الدعم بالأصول الثابتة يميّز الصكوك الإسلامية عن السندات التقليدية
إن أفضل وصف للصكوك الحديثة، التي يشار إليها أحياناً بالسندات الإسلامية، هو اعتبارها شهادات استثمار إسلامية. وهذا التميز مهم، ويتم التأكيد عليه عبر عدد كبير من الأعمال الرائدة من حيث إن الصكوك يجب ألا يتم اعتبارها فقط كبديل عن الأوراق المالية التقليدية التي تعتمد على منح الفائدة.
ولا يتمثل الهدف ببساطة في هندسة منتجات مالية ثابتة الفائدة تحاكي الكمبيالات، والسندات، وإشعارات الفائدة المعومة، كما يفهم من ذلك في الغرب، إنما بدلاً من ذلك يتم تطوير أنواع مبتكرة من الأصول التي تمتثل للشريعة الإسلامية.
هناك عدة مفاهيم في الصكوك الإسلامية يجب توافرها ليحق لها التمتع بهذا الاسم أو التوافق مع الشريعة الإسلامية وهي:
شفافية ووضوح الحقوق والالتزامات، أن يكون الدخل المتأتي من الأوراق المالية ذا علاقة بالهدف الذي من أجله يستخدم التمويل، ولا يشتمل على الفائدة، وأن تكون الأوراق المالية مدعومة بأصول أساسية حقيقية، عوضاً عن كونها مشتقات ورقية ببساطة.
وحسب مجلة "إسلاميك فياناس نيوز" تبرز فعلياً الأوراق المالية الثابتة المدخول كصنف مهم من الأصول، وعلى الأرجح أنها مهمة للمستثمر المسلم، كأهمية السندات التقليدية للمستثمرين بشكل عام. إضافة إلى ذلك، فإن امتلاك الصكوك من قبل غير المسلمين الذين يملكون فعلياً سندات تقليدية، يدخل صنف أصول جديداً في محافظهم المالية، جالباً مزيداً من التنويع المرحب به، واحتمال تقليص المخاطر أيضاً.
شرعية الصكوك
في فصل من كتاب بعنوان: السندات الإسلامية؛ دليلك إلى الإصدار، والهيكلة، والاستثمار في الصكوك Islamic Bonds: Your Guide to Issuing, Structuring and Investing in Sukuk، يقوم الأستاذ رودني ويلسون من جامعة دورهام Durham University في بريطانيا، بتسليط الضوء على شرعية الصكوك. ويشير إلى أن أكاديمية الفقه Fiqh Academy التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي Organization of Islamic Conference توافق على أن الشريعة تشجع توثيق العقود كما نصت عليه الآية 282 من الجزء الثاني من القرآن الكريم: "يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه... ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا."
ويقول إنها بعد أن تخضع للتوثيق القانوني المناسب، فإن أكاديمية الفقه وبموجب القرار رقم 5 لعام 1988 أقرت بما يلي:
أن أية مجموعة من الأصول يمكن تمثيلها بإشعار أو سند مكتوب، وأن هذا السند أو الإشعار يمكن بيعه بحسب سعر السوق، مشروطاً بأن يتمثل تمثيل عناصر مجموعة الأصول بورقة مالية تشتمل على غالبية الأصول المادية والحقوق المالية، على أن يكون جزء قليل فقط بشكل نقدي وديوناً شخصية متبادلة.
ويشير إلى أن عدداً من علماء الشريعة، وأشهرهم القاضي محمد تقي عثماني، أكدوا على أن واحداً من الملامح المميزة التي تؤكد شرعية التمويل الإسلامي هو أنها تتضمن تمويل التداول في، أو إنتاج الأصول الفعلية. إذ إن مجرد تمويل شراء أوراق مالية سينطوي على نظام تمويل ثانٍ يماثل الإقراض للمشتقات، وبناء عليه سيكون تمويل رأس المال اللاحق محفوفاً بالمخاطر ويزيد من عدم اليقين (الغرار).
بينما في المرابحة يتم شراء السلع نيابة عن الزبون، وإعادة بيعها للزبون، فالملكية المؤقتة للسلعة تبرر زيادة سعر الممول، كما يوضح. ويستمر قائلاً إن الاستسناه ISTISNAH من ناحية أخرى، تتضمن تمويل الطاقة التصنيعية من خلال دفعات قبل الإنتاج، ولكن الأخيرة تتعلق ببناء أو شراء معدات يمكن بواسطتها تحديد الطاقة الفعلية. وبالمثل، يتابع قائلاً فإن الإيجارة تنطوي على تأجير أصول فعلية، مع استخدام الأصول التي تبرر دفعات الإيجار إلى المالك. وحيث إن التمويل الإسلامي هو نظام مشاركة بطبيعته فإن المشترين لأوراق الصكوك المالية يملكون الحق بشكل مثير للجدل بالحصول على معلومات حول الأهداف التي من أجلها يتم تخصيص أموالهم. وبعبارة أخرى، فإن التمويل الذي يتم جمعه بواسطة إصدار السندات الإسلامية يجب أن يكون مرهوناً بعقارات أو يفرد لغرض مخصص بدلاً من استخدامه لأغراض عامة غير محددة، سواء كان الذي قام بالإصدار جهة سيادية أو شركة. ويتضمن ذلك أنه يجب أن تكون هناك أصول محددة تدعم السندات الإسلامية.
التجربة الماليزية في الصكوك
إن واحداً من مزايا الكمبيالات والسندات التقليدية هو أنها تستعمل كأدوات إدارية سائلة، بيد أن البنوك الإسلامية لا تستطيع بالطبع الاحتفاظ بمثل أدوات الربا تلك. وأول محاولة للتغلب على مشكلة السيولة التي تواجه البنوك الإسلامية نفذها بنك نيغارا الماليزي Bank Negara Malaysia (البنك المركزي) في شهر تموز (يوليو) 1983، بعد أن بدأ أول بنك إسلامي في ماليزيا عملياته، عندما تم إدراك أن البنك الإسلامي الماليزي Bank Islam Malaysia لا يستطيع الاحتفاظ بالأوراق المالية الحكومية أو سندات الخزينة التي تعطي فائدة.
بناء عليه تم إصدار أوراق بدون فائدة، على الأخص شهادات الاستثمار الحكومية، وإصدارات الاستثمار الحكومية. وكان باستطاعة البنك الإسلامي الماليزي امتلاك هذه الشهادات، والتي مثلت قرضاً منفعياً (قرض حسنة) للحكومة. ولم يكن هناك معدل فائدة محدد مسبقاً على هذه الأوراق المالية، وبدلاً من ذلك، فإن معدل العوائد سيتم الإعلان عنه من قبل الحكومة بحسب "حكمها المطلق"، آخذة في الاعتبار نطاقاً من المؤشرات، بما في ذلك ظروف الاقتصادات الكبيرة، ومعدل التضخم، والعائد على أدوات مماثلة.
وبناء عليه، تم في 18 كانون الأول (ديسمبر) 1993، إصدار توجيهات حول الطريقة التي ستعمل بها سوق المال الإسلامية الجديدة ما بين البنوك. تم افتتاح السوق في 3 كانون الثاني (يناير) 1994 في كوالالمبور، وتمثلت مهماته الرئيسية في تيسير تداول الأدوات المالية الإسلامية بين البنوك، على الأخص استثمارات المضاربة بين البنوك، مما وفر آلية تستطيع بواسطتها مؤسسة مصرفية إسلامية تعاني من العجز (بنك مستمر به) الحصول على تمويل من فائض ما.
وأدخلت كاغاماس Cagamas، شركة الرهونات العقارية الوطنية في ماليزيا National Mortgage Corporation of Malaysia، برنامجاً جديداً لشراء "ديون شراء إسلامية أعلى" وذلك في كانون الأول (ديسمبر) 2001. ويوضح هذا البرنامج، إلى جانب إطلاق صناديق تبادل إسلامية تعتمد على استثمارات الصكوك من قبل بنك أر إتش بي RHB Bank، كيفية إطلاق ماليزيا المبدعة منتجات مالية إسلامية جديدة.
صكوك البحرين السيادية
في عام 2001 قدمت مؤسسة نقد البحرين للمرة الأولى في منطقة الخليج، سندات حكومية تبلغ قيمتها 25 مليون دولار أمريكي، على شكل ورقة مدتها ثلاثة أشهر، تمت الإشارة إليها على أنها أوراق صكوك مالية إسلامية. وبواسطة هذه الأوراق المالية الجديدة، تغلبت البحرين على مشكلة السيولة بتوفير عائد ثابت، يساوي 3.95 في المائة بنسبة سنوية، لأول إصدار خاص بسندات إسلامية لا تعتمد على الفائدة. وتم حساب العائد بالعلاقة مع المنفعة الفعلية التي تتوقع الحكومة الحصول عليها على الأموال، بدلاً من العلاقة مع معدلات الفائدة في السوق. واستحقت الأوراق المالية الأولى في 12 أيلول (سبتمبر) 2001، وتم إطلاق إصدار جديد، وهي عملية تم تكرارها كل ثلاثة أشهر. بحلول شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2003، تجاوز إجمالي المحفظة المالية للصكوك التي تدار من البحرين مبلغ مليار دولار أمريكي، وتبدو التوقعات للأعوام المقبلة مشجعة جداً.
وفي شهر شباط (فبراير) 2002، تم في البحرين تأسيس مركز إدارة السيولة الإسلامي Islamic Liquidity Management Center، بمساهمة كل من بيت التمويل الكويتي Kuwait Finance House، وبنك دبي الإسلامي، وبنك البحرين الإسلامي، بمبلغ خمسة ملايين دولار كل على حدة للمركز. يتم شراء الأصول الممتثلة للشريعة من خلال المركز من جانب الحكومات، والمؤسسات المالية، والشركات، ثم يتم تجميعها. عقبها يتم إصدار الصكوك اعتماداً على قيمة الأصول الأساسية، ومن ثم يمكن تداولها.
صكوك قطر العالمية
في عام 2003، تم إصدار صكوك قطر العالمية Qatar Global Sukuk بقيمة 700 مليون دولار أمريكي، مما جعلها أكبر صكوك في ذلك الوقت تستحق الشهادات في عام 2010. وقامت الحكومة القطرية، بصفتها البائع، بتسليم الجهة التي قامت بالإصدار قطعة من الأرض، والتي تم في المقابل تأجيرها مرة أخرى لعدة سنوات، ثم تؤول من بعدها ملكية الأرض مرة أخرى إلى الحكومة. ويتم التسديد بموجب اتفاقية إيجارة رئيسية، بوجود بنك إتش إس بي سي HSBC الذي يعمل كمدير للدفعات. أما عوائد مالكي الشهادات فهي متغيرة، ويتم حسابها على أساس" معدل الفائدة التي تتقاضها البنوك الدولية فيما بينها على القروض" (المعروف عالميا باسم (Libor المرتبطة بصناديق الدولار، إضافة إلى نسبة 0.4 في المائة لكل سنة ميلادية، مما يجعل الشهادات تنافسية، ومماثلة لإشعارات الفائدة العائمة التقليدية. ويمكن انتقاد هذا البند، ولكن يجب الإشارة إلى أن معدل Libor يستخدم كإشارة مرجعية، والعوائد ذاتها لا تمثل دفعات الفائدة، إنما عوضاً عن ذلك إيجارات تتعلق بالأصل الأساسي الفعلي- قطعة الأرض التي تم تأجيرها التي قدمتها حكومة قطر. ورغم ذلك، سيكون من الأفضل في الأجل الطويل إذا تم تحديد إشارات مرجعية عن معدل Libor، وبالتحديد إذا تم حساب العوائد بالعلاقة مع ربحية المشاريع التي يتم تمويلها بواسطة الصكوك. أما في حالة الصكوك السيادية، فإن مؤشرات الاقتصادات الكبيرة مثل نمو الناتج المحلي الإجمالي الفعلي يمكن استخدامه، أو نمو الناتج المحلي الإجمالي غير المتعلق بالنفط في حالة الدول مثل قطر، لتجنب أن تخضع العوائد للمخاطر المباشرة لأسعار النفط.
نطاق الصكوك السيادية في السعودية
لقد أصبحت السوق السعودية فيما يتعلق بالسندات الحكومية أكثر تطورا وتعقيداً في السنوات الأخيرة، مما يعكس جزئياً نمو الدين الحكومي، والجهود المستمرة لإيجاد وسائل أكثر لتمويله. وكانت الحكومة مبدعة ومبتكرة بشكل متزايد في تمويله، مع الاستخدام المتزايد لاتفاقات البيع وإعادة الشراء قصيرة الأجل جداً (المعروفة عالميا بمختصر" الريبو REPO " ). وهي عبارة عن قروض قصيرة الأجل تستخدم فيها سندات الخزينة كضمانة، أو الأصل الذي يتلقاه المقرض إذا لم يسدد المقترض القرض. وتتولى مؤسسة النقد العربي السعودي SAMA هذه العمليات من خلال عملياتها مع البنوك التجارية، ويستخدم الريبو كأصول سائلة لهذه البنوك.
وبالنظر إلى النطاق المتزايد من أدوات الدين المستخدمة في السعودية، فإن ذلك سيعد تقدماً طبيعياً لدى إدخال وتعريف" السندات الإسلامية" بهدف تطوير السوق المالية أكثر فضلا عن توسيع اختيارات المستثمرين. ويمثل تأسيس "هيئة سوق المال"الجديدة في عام 2004، فرصة للسعودية لكي تلعب دوراً أكثر نشاطاً في إطلاق الصكوك.
وستعني الأوراق المالية الإسلامية أن المؤسسات الإسلامية المتفانية مثل مصرف الراجحي سيكون قادرا على الاحتفاظ بالسندات الحكومية. وسيسهل ذلك إدارة السيولة لديها. والشيء ينطبق نفسه على المؤسسات المصرفية الأخرى مثل بنك الجزيرة، الذي بصدد تحويل عملياته لضمان امتثاله للشريعة، الذين سيكونون موجودين في السوق للتعامل بمثل هذه الأوراق المالية. علاوة على ذلك، ففي الوقت الذي تزيد فيه المؤسسات الكبرى مثل البنك الأهلي التجاري التزاماتها التي تمتثل للشريعة بقبول الودائع الإسلامية، فهناك حاجة لأصول سائلة مماثلة، مثل السندات الإسلامية.
<p align="center"><img title="" height="256" alt="" src="/picarchive/EQT_P29_26082006_ED100d53.jpg" width="499"></p>
خاتمة
تسلط هذه التطورات الضوء على الاهتمام المتنامي بسرعة بالصكوك. ومن المحتمل أن تكون إصدارات الصكوك، بدلاً من نمو الأصول المصرفية الإسلامية، هي التي ستشكل معظم التطورات في قطاع التمويل الإسلامي في العقد المقبل.