محفوظ يرحل مطمئنا على فن الرواية
محفوظ يرحل مطمئنا على فن الرواية
25 يوما فصلت بين وفاة نجيب محفوظ أمس الأربعاء وبين فرحته بفوز أحد الأدباء العرب بجائزته التي تمنحها الجامعة الأمريكية في دورتها الجديدة التي تعقد في 25 أيلول (سبتمبر) الحالي، فقد كان محفوظ يسعده دوما فوز أديب جديد كل عام بجائزته، كما لم يهنأ بإطلالة محبيه عليه بهذه المناسبة، فنجيب محفوظ الذي يشيع جثمانه ظهر يوم الخميس كان يسعده دوما التواصل مع الأجيال كافة، فعلى امتداد رحلته مع الكتابة أكثر من 70 عاما أثمرت نحو 50 رواية ومجموعة قصصية ومسرحية قصيرة، فضلا عن كتب أخرى ضمت مقالاته في الشؤون العامة كان يجد كل فرحته في المناقشات الأدبية وصدور رواية جديدة ونيلها ما تستحق من تقدير واهتمام، فقد راهن محفوظ طيلة مسيرته الأدبية على فن الرواية وقفز بها إلى صدارة فنون الكتابة بعد أن كانت في النصف الأول من القرن العشرين في مرتبة متأخرة بعد الشعر وفن المقال.
فقد اكتشف محفوظ مبكرا أن الزمن القادم هو زمن الرواية وخاض معركة مع الكاتب المصري الراحل عباس محمود العقاد الذي كان متحمسا للشعر وحده مستهينا بالرواية، بل رأى أن بيت شعر واحد أكثر قيمة من أهم الروايات، وفي رده على العقاد دافع محفوظ عن فن الرواية قائلا إنها "شعر الدنيا الجديدة".
وبدأت المرحلة الثانية "الواقعية" في مسيرة محفوظ منتصف الأربعينيات بنشر رواية "القاهرة الجديدة" وأتبعها بعدد من الروايات الواقعية "خان الخليلي" و"زقاق المدق" و"بداية ونهاية". وقال إنه انتهى من كتابة الثلاثية الشهيرة "بين القصرين" و"قصر الشوق" و"السكرية" قبل قيام ثورة تموز (يوليو) تموز 1952 في مصر.
واعترف محفوظ بأنه تخلص بعد قيام الثورة من مشاريع روائية عن الفترة السابقة نظرا لتغير الواقع. كما سبق أن استغنى عن كتابة الأعمال الفرعونية التي خطط لها في بداية مشواره الأدبي، مشيرا إلى أن شرط الكتابة ألا تكون جيدة فقط بقدر ما تكون ضرورية.
وتوقف محفوظ عن الكتابة سبع سنوات حتى عام 1959 بحجة أن العالم القديم الذي كان يسعى إلى تغييره بالإبداع تغير بالثورة. وكانت المشاريع الروائية جاهزة لكن حافز الكتابة غير موجود ثم اكتشف أن للواقع الجديد أخطاءه فكتب رواية "أولاد حارتنا" التي نشرتها صحيفة "الأهرام" القاهرية كاملة، رغم اعتراض كثير من رموز التيارات المصرية المحافظة ولم تطبع الرواية في كتاب داخل مصر إلى الآن.
وتجاوز محفوظ في الستينيات أزمة "أولاد حارتنا" بالانشغال بكتابة أعمال ذات طابع رمزي يجسد فلسفة الشك والبحث عن يقين وغاية للحياة وهي روايات "اللص والكلاب"، "السمان والخريف"، "الطريق"، "الشحاذ"، "ثرثرة فوق النيل"، و"ميرامار"، فضلا عن عدد من المجموعات القصصية منها "خمارة القط الأسود" و"تحت المظلة".
في عام 1977 نشر محفوظ إحدى أهم رواياته "ملحمة الحرافيش" واعتبرها بعض النقاد إعادة صياغة لروايته "أولاد حارتنا"، بينما رأى آخرون أنها أبرز أعماله.
ومثلت قفزات محفوظ الفنية من الرواية التاريخية إلى الواقعية والرمزية والملحمية تلخيصا لسنوات من الإبداع وأجيال من المبدعين فلولاه لظل الطريق غير ممهد للأجيال التالية.
وعمل محفوظ موظفا في وزارة الأوقاف إلى أن بلغ الستين وخلال سنوات وظيفته تولى إدارة الرقابة على المصنفات الفنية ثم عمل مديرا عاما لمؤسسة دعم السينما عام 1960 ومستشارا للمؤسسة العامة للسينما والإذاعة والتلفزيون عام 1962 وعين رئيسا لمجلس إدارة المؤسسة العامة للسينما عام 1966 ثم أصبح مستشارا لوزير الثقافة لشؤون السينما.
وحظي محفوظ بعدد من الجوائز في مسيرته بدأت بجائزة قوت القلوب الدمرداشية عن رواية "رادوبيس" عام 1943، ثم حصل عام 1944 على جائزة وزارة المعارف )التربية والتعليم الآن) عن "كفاح طيبة" وجائزة مجمع اللغة العربية عام 1946 عن "خان الخليلي" وتوجت الجوائز المصرية بجائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1970 وعندما أقرت جائزة مبارك كأرفع الجوائز المصرية كان محفوظ أول فائز بها عام 1999.
وأشار تقرير نوبل إلى أن الأعمال التي حاز عنها الجائزة عام 1988 هي روايات "أولاد حارتنا"، "الثلاثية"، و"ثرثرة فوق النيل"، والمجموعة القصصية "دنيا الله".