"الشات" في المحاضرات

"الشات" في المحاضرات

"الشات" في المحاضرات

<a href="mailto:[email protected]">iqtisad@fantookh.com</a>

"عفوا يادكتور، إن المعلومة التي ذكرتها للتو خاطئة، لقد بحثت عنها الآن في جوجل ووجدت جوابا آخر"، قالها أحد الطلبة وهو يرفع إحدى يديه ويشير بسبابة الأخرى إلى شاشة جهازه المحمول.
يحدث هذا الموقف كثيرا في معظم الجامعات التي قامت بالسماح أو بتوفير خدمة الإنترنت لطلابها في قاعات المحاضرات والمباني التابعة لحرمها الجامعي. هذه "الموضة" التقنية انتشرت بشكل كبير في السنوات الأخيرة في العديد من الجامعات في مختلف أنحاء العالم. ويرجع ذلك بشكل مباشر إلى سببين رئيسين. الأول هو الرخص الكبير في أسعار الأجهزة المحمولة ووزنها الخفيف، ما شجع الكثير من الطلبة على شرائها وإدخالها معهم في القاعات الدراسية. السبب الآخر هو تقدم تقنية الشبكات اللاسلكية، مما شجع الكثير من الجامعات (طبعا غير جامعاتنا) على الاستثمار في توفير بنية تحتية تعتمد بشكل كبير عليها.
ولكن توفير آخر التقنيات في القاعات الدراسية لا يعني بالضرورة تقدم المستوى التعليمي وتحسينه. وأكبر مثال على ذلك هو ما قامت به جامعة هيوستن الأمريكية في عام 2002 من نشر كتيب يوضح الإنجازات التي قامت بها الجامعة، وفي هذا الكتيب توجد صورة لقاعة دراسية أخذت من الخلف ويظهر فيها مجموعة من الطلبة وهم يستخدمون أجهزة الحاسب المحمولة. ولكن ما لم يلاحظه الكثير، هو أن أحد هؤلاء الطلبة كان يلعب لعبة "سوليتير"!!، بالطبع فإن الطلبة في الفصول يستخدمون الشبكات اللاسلكية عند توفرها أو يستخدمون الأجهزة الجوالة لربط أجهزتهم المحمولة في الفصول الدراسية.
في إحدى الدراسات المتعلقة بهذا الموضوع، ذكر أحد الطلبة أن عدد الأجهزة المحمولة يزداد كلما ازداد ملل المادة أو دكتورها، وهو بذلك يرمي إلى أن الكثير من الطلبة يتلهون بأجهزتهم وبالإنترنت حتى ينتهي وقت المحاضرة. حتى أن أحد الزملاء الذين درسوا حديثا في الولايات المتحدة الأمريكية ذكر لي أنه رأى أحد الطلبة يشتري بعض حاجاته من موقع "إي باي" الشهير أثناء المحاضرة.
حقيقة فإن هذه معضلة تقف أمام تسخير التقنية في الفصول والتعليم بشكل عام. وينقسم الناس حيال هذه القضية إلى قسمين. فالقسم الأول يعترض على وجود الإنترنت في الفصول الدراسية ويعتبرها وسيلة لتشتيت انتباه الطلبة بشكل كامل. وينتمي إلى هذه الفئة عدد لا بأس به من الجامعات في العالم التي منعت استخدام الإنترنت في القاعات الدراسية. أما القسم الآخر فهو على النقيض تماما، حيث يعتبرون توفير الإنترنت شيئا لا بد منه، بل ويساعد على تعلم الطالب بشكل كبير. وحجتهم في ذلك أن الطالب الذي لا يريد الانتباه للمحاضرة سيقوم بالالتهاء بأشياء أخرى، أسهلها استخدام القلم لرسم بعض الطلاسم على قطعة ورقة بيضاء أو العبث بالجوال!
إن كلا الطرفين من وجهة نظري خاطئ. فتوفير الإنترنت في القاعات الدراسية لا بد أن يدرس بشكل كبير قبل اتخاذ القرار بتوفيرها بشكل كامل أو بمنعها بشكل كامل. فكما هو الحال بالنسبة للإنترنت في كل مكان، فهي سلاح ذو حدين ويجب التعامل معها بما تقتضيه الحاجة. فمثلا مقررات الحاسب الآلي في الغالب قد تحتاج إلى السماح بتصفح بعض مواقع البرامج لكي يستطيع الطلبة من سحب البرامج اللازمة والاستفادة من المحاضرة بشكل كامل، ولكنها أيضا لا تتطلب السماح ببرامج المحادثة أو الماسنجر!
إن العمل على إدخال التقنية والإنترنت في الفصول والمعامل أمر مهم للغاية، ولكن لا بد من وضع سياسة تفصيلية لطرق وآليات استخدامها وتغليب فوائدها وتفادي مضارها. لعلنا نبحث عن بعض الفوائد من تأخرنا في المبادرات السريعة لتفعيل التقنية بالاستفادة من تجارب وأخطاء الآخرين.

الأكثر قراءة