مئات الآلاف من أوروبا الشرقية يتدفقون إلى سوق العمل

مئات الآلاف من أوروبا الشرقية يتدفقون إلى سوق العمل

لا يوجد لدى "طوني آدمز" أية مشكلة في إيجاد عمّال بناء. منذ أن فتحت المملكة المتحدة سوق العمل للأيدي العاملة الوافدة من أوروبا الشرقية، حيث يقف البولنديون، والتشيك، والسلوفاكيون، والليتوانيون، في صفوف طويلة أمام مواقع البناء والأسواق الإنشائية البريطانية. ويُقدّر رجل الأعمال هذا عدد الرجال الذين لجأوا إليه يطلبون عملاً في يوم واحد بنحو عشرين شخصا. ولكنه لم يكن لديه أعمال شاغرة سوى لثلاثة منهم. وبالفعل فإن مواطني شرق أوروبا مرحّب بهم جداً في بريطانيا. "أنا لا أوظفهم لأنهم يتقاضون أجراً أقل، ولكن لأنهم أفضل، حيث إن البريطانيين كثيرو الشكوى، ويريدون العمل بنصف القدر ويتلقون ضعف الأجر".
ويهاجر في الوقت الراهن إلى بريطانيا الكثير من الناس كما لم يسبق له مثيل من قبل. وقدم في العام الماضي المزيد من الأجانب إلى المملكة المتحدة بنحو 223 ألف أكثر من الذين غادروها. "ويمكن القول أن هذه الموجة من الهجرة الفردية هي الأكبر على الأغلب، والتي عاشتها الجزيرة البريطانية"، هذا ما ورد عن جون سالت، خبير الهجرة في مجلس الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية، حيث ارتفع عدد الأيدي العاملة الأجنبية إلى قيمة قياسية بلغت نحو 1.5 مليون، وبالتالي بلغت نسبة الأجانب ضمن السكّان المتقدمين للعمل نحو 5 في المائة ولكن هذه قليلة بالمقارنة مع نسبة 9 في المائة الموجودة في ألمانيا. وعلى أية حال، فإن الشعب البريطاني مزيج ملوّن من القوميات المختلفة. ويمكن للمهاجرين الحصول على الجواز البريطاني مباشرةً عقب خمسة أعوام من الإقامة داخل البلد بكل سهولة.
ويعزو سالت هذا التدفق الكبير إلى توسعة الاتحاد الأوروبي باتجاه الشرق، عندما عمدت بريطانيا، وإيرلندا، والسويد، إلى فتح أسواق العمل مباشرةً لمواطني الاتحاد الأوروبي الجدد. وتشير التقديرات إلى قدوم ما يزيد على 300 ألف مواطن من أوروبا الشرقية. وبالأخص من بولندا، الذين حاولوا البحث عن حظهم على الجزيرة، حيث لا يمكنهم سوى الحلم بمثل هذا المعدل من الأجر البريطاني في موطنهم، هذا إذا ما تمكنوا من إيجاد عمل هناك وبحجم من البطالة العمالية بنسبة 16 في المائة.
ويتوقّع سالت، أن يحلّ البولنديون سريعاً محل الإيرلنديين كأكبر مجتمع للمهاجرين في بريطانيا. ويمكن سماع اللهجة الإنجليزية المتكسّرة والمختلطة بالبولندية في أرجاء الجزيرة كافة، وليس على مواقف الحافلات فقط، ولكن في المطاعم، والفنادق، والمتاجر الكبيرة، وحضانات الأطفال. ويعيش الكثير من البولنديين في المنطقة السكنية والتي تُدعى "كرو" في مدينة تشيشير، والتي تضم نحو 45000 مواطن، ونتيجة للمقدار الهائل من البولنديين هناك، تقدّم إدارة المدينة ترجمة لموقعها على الإنترنت باللغة البولندية. "باول – السبّاك"، هذه المفردة المستخدمة في الإعلام اليوم كمرادف للعامل والحرفي من شرق أوروبا، وعادةً ما يتم استخدامها على نحوٍ ازدرائي أحياناً، أو للفكاهة أحياناً أخرى.
وينظر البريطانيون إلى هذا التدفّق بمشاعر مختلطة فمن ناحية، هناك حاجة للمهاجرين في الكثير من القطاعات الاقتصادية في الدولة، وليس كسبّاك فقط، والتي تكمن الحاجة لها عموماً بصورة أساسية. بالإضافة إلى أن مواطني شرق أوروبا يقدّمون خدماتهم مقابل أسعار أكثر زهداً، وغالباً يوثق بها أكثر من المنافسة المحلية. وفي الحقيقة، يُفترض برئيس حزب المملكة المتحدة المستقل، أحد أكبر وأشد المعارضين للاتحاد الأوروبي، أن يتخلى عن مبادئه للتحديث في المملكة، وأن يوافق على توظيف البولنديين.
ومن ناحية أخرى، يخشى المواطنون الأصليون، تماماً كما هي الحال في أي مكان آخر من العالم، أن يعمل المهاجرون على إيجاد الصراع حول وظائفهم، هذا ما يحذرّ منه الساسة المتحفظون على زيادة حجم الاستيطان، حيث إن المساحة السكنية لا تكفي لعدد كبير من الناس، والشوارع مزدحمة إلى درجة تعطّل السير أحياناً، والمستوى وجودة الحياة في انخفاض. وبرغم هذا، يرى الخبراء الاقتصاديون منافع اقتصادية في هذه الهجرة، حيث إن حجم العروض المرتفعة ستعمل على خفض الأجور، وتحد من تضخم الأسعار، وستمكّن بنك بريطانيا من الحفاظ على الفوائد ضمن أسعار متدنية، كما يجادل نادي إيرنست آند يونج كلوب. والذي يرى أن الفوائد من الممكن أن تكون أقل بنحو نصف نقطة في المائة مع تدفق الأيدي العاملة الرخيصة من الشرق. وتمنح الهجرة خلال هذا العام نمواً اقتصادياً أعلى بنحو 0.2 نقطة في المائة، ونحو 0.4 نقطة في المائة خلال العام المقبل. وتستفيد المالية البريطانية من هذه أيضاً، حيث أسهم المهاجرون من شرق أوروبا هذا العام بنحو 300 مليون جنيه استرليني (450 مليون يورو).
وتظهر بريطانيا منذ الفترة الاستعمارية، وكأنها دولة للمهاجرين، وتعود جذور نحو ربع مهاجري عام 2004 إلى دول الكومنولث الجديدة، ومن مستعمرات إفريقيا السابقة، وآسيا، والكاريبي. ويعود أصل 13 في المائة منهم إلى دول الكومنولث القديمة؛ أستراليا، كندا، نيوزلندا، وجنوب إفريقيا. ونظراً للتوسع نحو الشرق، حيث تبلغ نسبة الأوروبيين الآن نحو 31 في المائة، كان من الممكن أن تبلغ نحو 11 في المائة فقط خلافا للدول المنضمة حديثا. وحسبما جاء عن دراسة لمجلس الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية، فإن كل واحد من ثلاثة مهاجرين يحظى بمستوى جيّد من التعليم. وبفضل الشروط المرنة في سوق العمل البريطانية، تظهر حجم البطالة العمالية المتدنية شواغر عملية التداخل كأمر سهل نسبياً، حيث توجد مناصب العمل خاصة في قطاع الصحة، وقطاع الكمبيوترات، وفي الإدارة، والفنادق والمطاعم.
ولكن سيصبح الأمر في المستقبل أكثر صعوبة بالنسبة لأصحاب المؤهلات المتدنية من خارج الاتحاد الأوروبي، للسماح لهم بالقدوم إلى الجزيرة. وأعلنت الحكومة البريطانية، بأنها ستعمل على إلغاء حزمة من تشريعات الهجرة والتي يصعب النظر فيها حتى الآن، واستبدالها بنظام النقاط، الموجود حالياً في أستراليا، نيوزلندا، وكندا. وبدلاً من عاملات التنظيف الوافدات من الفيبين، تنوي بريطانيا جذب الأيدي العاملة عالية التأهيل، ورجال الأعمال الناجحين، من أنحاء العالم كافة بقوة.
وسيتم تقسيم الهاجرين إلى خمس مجموعات، وستكون المجموعة الأولى لخريجي الجامعات والذين يمتلكون عدة سنوات من الخبرة في مجال العمل، وأجراً فوق المعدل، لهؤلاء تفتح سوق العمل أبوابها بكل حماس. وكحوافز إضافية، تشير الحكومة إلى ترخيص الإقامة الدائم عقب عامين من الإقامة. والمجموعة الثانية، وهم الحرفيون المتخصصون، يمكنهم أن يحرزوا نقاطاً مقابل التعليم و سنوات الخبرة. وتوجد نقاط إضافية للمتقدمين الشباب منهم. ومن يحقق الحد الأدنى من النقاط المطلوبة في قطاع معيّن، يمكنه حزم أمتعته والعزم على الرحيل. وفي قطاعات تقل فيها القوى العاملة، تظهر عقبات جمع النقاط أقل، وفي قطاعات يمكن إيجاد مواطنين بريطانيين بسهولة فيها، تصبح العقبات أعلى.
ولا يملك أصحاب المؤهلات المتدنية فرصة في هذا النظام، إلا إذا وجدوا صاحب عمل رحيم. وبدأت مخاوف الكثير من الفنادق والمنازل الصينية، والهندية بالظهور مباشرةً في لندن، من ألا يتمكنوا من إيجاد طاقم عمل بسهولة وبخاصة من مواطني بلادهم. وحتى القطاع الحكومي، والذي يوظّف بالعادة الكثير من الآسيويين، يُشير إلى معارضة لهذا النظام. ويتوقّع النقّاد نمواً واضحاً في التوظيف غير الشرعي.
ومنذ الآن بدأت أعداد المهاجرين غير الشرعيين الكبيرة تقلق الحكومة ويقدّر العدد بما يعادل نحو 570 ألف، وهذا أكثر من عدد سكّان مدينة "أدينبورج". وأعلن وزير الداخلية، جون رايد، عن أساليب أكثر صرامة، من بينها، إنفاق ضعف ما ينفقه من المال على الضوابط أكثر مما سبق، وتوظيف المزيد من الموظفين على الحدود. وعلى أرباب العمل أن يخشوا من العقوبات القاسية، إذا ما عمدوا فعلاً إلى التوظيف اللاشرعي.
وفيما إذا كانت الحكومة ستحقق فعلاً النجاح في النزاع ضد الهجرة اللاشرعية سريعاً، يبقى الأمر مشكوكاً به. وتشير المعارضة لسياسة الهجرة على أنها "خارج السيطرة". "يوجد الكثير من الثغرات والصدوع، عدم الكفاءة، والفساد، حيث يملك المجرمون لعبة سهلة أمامهم"، حسبما ورد عن السياسي المحافظ، داميان جرين. وتم الإعلان عن المظالم لأول مرة بصورة عامة، وكما قيل، حيث أن نحو ألف من المساجين الأجانب بفعل حكم قضائي، لم يتم نفيهم إلى بلادهم كما كان متوقعاً. والبعض منهم أصبح منتهكاً للقانون من جديد. ومنذ ذلك الحين بالكاد يمر أسبوع واحد دون السماع في الإعلام البريطاني عن عملية قذرة أو فساد في السلطات القائمة. ويشير الاتهام الأخير، إلى أن موظفي الهجرة لابد أن يكونوا قد أعانوا المتقدّمين لتأشيرة الدخول مقابل دفع المال، حيث ساعدوهم، كونهم مواطني زيمبابوي، بما أن بريطانيا لم تعد تسمح بالمزيد من سكان زيمبابوي، عن طريق دفع المال. وشارك الموظفون في الدوائر في أعداد كبيرة من التأمين الاجتماعي للمتقدمين بطلبات تحتوي على سندات زائفة.
ومنذ فترة وجيزة تسلطت الأضواء على خمسة من المهاجرين النيجريين غير الشرعيين المقيمين في بريطانيا، والذين عملوا على تنظيف المكاتب على مدار أعوام. وأحد مانحيهم العقود كانت سلطة الهجرة نفسها.

الأكثر قراءة