إصلاح وضعية الشركات المتعثرة يبدأ من المجالس الإدارية
<a href="mailto:[email protected]">f.albuainain@hotmail.com</a>
كثيرا ما يتحدث المختصون عن الشركات المساهمة المتعثرة وخطرها على سوق الأسهم ويتناسون، عن غير قصد، ملاك أسهم تلك الشركات الذين استثمروا أموالهم فيها بغية تحقيق العوائد السنوية والنمو المتوقع. قد يبرر البعض أحادية التفكير في تحديد مكامن الخطر إلى مسؤولية المساهمين عن إهمال وضعية شركاتهم بسبب سلبيتهم في اختيار ومحاسبة مجالس الإدارات، وتجاهلهم المستمر لحضور الجمعيات العمومية ومناقشة أوضاع شركاتهم والاطلاع عن كثب على أنشطتها الإنتاجية، المالية، والإدارية.
يمكن أن يكون للثقافة الاستثمارية السائدة لدى المستثمرين السعوديين دور في تفشي ظاهرة تجاهل حضور الجمعيات العمومية ومناقشة مجالس الإدارات في أدائها السنوي اعتمادا على النتائج المحققة، فغالبية المستثمرين في سوق الأسهم هم ممن يبحثون عن نمو السهم السعري، ويتجاهلون النمو الحقيقي الذي يفترض أن تبنى عليه الأهمية، والقرارات الاستثمارية، وهو نمو الربحية المفضي إلى التوزيعات النقدية السنوية.
بعيدا عن تحديد الخطأ والصواب فإن للشركات المساهمة تأثيرات سلبية وإيجابية مزدوجة بحسب أدائها الإنتاجي والسعري. أداء الشركات الإنتاجي يعتمد على الإدارة الفاعلة التي تجتهد في استثمار موارد الشركة المتاحة لتحقيق الكفاءة الإنتاجية والربحية العالية، أو ما يمكن أن نطلق عليه المنفعة التامة لحملة الأسهم. أما أداء السهم وتحركه السعري في سوق الأسهم فهو يعتمد اعتمادا كليا على أداء الشركة وربحيتها ومستوى النمو المتوقع فيها، وهي أمور ذات علاقة مباشرة بالإدارة. لذا يمكن القول إن مجالس الإدارات تتحمل الجزء الأكبر في تحديد كفاءة أداء الشركة و جاذبية أسهمها في سوق التداول.
المجالس الإدارية هي القائد والموجه الحقيقي للشركات المساهمة، وعلى كاهلها تقع مسؤولية النجاح والفشل، ومن خلالها يمكن إعادة هيكلة الشركات بما يضمن لها الربحية وكفاءة الأداء. ولعلنا نستشهد ببعض الشركات المتعثرة التي استطاعت أن تتجاوز خسائرها المتراكمة، وأن تحقق أرباحا مجزية للمساهمين في فترة زمنية بسيطة بفضل الدماء الجديدة التي دخلت على مجالس إداراتها. لا يمكن القبول باستمرارية مجالس الإدارات التي لم تحقق النجاح لشركاتها إلى مالا نهاية، فالشركات الخاسرة تمثل عبئا حقيقيا على الاقتصاد الوطني، وخسارة فادحة للمساهمين الذين لا حول ولا قوة لهم، إضافة إلى ما تمثله من خطر دائم على سوق الأسهم السعودية. فكثرة الشركات الخاسرة تؤدي إلى إضعاف قاعدة سوق التداول وتساعد على التغرير بالمستثمرين الذين لا يدركون معنى قوائم الشركات المالية، فيتجاهلونها عن غير قصد، ويجعلون جل ثقتهم بالسوق السعودية، والجهات الرقابية التي تشرف عليها.
أعجب من بعض أعضاء مجالس الشركات الذين يصرون على الاستمرار في مواقعهم بالرغم من فشل الشركة وتحملها خسائر متراكمة خلال مدة إدارتهم لها، في وقت لا يملكون فيه إلا الحد الأدنى من الأسهم التي تؤهلهم للاحتفاظ بعضويتهم في المجلس. وقد نقلت لنا جريدة " الاقتصادية " ما حدث تفصيلا في جمعية إحدى الشركات التي تحولت إلى معركة قوية بين قوى الإصلاح الشابة، باستراتيجياتها الواضحة، وبين الأعضاء السابقين الذين يصرون على البقاء في مجلس الإدارة إلى مالا نهاية. ترى لو كانت هناك قوانين وأنظمة تحكم آلية إعادة الترشح لمجالس الإدارات اعتمادا على الأداء، هل كنا سنصل إلى هذه النقطة الحرجة التي تغلب فيها المصالح الخاصة على المصلحة العامة؟.
القوانين والأنظمة يمكن لها أن تحدد الأطر العامة الكفيلة بحفظ حقوق جميع الأطراف ذات العلاقة بالشركات المساهمة. لذا فإن المستثمرين والمراقبين ما زالوا يناشدون الجهات الرسمية بالتعجيل في إقرار نظام "حوكمة الشركات" وهو النظام الكفيل بتحديد الأطر النظامية التي تحكم عمل إدارات الشركات وتنظيم العلاقة القانونية بين المساهمين ومجالس إدارات الشركات السعودية. اللوائح القانونية هي التي تحكم قرارات المجالس الإدارية وهي التي تسمح بمقاضات الأعضاء اعتمادا على أدائهم الإداري تحقيقا للنزاهة والشفافية، وفيما يصب في مصلحة الشركة والمساهمين على وجه الخصوص.
القوانين الرسمية هي التي تحمي المساهمين من تجاوزات بعض مجالس الإدارات غير المنضبطة، ومن خلالها يمكن وضع أعضاء الإدارات المختلفة تحت الرقابة القانونية وتحت سلطة النظام وهو ما سيساعد كثيرا في إرغام المجالس غير المنضبطة على التغيير من أساليبها الإدارية السلبية تجاه الشركات التي يديرونها. القوانين والأنظمة سوف تحكم العلاقة المالية بين الأعضاء والشركة، وستنظم عمليات الإقراض الوهمية التي استغلت في فترة من الفترات للاستحواذ على أسهم زيادة رساميل بعض الشركات بأسعارها التفضيلية.
إقرار "نظام حوكمة الشركات" سيكون الأداة الفاعلة لعلاج الكثير من المشاكل الإدارية والمالية التي تواجهها الشركات المساهمة، وسيكون السند القانوني للمساهمين والمرجعية المثلى لحل الخلافات الكثيرة التي تنشأ بين المساهمين والمجالس الإدارية. وسيساعد كثيرا في دعم وإصلاح سوق الأسهم، من مبدأ إن إصلاح السوق يبدأ من إصلاح وضعية مجالس الشركات المتعثرة. نأمل أن تختفي كلمة "الشركات المتعثرة " نهائيا من سوق الأسهم السعودية، وعلينا جميعا تقع مسؤولية تحقيق هذا الهدف الوطني، الجهات الرقابية، الاستشارية، مجالس الإدارات، حملة الأسهم، والمتداولين، فإن لم نستطع، فلا مناص حينها من مطالبة الجهات الرقابية، بعزل مجالس الإدارات الفاشلة، ومن ثم استبعاد الشركات ذات الخسائر المتراكمة من سوق الأسهم السعودية.