متغيرات جيوستراتيجية

متغيرات جيوستراتيجية

متغيرات جيوستراتيجية

<a href="mailto:[email protected]">asidahmed@hotmeil.com</a>

مع أن العامل الجيوسياسي والأمني عاد ليؤثر في السوق النفطية بصورة تكاد تكون غير مسبوقة، لأنه وعلى غير المرات التي شهدتها السنوات الماضية، فإن العامل النفطي هذه المرة يلعب دورا بصورة شاملة لأحداث متغيرات في الترتيبات السياسية وبطريقة تتجاوز ما عرفته المنطقة من قبل حتى في أوج الاستخدام السياسي للنفط سلاحا.
فحدوث انقطاع في الإمدادات النيجيرية بسبب قيام مجموعة متمردة بخطف بعض العاملين الأجانب أو تخريب بعض خطوط الأنابيب أو انقطاع الإمدادات من فنزويلا بسبب إضراب للعاملين في شركة النفط الوطنية تعتبر كلها أسبابا جزئية تعلي من الجانب الأمني أو السياسي في رفع الأسعار، لكنها تظل محدودة بزمانها ومكانها وأهم من هذا بيئتها المحلية.
هذه المرة يختلف الحضور الجيوستراتيجي لشموله من ناحية وكون اللعبة السياسية تتجه إلى مرحلة من تصادم الرؤى يتم استخدام النفط فيها سلاحا، كما أن القلق يتجاوز حالة انقطاع الإمدادات هنا أو هناك مما يمكن التعويض عنه بصورة أو أخرى من منتجين آخرين، إلى الخوف من استهداف مراكز الإنتاج نفسها في العديد من الدول، الأمر الذي لا يجعل من الطاقة الإنتاجية الفائضة التي بدأ يتزايد حجمها ضمانا يسهم في تهدئة الأسعار أن لم يكن خفضها. ولعل هذا ما يفسر اتجاه سعر برميل النفط إلى الارتفاع رغم أن أساسيات السوق من عرض وطلب ينبغي أن تدفعه إلى التراجع.
تجربة الحظر النفطي الشهيرة في العام 1973 كانت جزءا من استراتيجية عربية شاملة لعب فيها النفط دورا إلى جانب السلاح وبهدف محدد يتمثل في استعادة الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل عقب حرب الأيام الستة الخاطفة. وعندما اشتعلت الحرب كانت المفاوضات تجري بين وفد يمثل الشركات المنتجة من ناحية وآخر يمثل الدول الأعضاء في أوبك من الناحية الأخرى. المفاوضات تباطأت لمعرفة نتيجة ما يجري على أرض المعركة. ومع تحقيق القوات المصرية والسورية عنصر المفاجأة وعبور خطوط الدفاع الإسرائيلية، قطعت أوبك مفاوضاتها مع الشركات ومنذ ذلك الوقت عملت على تحديد سعر برميل النفط منفردة.
حرب الأيام الأربعة والثلاثين التي جرت بين إسرائيل وحزب الله تمثل مشهدا جديدا في لوحة النفط والسياسة. فهناك البعد الإيراني في الصراع من خلال دعم حزب الله بالمال والسلاح. وإيران في النهاية دولة نفطية مؤثرة تحتل المرتبة الثانية داخل منظمة أوبك ورؤاها سيكون لها تأثير فيما يتعلق بوضع الأسعار والإمدادات فيما إذا أصبحت اللاعب الرئيس في المنطقة.
ومن هنا صراع الرؤى بينها وبين الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة، وهو الصراع الذي يكتسب له أبعادا كثيرة على رأسها هذه الأيام الملف النووي ورغبة طهران في الانضمام إلى هذا النادي كوثيقة تأمين لها حتى بكل ما يمكن أن يكلفها هذا وخلق أوضاع جديدة في المنطقة.
عقد السبعينيات المضطرب أعقبته فترة من الهدوء وهبوط في السوق النفطية أبرز ملامحه الانهيار السعري الذي شهده منتصف عقد الثمانينيات ودخول الدول المنتجة في مرحلة من الارتهان لسلعة النفط، التي تمثل لها النافذة الرئيسة للحصول على إيرادات مالية تمكنها من تسيير أمورها. وهذه نتيجة طبيعية لتحول السوق لصالح المشترين واعتماد الدول المنتجة على عائدات النفط بصورة أساسية، وهو ما أدى عمليا إلى تراجع في أي حديث عن استخدام النفط سلاحا في المعارك السياسية.
على أن قضايا الصراع العربي الإسرائيلي بمختلف جوانبه لم تنقطع، بل أدى الفشل في أتباع طريق الحلول السلمية إلى تعقد المشهد السياسي بل وبروز مشاكل جديدة تتمثل في انبعاث خطر الإرهاب وغياب أي مشروع قومي للنهوض بالمنطقة ثم التدخلات الغربية الغليظة بقيادة الولايات المتحدة لفرض الإصلاح، وهي محاولات عادت بمردود لم تستطع واشنطون تقبله مثل فرز الانتخابات لتقدم قوى أسلامية لا تحبذها واشنطون.
وهكذا في تداعيات هي أقرب ما تكون إلى العفوية منها إلى الترتيب المسبق بدأت الأمور تتجه إلى تصادم رؤى دفع به تفاقم أزمات المنطقة التي زاد في تعقيدها التعاطي الأمريكي المسلح بالجهل بتعقيدات الأوضاع في المنطقة والغرض النابع من الهوى الإسرائيلي.
مجرد صمود حزب الله لمدة 34 يوما في وجه أعتى قوة عسكرية ضاربة في المنطقة اعتبر انتصارا له بعد استراتيجي، وهو ما تسعى إيران إلى تجييره سياسيا، بينما يسعى معسكر الولايات المتحدة إلى الحصول من خلال الأمم المتحدة على ما لم تستطع إسرائيل تحقيقه عسكريا. ومن ثم تبدو جبهة جنوب لبنان والملف النووي الإيراني ملفا واحدا، الأمر الذي يغري طهران بالتلويح بكرت استخدام النفط سلاحا في معركتها هذه لأنه وللمرة الأولى فإن جزءا كبيرا من القرار العسكري والسياسي والنفطي تتجمع كلها في يد واحدة بما ينذر بمواجهات متتالية في المنطقة سيكون النفط أحد وجوهها فقط، بينما الجائزة المنتظرة هي الترتيبات الإقليمية وأوزان اللاعبين فيها.

الأكثر قراءة