومستوردة. المفهوم الذي تفرضه الاتفاقات الدولية الحديثة، يتطلب توفير بنية (علوية وتحتية) علمية حديثة. الوطن والمواطن غير راض عن المتوافر من البنية التحتية. ويطلب المزيد. توجهات الرغبات تفوق القدرات. إصلاح أنفسنا أمر مهم يتطلب منا أن نعي حقيقة أنفسنا، خاصة أن ما يزيد على نصف المواطنين من الشياب والشباب، ومعظم رغباتهم تتخطى قدراتهم المعرفية وضعف إمكاناتهم المادية. ومشاكلهم أكثر من (شوشتهم)، ولا يمكن تهميشهم. إشغالهم في عمل منتج وتسلية بريئة فيه صلاح الوطن ويعتبر من أحسن مجالات الاستثمار. إشراك الشابات والشباب القادر المتعلم المجتهد علميا في القرار والفكر والتخطيط، حتمي لإصلاح الاعوجاج الاجتماعي (حجة وحاجة).
تقديم أفكار واقتراحات من جهة واحدة لا تجدي. المفروض المشاركة الحرة الهادفة الصريحة في الرأي لاختيار أفضليات المتوافر اقتصادياً واجتماعياً، وإقرار الطرق والأساليب لتحقيقها. المجالات كثيرة خاصة أن أبواب أصحاب الحل والربط مفتوحة والصدور مُنْشرِحَة. عصر الاتكالية لكسب المعيشة انتهى بدون رجعة، والمجالات طيبة والفرص الواعدة متوافرة بالعلم والمعرفة والعمل لزيادة (طول مقاس اللحاف) للجسم بدلاً من (التشدق) بالقول (مد رجولك على قد لحافك). والله أعلم.